تشتعل المعركة الدائرة بين المملكة العربية السعودية وإيران من أجل السلطة والنفوذ في الشرق الأوسط ولكن المحللين غير مقتنعين بأن هناك حربا شاملة ستحدث.
دخلت العديد من البلدان المجاورة في الصراع مع قطر واليمن وسوريا ولبنان لتصبح ساحات قتال بالوكالة في صراع من أجل الهيمنة الإقليمية.
تدهورت العلاقات بين المملكة العربية السعودية ذات الغالبية السنية وإيران التي يهيمن عليها الشيعة لتصل الى مستوى جديد في الآونة الاخيرة خاصة في الحرب الأهلية الدائرة في اليمن والأزمة السياسية التي اجتاحت لبنان والتي استقال على إثرها رئيس وزرائها سعد الحريري بسبب ما أسماه بالتدخل الايراني. وقد أدى ذلك إلى تكهنات بأن الحرب الشاملة يمكن أن تعلن من قبل هذا الطرف أو ذاك من القوى العظمى في الشرق الأوسط.
وقال مصدر في الحكومة الإيرانية طلب عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الوضع، أن إيران “دولة مسالمة” لكنها مستعدة للنزاع إذا كان هذا هو الخيار الوحيد المتبقي أمامها.
وأضاف المصدر “إننا نحب السلام، ولا نبحث عن حرب، ولكن في بعض الأحيان يجب عليك أن تكون مستعدا لها”.
“تعقب الانقسامات وخلق الاختلافات”
ووفقا لما ذكرته رويترز، دعت المملكة العربية السعودية في نهاية الأسبوع الماضي حلفائها في جامعة الدور العربية بالقاهرة إلى عقد اجتماع طارئ لبحث ما وصفته بأنها “انتهاكات” تحدث في المنطقة. وانتقدت المجموعة إيران وحزب الله الشيعي اللبناني، كما دعت إلى تشكيل جبهة موحدة لمواجهة التدخل الإيراني.
ونقلت وكالة رويترز عن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قوله إن “المملكة لن تقف مكتوفة الأيدي ولن تتردد في الدفاع عن أمنها” مضيفا “لابد أن نقف معا”. ورد وزير الخارجية الإيراني على هذا الاجتماع قائلا إن السعودية وحلفائها “يسعون الى انقسامات وخلق خلافات”.
وقالت بات ثاكر، المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الاوسط وأفريقيا في وحدة الاستخبارات الاقتصادية، إنه في ظل “التنافس التاريخي الشديد” بين البلدين، “لا يتطلب الأمر المزيد من التوترات”.
وأضافت ثاكر أنه إذا كان هناك تعارض بين السعودية وإيران “ستكون هذه هي أخطر الأوقات التي تمر على الشرق الأوسط والعالم، ولكن لا السعودية ولا إيران تريدان الحرب”. ووصفت ثاكر التوترات بين السعودية وإيران بأنها صراع من أجل السلطة الدينية في الشرق الأوسط، قائلة إن المملكة العربية السعودية مستعدة للذهاب إلى أقصى الحدود لوقف أي انتشار للنفوذ الإيراني.
وتابعت “إن السعودية ستقاتل بضراوة للاحتفاظ بهذا المنصب كمسؤول عن الإسلام والشرق الاوسط. وسيمكنها حتى التعامل مع إسرائيل من أجل وقف إيران”، مشيرة إلى أن الدولة اليهودية بالكاد تكون حليفا طبيعيا للمملكة الإسلامية رغم خوف واستياء كلا منهما من صعود إيران.
وحسبما ذكرت رويترز، أكد وزير الطاقة الإسرائيلي أول أمس الأحد على أن هناك اتصالات “سرية” بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل وسط مخاوف بشأن إيران إلا أنه أشار إلى أن السعودية كانت ترغب في الإبقاء على “العلاقات هادئة”.
