منذ عدة أيام، عقدت الجامعة العربية اجتماعًا طارئًا لوزراء خارجية العرب بطلبٍ من السُعودية، دار هذا الاجتماع حول قضية التدخُل الإيراني في المنطقة وحتمية شحذ الجُهُود من كافة البلدان العربية للمواجهة، ولكن الاجتماع تحدث بشكلٍ أكثر خُصُوصية عن قضية برنامج صواريخ إيران الباليستية ومدى خُطُورتها؛ لدرجةٍ جعلت وزير الخارجية السُعودي، عادل الجبير، يُصرِّح أنه لن تُصبِح أية عاصمة عربية في مأمن من هذه الصواريخ.
فما هو هذا البرنامج ؟، وكيف أصبح سِياج يحمي إيران من الأخطار التي تُهدِّدها ؟، وماذا ستفعل إيران به مُستقبلًا ؟، وغيرها من الأسئلة التي تُطرح في العقول عندما يتبادر هذا الاسم في عُقُول القُراء والمُستمعين له.
وضع البرنامج الصاروخي في إيران
يقع البرنامج الصاروخي الإيراني في مكانةٍ سامقةٍ لدى الجمهورية الإيرانية، تُصبِح هذه المكانة بمثابة إحدى العقائد والخُطُوط الحمراء التي لا يُقبَل بتجاوزها أو المساس منها.
فقد ذكر الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في نهاية أكتوبر الماضي، في خطابٍ ألقاه في مجلس الشورى،أن إيران أنتجت، وتُنتِج، وستظل تُنتِج الصواريخ ولن تتوقف عن ذلك، وذلك في إطار أغراضٍ دفاعية.
بل صرّح مُرشد الثورة الإيرانية، عليّ خامنئي بنفسه، في كلمةٍ ألقاها أمام الجيش، أن قدرات البلاد الدفاعية ليست محل التفاوض ولا المُساومة، وأن قضية الأمن مثلها مثل قضايا الاقتصاد ومعيشة الناس.
وبالتالي تواترت مواقف قادة الأجهزة العسكرية وكبار رجال الدولة على أهمية البرنامج الصاروخي وعدم المساس به، وعدم قابليته للتفاوض، وهذا بعد استشعارهم أنه حجر زاوية جديد في قضية تعاملهم مع الغرب من جهة، ومع بُلدان المنطقة لا سيما السعودية في الصِراع الدائر بينهما.
فقد حذّر علي أكبر ولايتي، كبير مُستشاري المرشد الأعلى الإيراني، فرنسا في ألا تتدخل في برنامج الصواريخ الإيرانية وأنه لا يخُصها وليس من شأنها التحدُث فيه وهذا الموضوع لا يمُت بصلةٍ لماكرون؛ وجاء هذا الرد الإيراني القوي ردًّا على تصريح لإيمانويل ماكرون في وقتٍ سابق، أن على طهران أن تكون أقل عدوانيةً في المنطقة، كما عليها توضيح استراتيچيتها حول برنامجها الصاروخي الباليستي.
وفي استعراضٍ آخر لقُوة السلاح الصاروخي، قال نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي: ” في ما يتعلّق بالصواريخ البالستية، أنا على ثقةٍ أن الولايات المتحدة والاتحاد السوڤيتي -سابقًا- وحدهما قادران على التمكّن من هذه التكنولوچيا، والآن يمكننا الإعلان أننا نملك هذه التكنولوچيا أيضًا”، وهذه لهجة تنُم عن ثقةٍ جديرة بالتحليل والدراسة.
ترتكز هذه التصريحات في قلب العقيدة العسكرية للجمهورية الإيرانية حتى تلتحم بفكرة الثورة الإسلامية التي قامت في عام 1979، وحقيقة مشروعيتها التاريخية والسياسية القائمة على أرض الواقع في الوقت الآني، مع اعتبار قضية السلاح بشكلٍ عام وبرنامج الصواريخ بالأخص هي قضية عسكرية هوياتية ليس لهم تبديدها أو التفريط فيها.
