بدأت إيران إحدى مشروعاتها الرئيسية فى مرحلة ما بعد الاتفاق النووى، وهى ميناء تشابهار، ودفعت لمزيد من الانخراط مع المجتمع الدولى قبل أيام من قرار متوقع من الكونجرس الأمريكى بشأن ما إذا كانت واشنطن ستنسحب من الاتفاق الدولى الهام.
وافتتح الرئيس حسن روحانى رسميا يوم الأحد الميناء الجنوبى الشرقى فى محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية باحتفاء كبير حيث حضر مسؤولون من 17 دولة مراسم افتتاح امتداد جديد للممر التجارى الاستراتيجى.
وتسارعت عملية تطوير ميناء تشابهار بعد توقيع طهران على المعاهدة النووية المعروفة رسميا بخطة العمل الشاملة المشتركة مع واشنطن وخمس قوى رئيسية اخرى فى عام 2015 لوضع قيود على برنامجها النووى المتنازع عليه وذلك مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية.
وخلال زيارة قام بها صحافيون في وقت سابق من الأسبوع الماضي، قامت رافعات سويسرية مثبتة في أول رصيف تشغيلي بتفريغ حاويات تحمل العلامة التجارية لشركة النقل الوطنية الإيرانية، وخطوط الشحن التابعة لجمهورية إيران الإسلامية (إري س ل)، وعلى بعد من سفينة وصلت لتوها من الهند حيث كانت تحمل شحنات القمح، والتي سيتم نقلها بالشاحنات إلى أفغانستان. وهذه هى الشحنة الثالثة التى تصل هذا العام كجزء من عقد تم توقعيه لنقل 1.1 مليون طن من القمح من الموانئ الهندية الى الدولة المجاورة غير الساحلية.
يذكر أنه يتم نقل الحاويات إلى المنطقة الفارغة الشاسعة بمحطة حاويات ميناء شهيد بهشتي التي تم بناؤها مؤخرا. وستقوم شركات في أوروبا وآسيا بتجهيز المعدات الممولة من خلال استثمار يبلغ قيمته 85 مليون دولار لشغل المساحة الفارغة.
وقريبا ستقدم شركة شانغهاى تشنهوا للصناعات الثقيلة أربعة رافعات جسرية لاستيعاب سفن الحاويات الكبيرة فى اول رصيف يقدر بـ 8.5 مليون طن.
وبمجرد تحقيق ثلثي هذه القدرة، سيتم بناء خمسة أرصفة أخرى لزيادة قدرة الميناء إلى 82-85 مليون طن. ومن شأن إنجاز المخطط الذي يهدف لإنشاء محطة أخرى متعددة الاغراض والتي تعد قيد الانشاء بالإضافة إلى 660 كم من السكك الحديدية بين الشمال والجنوب نحو أفغانستان ووسط آسيا أن يحول الميناء إلى أصول استراتيجية للهند فى مواجهة التنافس الجغرافى السياسى مع الصين وباكستان.
وتقوم تلك الدول بتطوير ممر اقتصادي صيني باكستاني بقيمة تبلغ 46 مليار دولار والذي سيخفف الحمل عن ميناء جوادر في باكستان، بمعدل أقل من 100 كم من ميناء تشابهار.
وقال أمير حسين إسماعيلي، مدير مشروع تطوير ميناء شهيد بهشتي للجزيرة، “هذا طريق استراتيجي بالنسبة للهند”. وأضاف “إن نقل البضائع إلى أفغانستان عبر باكستان إما مستحيل بسبب مخاوف أمنية أو لأنها تخضع لتكاليف زائدة”.
وفى مؤتمر صحفى عقد الأسبوع الماضي قال رئيس موانئ سيستان بلوشستان والمكتب البحرى إن تكاليف كل حاوية بطول 20 قدما أقل من ألف دولار إذا تم نقلها عبر تشابهار إلى افغانستان وذلك مقارنة بالطريق الباكستانى.
غنائم الاتفاق النووي
يذكر أنه بعد بضعة أشهر من بدء سريان الاتفاق النووي مع إيران في يناير من عام 2016 ورفع العقوبات، قام رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بزيارة البلد الذي وافق على فتح خط ائتمان فيه بقيمة 500 مليون دولار لتطوير الميناء، بما يقرب من نصف القيمة التي تخطط إيران للاستثمارها. وقد مكن رفع الحظر إيران من الدخول في مفاوضات مع الهند والصين وأوروبا بشأن الاستثمار وتوريد المعدات.
