ليست المخدرات شيئًا هامشيًا وبعيدًا عن الشعب الإيراني، مثله مثل بقية شعوب العالم، تظل المخدرات أو الكيف ركنًا مؤثرًا لعددًا ليس بالقليل من أبنائه، باختلاف أنواعه، من الحشيش إلى الكوكايين والهيروين، وهو الأمر الذي كان يتم مواجهته بأيد من حديد طيلة السنوات الماضية خاصة بعد الثورة الإسلامية، نظرًا لكونه متاحًا في عصر الشاه، غير أنه في الآونة الأخيرة تم فتح باب جديد من خلال قانون إيراني ينوي توزيع المخدرات للمدمنين ضمن قسائم حكومية.
كيف تاريخي
ليست المخدرات ابنة العصر الحديث داخل إيران، فكثير من القصائد الفارسية القديمة كانت في وصف الخمر، واشتهر عدد من الشعراء بالتغزل في الخمر في ذلك الوقت، ووصفها، ثم في عصر الشاه كانت الخمور شيئًا قانونيًا تمامًا داخل الحانات، ومحلات الخمور، إلى أن جاءت الثورة الإسلامية التي منعت بيع الخمور للمسلمين، واقتصرت ذلك فقط على المسيحيين واليهود داخل إيران.
ورغم كل القيود التي فرضتها الثورة الإسلامية على شرب المخدرات، لم يتوقف روادها على الاستعانة بها لمواجهة حياتهم، ولكن بطرق كثيرة ملتوية، حيث يوجد من يسمون بالديلر في الشوارع الإيرانية، يقومون هم بدور البائع للراغبين.
طرق المخدر
يدخل المخدر إلى إيران عن طريق عدة طرق، ولكن أهم منفذ لدخول المخدرات هي “أفغانستان” خاصة لقربها من إيران، ولأنها تعتبر من أكبر الدول المصدرة للمخردات في العالم، وستورد إيران بشكل خاص مخدر “الكريستال ميث” لتحتل المركز الرابع في أكثر الدول المستوردة لهذا المخدر، خاصة أن الحكومة نفسها تستورد هذا المخدر نظرًا إلى دخوله في عدد من الأدوية، غير أنه يتم استخدامه بطرق ملتوية، خاصة لسعره الرخيص، الذي يجعل من وجوده في متناول البسطاء أمرًا شائعًا.
كما تشتهر أنواع أخرى من المخدرات وهي الميثامفيتامين، والهيروين، والحشيش، والأفيون الذي يتناوله كثير من المدمنين نظرًا لتوافره ورخص ثمنه هو الآخر، كما تداول أخبار عن تورط بعض رجال الحرس الثوري في بيع هذا المخدر، ليس هذا فقط هو ما يورط أفراد الحرس الثوري، بل تناقلت أخبار أيضًا عن عمليات تهريب يقومون بها هؤلاء الرجال للمخدر إلى العراق، ومن ثم إلى بقية دول الخليج، ومن جانبه صرح محافظ ديالي السابق بالعراق “عمر الحميري” أن 90% من المخدرات المهربة مصدرها إيران، مؤكدًا تورط بعض المسئولين الإيرانيين في توريد المخدرات لبلده.
أما الخمور فيتم تهريب حوالي 60 إلى 80 لتر إلى إيران من خلال حدوها من الغربية من إقليم كردستان بالعراق، كما يتم تصنيعه محليًا كذلك، ويختص الأرمن داخل إيران بهذه الصناعة، نظرًا لعدم وجود قانون يجرم صناعة الخمور من جانب الأرمن، غير أن آثاره الصحية مدمرة نظرًا لعدم وجود كثير من ضوابط تصنيعه، مما يجعله خطرًا كبيرًا على الصحة، ومع ذلك يتم شرائه وتداوله.
ومن جانبه سبق ونشر موقع “ويكيلكس” عام 2009 أن هناك ارتفاع كبير في كمية الهيروين التي تصدرها إيران إلى أذربيجان التي بدورها تصدر هذا المخدر إلى السوق الأوروبي، ليؤكد الموقع أن إيران تعد أكبر الدول المنتجة للهروين في العالم.