صفحة التاريخ
لا يُوجَد تاريخ مُحدَّد نستطيع أن نُعوِّل عليه، بداية الاعتماد الإيراني على الصواريخ. كما إننا لم نستدل على صِحة الرواية المُتداولة بشأن تعاون الشاه رضا بهلوي مع إسرائيل قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران لتطوير الصواريخ الإيرانية، لذلك عمدنا إلى أكثر التواريخ موثوقيةً وواقعيةً.
وهي فترة حرب الخليج الأولى، حيث الحرب العراقية الإيرانية التي امتدت في الفترة من 1980 – 1988، فقد كانت العراق خطرًا محدقًا على إيران بسبب القوة العسكرية المتعاظمة لها، وقد تبين هذا في فترة الحرب حيث أمطر الجانب العراقي المدن الإيرانية بوابلٍ من الصواريخ والقذائف، وهذا ما أكد للجانب الإيراني الحاجة إلى تطوير سلاح الصواريخ في محاولةٍ للرد على العراق فبادرتهم إيران بصواريخ من طراز سكود B، ولكن هذا لم يكُن كافيًا، ففي أعقاب “حرب الخليج” حظر قرار مجلس الأمن رقم 687 على العراق إنتاج واستخدام صواريخ أرض-أرض التي يتعدى مداها 150 كم ، ظلت إيران في حالةٍ من الترقُب، وعكفت على تشييد منظومتها الدفاعية.
ولم تتوقف عند هذا بل قد جاءت الثورة الإسلامية تحمل بُعدًا عقديًا في فكرة تصدير الثورة كما أسلفنا وهذا هو الذي جعلها منكفئة على التطوير المُستمر والتعديل والزيادة في القُوة العسكرية، والتي مثّلت الصواريخ قلبها النابض، ولم تكُن لترتدع بفكرة العُقوبات الدولية كالتي طُبِقت على العراق.
بدأت إيران في أواخر الثمانينات قائمةً على استيراد خطوط تجميع صواريخ “سكود B” و “سكود C” من كوريا الشمالية والصين.
وفي إحدى ترجمات إصدارات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيچية، ذكر مايكل أيليمان، كبير المحلّلين في مجال التعاون الأمني الإقليمي، أنه منذ أواسط التسعينيات وضعت إيران في أعلى لائحة أولوياتها الاستحواذ على صواريخٍ قادرة على إصابة إسرائيل وتطويرها. وبدأت هذه الجهود مع عملية شراء صاروخ “نودونغ” المندفع بالوقود السائل من كوريا الشمالية، الذي طُوِّر لاحقًا إلى “شهاب 3”.
ورافق ذلك إطلاق إيران برنامج الهندسة العكسية لاستحواذ التكنولوجيا والعمليات المرتبطة بها، وشهد هذا الأمر تطور آخر عبر قرار الجنرال مقدم -الذي ترأس سابقًا برامج إطلاق الصواريخ الفضائية الإيرانية- أن يتم التركيز على الصواريخ المتعددة المراحل التي تعمل بالوقود الصلب.
وفي عام 2004، كشفت وثائق إيرانية تم تسريبها على شبكة الإنترنت عن وجود خطة مع روسيا لاختبار إطلاق طوربيد (شكفال) الصاروخي الفتاك ذو السرعة العالية والتجويف الكبير في مياه الخليج العربي.
وهذا يُظهِر لنا أن إيران لعبت على جانب المعسكر الشرقي وتوطيد علاقاتها به، وتمثل هذا في استمداد التقنيات والتكنولوچيات والنُظم والخبرات من كوريا الشمالية وروسيا وهذا كله من أجل تشييد برنامجها الذي حاول المعسكر الغربي بجانب الولايات المتحدة إيقافه وتعطيله.