ورغم ذلك، فالنجاح الباهر الذي حققته تشابهار وغيرها من الصفقات التي وقعت عليها إيران بعد رفع العقوبات قد تغلب عليه الآن معارضة الولايات المتحدة للاتفاق النووي.
وعلى الرغم كذلك تصريح الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران قد التزمت تماما بشروط خطة العمل المشتركة، رفض الرئيس الامريكى دونالد ترامب، وهو معارض صريح للاتفاق، “التصديق” على أن ايران فى حالة امتثال. وقد منح ذلك الكونغرس الذى يسيطر عليه الجمهوريون 60 يوما لإعطاء قرار بشأن ما إذا كان يتعين على واشنطن فرض عقوبات على إيران.
وقد أشار المسؤولون الإيرانيون إلى أن الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق النووى وهى الصين وروسيا وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا ما زالت تعتبر الاتفاق قائم.
وردا على تساؤل حول ما إذا كانت إيران مستعدة لفرض الولايات المتحدة للعقوبات مرة آخرى قال محمد رستاد نائب وزير النقل الايراني للموانئ والشؤون البحرية “لم يحدث شيء بعد؟”
وأضاف رستاد، “لقد عقدنا مفاوضات ناجحة مع الشركاء الدوليين في أعقاب خطة العمل الشاملة المشتركة”. وقال “إننا نعتقد أن هذه الاستثمارات ستساعد على تعزيز علاقاتنا الدولية، ونأمل أن يساعدنا ذلك على تحقيق مستقبل أفضل لمينائنا وأنشطتنا البحرية”.
جدير بالذكر أنه تم توقيع صفقات تجارية واستثمارية تقدر بمليارات، وذلك في أعقاب الاتفاق النووي بين الشركات الإيرانية وتلك الشركات الموجودة في الهند والصين وروسيا وأوروبا الغربية والولايات المتحدة نفسها.
وبصرف النظر عن الولايات المتحدة، دافع جميع الأطراف الأخرى عن الاتفاق النووي، مؤكدين على أنه كان فعالا.
ومع انحيازها للمنافس الإقليمي لإيران وهي المملكة العربية السعودية والعدو الرئيسي إسرائيل، كانت إدارة ترامب قد اتهمت طهران والنخبة من قواتها العسكرية، والمتمثلة في الحرس الثوري الإسلامي، بخلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة عن طريق اختبار اطلاق صواريخ بعيدة المدى ومحاولة زيادة نفوذها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وذلك بدعم الميليشيات هناك.
وتقول إيران إن برنامجها الصاروخى مصمم لأغراض دفاعية وتنكر الاتهامات الاخرى الموجهة لها.
وفي أواخر أكتوبر، أضافت وزارة الخزانة الأمريكية الشركات الكبرى التي لها علاقة بالحرس الثوري الإيراني مثل شركات بناء وتشغيل الموانيء شركة تايدواتر الشرق الأوسط وشركة إيران البحرية الصناعية إلى قائمة الممنوعين. وكانت الشركات التابعة للحرس الثوري الإيراني لها حصة كبيرة في أنشطة الميناء الإيراني.
وقد كان الذراع الاقتصادي للحرس الثوري الإيراني، هو شركة مقر ختام الأنبياء للإعمار، والتي لعبت دورا كبيرا في بناء ميناء تشابهار على وجه الخصوص.
وحتى الآن، تلقت الهند الضوء الأخضر من الولايات المتحدة فيما يتعلق بأنشطتها الاقتصادية في تشابهار.
ونُقل عن وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون قوله فى زيارة للهند فى اكتوبر الماضى إن بلاده لا تريد “التدخل فى الأعمال المشروعة” القائمة مع إيران “سواء كانت من أوروبا أو الهند أو الاتفاقيات القائمة التى تعزز التنمية والأنشطة الاقتصادية لصالح أصدقائنا وحلفائنا”.
وفي النهاية يبقى أن نرى ما إذا كانت كلمات تيلرسون لا تزال قائمة أم لا.