الحروب بالوكالة
تملك السعودية وإيران مصالح وتحالفات تنافسية في أنحاء الشرق الأوسط بداية من سوريا إلى لبنان ومن اليمن إلى قطر. إن الصراعات الإقليمية في هذه البلدان غالبا ما تشهد دعم السعودية التي تسيطر عليها السنة وإيران ذات الأغلبية الشيعية لمختلف الفصائل التي غالبا ما تنقسم حول الأسس الدينية.
وفي ظل الحرب الأهلية في اليمن، على سبيل المثال، تدعم السعودية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وهو سني. وفي الوقت نفسه، تدعم إيران المتمردين الشيعة الحوثيين الموالين للرئيس السابق للبلاد علي عبد الله صالح.
وازدادت حدة التوتر منذ عدة اسابيع عندما اتهمت السعودية إيران بأنها وراء هجوم بالقذائف الباليستية نفذته ميليشيات الحوثيين. وقالت السعودية أنه تم اعتراض الصواريخ أثناء توجهها إلى العاصمة السعودية الرياض، مضيفة أنها اعتبرت هذا الهجوم بمثابة “إعلان حرب” من جانب إيران. ووصفت إيران تلك المزاعم بأنها “لا اساس لها”.
وفي الوقت نفسه، ارتفعت حدة التوترات بين السعودية وقطر، والمرتفعة بالفعل بسبب الحصار الاقتصادي الذي تقوده السعودية على البلاد، وذلك بسبب إعادة قطر لعلاقاتها الدبلوماسية مع إيران.
كما توجهت الأنظار أيضا تجاه لبنان بعد الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء سعد الحريري بسبب ما قاله عن تدخل إيران في بلاده ومخاوفه من حياكة مؤامرة. وكانت هناك تكهنات بأن استقالة الحريري، التي قدمت عندما كان في العاصمة السعودية الرياض، كانت مدبرة من قبل قيادة البلاد وأنه كان محتجزا ضد إرادته، وهي ادعاءات تم نفيها.
وفي خضم استمرار اللغط حول الاستقالة، توجه الحريري منذ ذلك الحين إلى باريس بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أن يعود إلى بيروت في وقت محدد للاحتفالات بيوم الاستقلال في البلاد يوم الأربعاء حيث تم رفض استقالته.
الحرب الباردة
وقال ماركوس شيفينيكس المحلل في شؤون الشرق الأوسط وشمال افريقيا بمؤسسة تي إس لومبارد أمس الاثنين، إن سياسة المملكة العربية السعودية الخارجية برعاية ولي العهد محمد بن سلمان يصعب فهمها.
وقال شيفينيكس، “على الصعيد المحلي فإن إجراءاته (محمد بن سلمان) جذرية ولكن مفهومة، بينما على الصعيد الخارجي يصعب فهمها على الإطلاق”.
وأضاف، “كان تدخله في اليمن عملا متهورا ولكننا نستطيع على الأقل رؤية ما كان يحاول القيام به، وكان تدخله في قطر، مرة أخرى، ربما متهورا قليلا وربما متسرعا قليلا ولكن كانت بالتأكيد مؤثرة ضد قطر، ولكن في لبنان من الصعب حقا رؤية ذلك على الإطلاق “.
ويعتقد شيفينيكس أنه ربما يكون “تحرك تفاعلي” يهدف الى إسقاط الحكومة الائتلافية في لبنان وزعزعة استقرار موقف حزب الله. وكان يتصور ذلك على أنه تحرك ضد إيران بأي وسيلة متاحة، ولكنه أشار إلى أن الحرب ليست ممكنة حاليا.
وختم قائلا، “من الصعب أن نتصور أين يمكن للمملكة العربية السعودية أن تصل حيث أن تحركاتها غير محتملة بالنسبة للإيرانيين، وبالفعل الأعمال الإيرانية غير مقبولة بالنسبة للسعودية، ونحن نعلم ذلك، ولكن السعوديين يكافحون من أجل إيجاد وسيلة لإغضاب إيران، ولهذا السبب لا نتطلع إلى حرب ساخنة في الوقت الحالي”.