كما أنها استغلت الظرف السياسي الذي وُلِّد من الحرب الباردة في الفِصال بين المعسكرين الشرقي والغربي، وأصبح على إثر هذا، هناك رغبة مستمرة في مخالفة المعسكر الشرقي لمُضارعة الغرب والولايات المتحدة ومُخالفتهم. وأصبح هذا المعسكر يُجيِش مٌعارضي الغرب ويعبئهم من مختلف الوجهات والمناطق.
ترسانة الصواريخ الإيرانية
في تقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى حول “ترسانة الصواريخ الإيرانية والمحادثات النووية”، تُعتبر إيران على رأس دول منطقة الشرق الأوسط في امتلاك الصواريخ الباليستية عددًا وقُدرةً وتطورًا ولا يكاد يسبقها أحد، بالإضافة إلى البون الشاسع بينها وبين الذين يلونها في امتلاكها.
ولكن قد يتساءل الكثيرون حول أسباب امتلاك إيران هذا الكم من الصواريخ لا سيما الباليستية منها؛ وهذا ما يُعزى إلى ضعف السلاح الجوي الإيراني نسبيًا وهذا يُرى نسبيًا في عدم الاعتماد عليه في المُعترك السُوري والاعتماد على القُوة البرية، بالإضافة أيضًا إلى ما نستطيع أن نُسمّيه “رمزية” القوات البحرية الإيرانية، فوجهت إيران قِبلتها شطر الصواريخ وانكفأت على الامتلاك والتطوير والتحديث والدراسات المُستفيِضة لتعويض ذلك العجز في ميزان القوة العسكرية الجوية والبحرية لديها. وتدعيم القُوة البرية أكثر فأكثر.
كما تقع إيران في منطقةٍ تعج بأوضاعٍ چيوسياسية مُتقلِبة تفرض عليها التحرك لتشييد منظومة عسكرية رادعة بالإضافة إلى جعلها في مأمن من الأخطار المحدقة بها، سنجد أن القواعد الأمريكية على مقرُبة للغاية منها مُتمركزة في بُلدان الخليج، بلدان الخليج نفسها والتي تقع على رأسها السُعودية في ظل خلافٍ لا يتوقف بين البلدين ويتطور يومًا عن يوم في ظل الاختلاف العقدي بين دول الخليج وإيران، بالإضافة إلى وجود إسرائيل في المنطقة، وكذلك الخطر الكردي المتصاعد، والوضع في بُلدان الشام بداية من لُبنان مرورًا بفلسطين نهايةً بسُورية.
وهي أهداف كافةً تقع ضمن نطاق 150 كم منم الشواطئ والجزر الإيرانية، لكن تلك الصواريخ التي تأخذ مدى 2000 كم وتتعدى هذا الرقم أصبحت تُهدد إسرائيل وما هو أبعد من إسرائيل. إذ أصبح رأس أهداف البرنامج الصاروخي الإيراني توسيع أمدية منظومة صواريخها وهذا فرض عليها تطوير موازي على جانب الدقة، والتقنية المحلية، والاختبار، والحُمولة على رؤوسها.
طوّرت إيران القُدرة الوحيدة في المنطقة على إطلاق الأقمار الصناعية إلى جانب إسرائيل، تُسخِر إيران للبرنامج كوادر من الفنيين والمُهندسين المهرة العاملين في منظمة “الصناعات الجوية الفضائية” التابعة لوزارة الدفاع والتي لديها أكثر من 20 شركة أُخرى تابعة لها منذ عام 1993.