عقوبات
لم تقف الحكومة الإيرانية مكتوفة الأيدي إزاء هذه الخروقات لقانونها الذي تجرم فيه المخدرات بكل أنواعها، حيث تصل عقوبة حيازة وتعاطي المخدرات في إيران إلى 80 جلدة وغرامة مالية تصل إلى 500 دولار أمريكي، أما إن تم اعتقال المتهم أكثر من مرتين يتم سجنه عام وعامين، أما تجار المخدرات فإنهم يواجهون اتهامات تصل إلى الإعدام.
خسائر
وتقدر الخسائر الناتجة عن إنتاج وتعاطي المخدرات في إيران بحسب تصريحات المسئولين عن خسارة حوالي 3 مليارات دولار، وتطال هذه الخسائر بنسبة 47% المتعاطين أنفسهم، بينما تؤثر بنسبة 24% الحكومة، في حين تبلغ نسبة الخسائر للمجتمع نفسه حوالي 29%.
أما مستهلكي المخدر في إيران فقد انخفض سنهم إلى أقل من 15 عاماً، حيث تبلغ نسبة 1% من طلبة المدارس في البلاد، و 6.2% من طلبة كليات العلوم، و6.1% من طلبة كليات الطب في البلاد يتعاطون المخدرات، ورغم أنهم كانوا يشكلون 3% من نسبة المدمنين فقط، ارتفعت نسبتهم الآن إلى 26% وهو الأمر الباعث على القلق المتزايد، من جانب الحكومة الإيرانية.
ورغم أن الإحصائيات الحكومية تؤكد أن نسبة المدمنين داخل إيران تقدر ب2 مليون، إلا أن جهود خاصة، وجمعيات إيرانية تقدر العدد بضعفي النسبة، مشيرين إلى أن عدد المدمنين إلى إيران يصل إلى 6 مليون مدمن للمخدرات، بينما توضح الإحصائيات إلى ارتفاع عدد الوفيات بنحو 6.2 في المائة، أي حوالي 3 آلاف و190 ألف مدمن على المخدرات، وهو ما يتخطى نسبة المعدلات العالمية، حيث أن الإدمان يعد من أهم أسباب الوفاة داخل إيران.
قانون جديد
في يوليو الماضي تم اقتراح قانون جديد في البرلمان الإيراني يقضي ببيع المخدرات من جانب الحكومة، وهي الخطوة التي اعتبرها المسئولون أنها بمثابة حل لتقنين هذه الصناعة، وبحسب ما أوضحته وكالة إيلنا الإيرانية فإن “المدمنين سيتوجهون إلى النظام لتأمين احتياجاتهم من المخدرات عبر الطرق الرسمية بدلًا من أن يحصلوا عليها من المهربين، حيث سيتم توزيع “المخدرات الرقيقة” مثل مادة “الميثادون” التى تجيزها الحكومة، الأمر الذي سيكون قرارًا مشتركا بين وزارة العدل ومنظمة مكافحة المخدرات كى يتم تدوين القانون فيما بعد.
ولا تزل الدولة رغم ذلك تدين التجار بتهم الإعدام، خاصة أن تلك المهمة ستصبح مهمة الدولة وحدها فقط، التي تصدر أنواعًا ميعنة من المخدر للمدمنين عن طريق قسائم الشراء وبكميات محدودة، وهو الأمر الذي جعل منظمة حقوق الإنسان بتهم الإعدام التي تصدرها إيران، بحق عمليات الإعدام الموسعة التي تصدرها إيران بشأن الإعدامات، التي وصلت العام الماضي 2016 إلى 567 شخصًا، وهو الأمر الذي تخطو إيران في سبيل تحقيقه هذه الآونة، حيث لن يتم إقرار الإعدام إلى في الجرائم الأشد خطورة فيما يخص المخدرات.