في أقدم مصفاة للنفط بالشرق الأوسط، هناك صوامع عملاقة من الطوب الأصفر والتي يتم تخزين المنتجات الخام والوقود الإيراني بها، يوجد آثار لطلقات الرصاص منذ الحرب مع العراق في الثمانينيات. وأحدهم بها ثقب كبير جراء سقوط قذيفة.
ويعد الصراع الآن اقتصاديا، ولكن هذه المنطقة التي تقع جنوب غرب إيران بالقرب من الخليج العربي تعود مرة أخرى إلى أهميتها من الناحية الاستراتيجية. وقد أعطى حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول إنهاء الاتفاق النووي الذي كان يفترض أن يربط الجمهورية الإسلامية بالعودة إلى السوق العالمية، ضرورة ملحة جديدة لوضع خطط تحويل المنطقة الغنية بالاحتياطيات النفطية بقدر آثار المعارك بها.
وبمساعدة الصين، أصبح الهدف هو تحويل مصفاة عبادان التي يرجع تاريخها إلى قرن من حجر الرحى والتي تكلف الحكومة ما يصل إلى 700 مليون دولار سنويا إلى بقرة حلوب يمكنها تلبية الطلب المحلي الإيراني من الوقود الأفضل جودة بدلا من الاعتماد على الواردات.
وقال محمود خاقاني، الرئيس السابق لشؤون النفط والغاز في بحر قزوين بوزارة النفط الإيرانية، “في ظل موقف ترامب، يتعين على الحكومة الإيرانية أن تجمع مواردها وتحدد سياسة وطنية للطاقة الكلية، وهذا ما نشعر بضروروته الآن أكثر من أي وقت مضى”. وأضاف، “إن الاستثمار مهم للغاية بالنسبة لعبادان، وبصفة عامة فهو مهم جدا بالنسبة لاقتصاد ايران”.
عقدت شركة سينوبك الصينية، صفقة بقيمة 2.7 مليار دولار مع شركة النفط الوطنية الإيرانية في يناير تهدف لبناء وحدات إنتاج البنزين عالي الجودة. وقال اسفنديار دامولزكر رئيس المصفاة “هذا أكبر استثمار أجنبي يتم البدء به بعد رفع العقوبات”. وأضاف، إنه “سيتم تجديد المصفاة خلال السنوات الأربع أو الخمس المقبلة”.
تستورد إيران ما يصل إلى معدل 10 ملايين لتر من البنزين يوميا لتلبية الطلب وتريد أن تقلل بشكل كبير من المنتجات غير المكررة والمنخفضة الجودة والتي كان يتم تداولها بإفراط في عبادان لعقود. وانعكس هذا الاتجاه من قبل دول الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، حيث المنافسة على النفط الخام والمنتجات المكررة التي عرقلت هوامش الربح.
وقال جون ستيوارت، المحلل الرئيسي بمجموعة وود ماكنزي العالمية لأبحاث واستشارات الطاقة ،”إن إيران تحذو حذو الجهات الفاعلة الأخرى من اللاعبين الإقليميين في المنطقة وذلك في محاولة لانتزاع أكبر قيمة من مواردهم الهيدروكربونية”. وأضاف “إن نوعية الوقود المنتج هي التي ستحدث فرقا ملحوظا”.
وقد ارتفع إنتاج النفط الإيراني إلى أعلى مستوياته منذ عام 2010 بعد رفع بعض العقوبات عقب التقارب مع الغرب. وذكرت وزارة النفط أن الزلزال الذي وقع هذا الشهر وأسفر عن مصرع اكثر من 500 شخص لم يتسبب في أية أضرار بمرافق الطاقة.
ولكن البلاد لم تنتج بعد ما يكفي من الوقود المحرك ذو الجودة. وقد اتهمت حكومة الرئيس حسن روحاني سلفه محمود أحمدي نجاد بالإشراف على فترة ضخ واستيراد البنزين الرخيص والملوث خلال السنوات العشر الماضية من العقوبات النفطية وتجاوز خطط البلاد نحو الاكتفاء الذاتي.
مع رفع الحصار في يناير من عام 2016، سعى روحاني إلى الإسراع في تطوير مصفاة نجم الخليج العربي التي تم بناؤها من قبل ختام الأنبياء للإعمار، وهي شركة هندسية يديرها الحرس الثوري الإيراني، وسعى كذلك لتجديد عبدان.
إن المصفاة تحظى بتاريخ غني. وقد تم إنجازها من قبل شركة بي بي (بريتيش بتروليوم)، وهي شركة النفط الأنجلو-إيرانية، وذلك في عام 1912 وأصبحت مزود الوقود للبحرية الملكية، ثم أقوى أسطول في العالم.
وأصبحت عبادان، التي أخذتها الحكومة الإيرانية في عام 1951، نقطة محورية للمحاولات الأمريكية المدعومة من بريطانيا لاستعادة السيطرة على صناعة النفط والتي بلغت ذروتها في انقلاب بعد عامين. وكان هذا محركا رئيسيا للاقتصاد، حيث كان يتم تكرير 650 ألف برميل يوميا.
وتقوم مصفاة عبدان حاليا بتصنيع 380 ألف برميل من النفط الخام يوميا و40 في المئة من ذلك يصبح زيت الوقود الثقيل و الرديء المعروف باسم المازوت. وكانت تهدف الخطة للوصول في النهاية إلى 540 ألف برميل، والتخلي عن المازوت تماما وانعكاس ثروات عبادان.
لقد كان الانتعاش بطيئا. وفي الوقت الذي يحرص فيه المسؤولون على الترويج والإعلان عن الإمكانات الاقتصادية للمنطقة، يتخلى آخرون عن جهودهم لجعل خرمشهر أكثر من مجرد نصب تذكاري للحرب على العراق.
وعلى بعد مسافة قصيرة بالسيارة من المصفاة، هناك فندق سابق يطل على بحيرة من صنع الإنسان بنيت للترفيه عن عمال النفط البريطانيين والإيرانيين والآن تضم البيروقراطيين الحكوميين والاقتصاديين الذين يحاولون جلب المال إلى خرمشهر وعبدان.
جدير بالذكر أن تجديد عبادان سيكون محور منطقة أروند التجارية الحرة، وهي واحدة من ستة مناطق إيرانية معفاة من الضرائب ومخصصة لجذب الاستثمار. وقال محمود ترك زاده، نائب الاستثمار وتنمية الأعمال في منظمة المنطقة الحرة أروند إنه يتحدث للمستثمرين الاجانب بشكل يومي.
وقال، “اننا نبني مدينة لاستضافة المقاولين الصينيين، وأتحدث الى الشركات البولندية والألمانية وغيرها من الشركات الأوربية”. وختم قائلا، “نحن ما زلنا على بعد مسافة من عبادان التي كانت معروفة بأنها المدينة الحديثة الرائدة في إيران، ولكنني لمست التغيير على مدار السنوات القليلة الماضية”.