في إحدى ترجمات إصدارات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيچية، أفاد أن إيران كانت تعمل على استيراد مكونات أساسية، ومواد حشواتٍ دافعة، ومُعدات تصنيع لدعم عملية إنتاج الصواريخ الباليستية، في ظِل اعتماد إيران على نفسها طوال العقدين الماضيين، في ظِل استخدام مُهندِسيها بطريقةٍ ذكية ومُبدِعة -كما يصف التقرير- التكنولوچيا المُتاَحة لهم لإنتاج صواريخ بمدى أطول قادرة على حمل أقمار اصطناعية لوضعها في مداراتٍ حول الأرض، بالإضافة إلى الصناعات الدفاعية والصناعات الجوية الفضائية الإيرانية التي باتت تركّز على تحسين اعتمادية قوّتها الصاروخية ودقّتها، فضلًا عن تطوير الوسائل للتفوّق على الدفاعات الصاروخية.
في عام 2006 أنشأ الحرس الثوري الإيراني مركز أبحاث للصواريخ والفضاء الخاص به لتعزيز أنشطة الصواريخ، وقام الحرس بعد ذلك بدمج المركز مع منظمة “جهاد الاكتفاء الذاتي” الخاصة به أيضًا، كتب الإيرانيون في عام 2013 مقالات أكاديمية حول هندسة الطيران أكثر من الروس، على الرغم من أن وضع إيران يمنع الباحثين العاملين في المشاريع العسكرية من نشر مقالاتٍ في المجلات الدولية. كما تُوفِر أربع وعشرين جامعة على الأقل في إيران دوراتٍ دراسية في هندسة الطيران المتقدمة.
في أواخر سبتمبر الماضي كشفت إيران عن آخر صيحةٍ من ترسانتها الصاروخية والذي يُدعى “خرمشهر”، وهو أحدث الصواريخ الإيرانية الباليستية تطورًا ويبلغ مداه 2000 كلم، ولديه إمكانية حمل رؤوس حربية عِدة، ويبلُغ وزن الرأس الحربي على صاروخ خرمشهر 1800 كجم؛ ليُصبِح أقوى صواريخها على الإطلاق.
وهذا يفتح لنا الباب للتعرُف على ترسانة إيران، وتمتلك إيران صواريخ مُختلفة المدى.
فنجد أن لديها منظومة صواريخ قصيرة، ومتوسطة، وطويلة المدى، مثل، “شهاب 1″ مداه 350 كم مُطوَّر عن صاروخ سكود الروسي، و”شهاب 2″ مداه 750 كم وصاروخي شهاب 1 و2 هذين ذكرت إيران أنها تمتلك منهما من 200 – 300 صاروخ بحمولات تصل إلى 750 كلغ قادرة على الوصول إلى دول الجوار، و”فاتح 110” مداه 200 كم.
وهي صواريخ تشكل العمود الفقري للقدرات الدفاعية الإيرانية على المدى المتوسط والتي زُوِدت بأنظمة رادارية وأشعة الليزر لرصد وإصابة الأهداف بدقةٍ، وسلسلة صواريخ “زلزال” 1 و2 و3 يبلغ مداها من 200 – 400 كم، و”قيام 1″ مداه 750 كم، و”قادر” مداه 200 كم، و”يا عليّ” مداه 700 كم.
بالإضافة إلى صاروخ “شهاب 3” مداه من 1200 – 2100 كم يتمتع بمزايا مختلفة كالسرعة الفائقة، والقُدرة على حمل رأس حربي يزن ما بين 760 و1000 كلغ، وهو ما يمثل تهديدًا مباشرًا لإسرائيل حسبما ذكر مسؤولوها، وصاروخ “قادر 110” مداه من 2000 – 3000 كم، وصاروخ “عاشوراء” مداه 2000 كم، وصاروخ “سجيل” ومداه يصل إلى 2000 – 2500 كم، وصاروخ “عماد” مُطوّر عن صاروخ “شهاب 3” لكن مصحوب بدقةٍ أكبر، بالإضافة إلى صاروخ “مشكاة” ويبلغ مداه 2000 كم.
بالإضافة إلى سلسلة صواريخ فجر والتي صُمِّمت في فترة التسعينيات بتكنولوجية كورية شمالية على أساس راجمات الصواريخ السوفياتية، وبلغ مدى الصواريخ الأولى من هذه الفئة 40 كم، تطورت هذه العائلة من الصواريخ لتُنتِج “فجر 3” بمدى يصل إلى 45 كم، ثم “فجر 5” بمدى من 68 – 75 كم مع الأخذ أنها صواريخ أرض أرض. بالإضافة إلى صاروخ “الخليج الفارسي” كأول صاروخ يتم إنتاجه بسرعة تفوق سرعة الصوت بمدى 300 كم، وقادر على حمل 450 كم من المواد المتفجرة.
وصاروخ “سومار” نقلت عنه صحيفة “دي فيلت” الألمانية في فبراير هذا العام، وحلق لنحو 600 كيلومتر في أول اختبارًا له. ونقلت الصحيفة إن للصاروخ قدرة على حمل أسلحة نووية ويمكن أن يتراوح مداه بين 2000 و3000 كم.
كما اختبرت إيران في ديسمبر الماضي سبع منظومات دفاعية محلية الصُنع، منها منظومة “مرصاد” الصاروخية المُطوَّرة عن منظومة”هاغ” الأمريكية، بالإضافة إلى منظومة “زهراء 3″، مع منظومة جديدة من الصواريخ مثل، صاروخ فجر 5 الموجه، وصواريخ “ميثاق 3” المحمولة على الكتف.
كما تمتلك إيران أنظمة صواريخ دفاعية أخرى مثل صواريخ الدفاع الجوية المحمولة ميثاق1 و2، وأنظمة الصواريخ المضادة للدبابات مثل طوفان1 و2 وصاروخ رعد وصايغي. وكذلك نظام الصواريخ المخصصة للقوات البحرية مثل صاروخ نور بمدى يصل إلى 200 كيلومتر، وكوثر.
تحاول إيران جمع أكبر قدر من المزايا المتنوعة في صواريخها من أدنى درجة إلى أقصى تقنية وتكنولوچيا، وهذا ظهر في منظومة صواريخها الكروز المُطوّرة التي يصعُب صدها مقارنة بالصواريخ الباليستية، حيث إنها تُحلق على مستوياتٍ منخفضة ربما لا تلتقطها أنظمة الرادار مما يُربك أنظمة الدفاع الصاروخية، كما أن بإمكان كروز ضرب أهداف في عُمق أراضي الخصم. وقال خبير أمني لصحيفة “دي فيلت” الألمانية إن الميزة الكبيرة من وجهة نظر إيران هي أن صواريخ كروز لم تُذكَر في أي من قرارات الأمم المتحدة التي تحظر العمل على تصنيع الصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية.
نظرة إيرانية مستقبلية
إيران أصبحت ماضية في برنامجها الصاروخي أكثر من أي شيئًا آخر ومن أي وقتًا مضى،وهذا هو سر القلق الغربي والإسرائيلي الدائم من إيران، فلم ينفك العالم أن يضع أوزار ملف إيران النووي جانبًا، حتى خرجت عليهم من ميدانٍ آخر، وهي مع هذا الملف أشد تمسُكًا وغير راغبةٍ البتة في السماح بالمُساومات أو المفاوضت فيه كما قدمنا، وهذا ما أجّج غضب إيران من المجتمع الغربي الذي لا يرتضي لها حتى تشييد منظومتها الدفاعية، وجعل إيران تعتقد أن الغرب لا يُخالفها لمشروعاتها بل يُخالِف هويتها كدولة في المجتمع الدولي.
وتزايُد هذا القلق نابع من هاجس يشتعل في رأس الغرب وإسرائيل، وهو أن إيران باتت على أعتاب تصنيع صواريخ عابرة للقارات، وهذا شيءٌ قد تواتر خبره من جمعٍ من تصريحات القادة العسكريين في إيران، وتبدى هذا في إعلان العميد أمير علي حاجي زاده، قائد القوات الجوية الإيرانية، أن إيران لم تتوقف عند مدى 2000 كيلومتر، وأنها استمرت في تطوير صواريخ ذات مدى أبعد دون أي قيود.
كما ذكر في مناسبة أخرى أن إيران سترد على أي عدوان عليها، ليس فقط من خلال تدمير المدن الكبرى في إسرائيل ولكن عبر نقل الحرب إلى داخل حدود الولايات المتحدة. وهذا رغم التزام إيران بإعلانها أن سقف قدرات صواريخها تصل إلى مدى 2000 كم، وهي تُوظَّف في حقل الردع والدفاع وليست الهجوم أو الإيذاء أو التعدي على بلدان أخرى.
ففي أبريل 2016، ذكر تقرير لصحيفة “الديلي ميل” البريطانية، أن طهران اختبرت سرًا صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات من نوع “سيمرغ” القادر على حمل رؤوسٍ نووية، قد تحصلت عليه إيران من كوريا الشمالية، وكانت الإدارة الأمريكية لا تعلم هل إيران قامت بالفعل بهذه التجربة أم لا.
ولكن الولايات المتحدة الأمريكية بات يُؤرِقها المجال الصاروخي الإيراني، فقد وصّف محللون أمريكيون أن التقنيات المتطورة التي وصلت إليها إيران في المجال الصاروخي كانت بفضل كوريا الشمالية التي ارتبط اسمها كثيرًا باسم إيران في مجال الصواريخ بعيدة المدى، وأن إيران أصبحت على بُعد خطوات من المقدرة على ضرب أهداف على بُعد آلاف الأميال في مختلف الأرجاء.
وهذا الأمر الذي دفع بالولايات المتحدة محاولة إقحام البرنامج الصاروخ الباليستي في الاتفاق النووي، ولكنها استلته ودافعت عنه، فخرج الاتفاق ولم يحظر نشاطات إيران البالستية، إلا أن القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي والذي صادق على الاتفاق يطلب من إيران عدم القيام بنشاطات من أجل تطوير صواريخ يمكن تزويدها برؤوس نووية. ولكن هذا لم يجعلها بمفازةٍ من عقوبات فُرادى الدول ضد إيران في محاولةٍ لردعها عن المِضاء في برنامجها.
كما تحاول إيران، تطوير صاروخ “شهاب 4” في محاولةٍ كي يصل لمدى 6300 كيلومتر، وأيضًا تطوير صاروخ “شهاب 5” عن النسخة الكورية الشمالية “تايبودنغ” الذي يصل مداه إلى 5000 كيلومتر.
إن المعلن من قدرات إيران الصاروخية، هو جزء من هذه المنظومة، فهناك الكثير من الصواريخ غير المعروفة على وجه اليقين حتى الآن، ولا يستطيع أحد أن يُجزِم طبيعتها ومداها وقدرتها التدميرية، وهذا الذي يصل بنا إلى استنتاج مَفاده إن إيران بدأت وتستمر في تشكيل نفسها كلاعبٍ هام على الساحة الدولية، وأن كلامها يُؤخَذ مأخذ الجد، وأنها أصبحت قادرة على إمضاء قراراتها في المنطقة ولديها القُوة اللازمة لتنفيذ ذلك الأمر.
وأنها كما ذكر تقرير مجلة الدفاع الوطني اللبناني، لم تكن في الماضي، ولن تكون جاهزة في المستقبل، للخضوع للضوابط التي يفرضها عليها المجتمع الدولي في كل ما يعود لتطوير صواريخ بالستية بعيدة المدى، وذلك من ضمن طموحاتها الاستراتيجية لكي تتحوّل إلى القوّة الإقليمية المهيمنة، والقادرة على التأثير في موازين القوى الشرق أوسطية والدولية. وهذا ما سيجعل هذا البرنامج يتخذ جولات زمنية أطول من نظيره البرنامج النووي.