«لقد ثبت على مر التاريخ أنه كلما طال تجاهلنا للتهديد، كلما أصبح هذا التهديد أكثر خطورة».. كان هذا هو المبدأ الذي افتتح واختتم به الرئيس دونالد ترامب خطابه في 13 أكتوبر من هذا العام والذي كان يعرض من خلاله سياسة إدارته فيما يتعلق بإيران.
وعكس الخطاب تحولا هاما في النهج الأمريكي، حيث أنه يرى أن إيران ليست هي الحل لاستقرار الشرق الأوسط، بل المشكلة، وعلى المدى البعيد، سيصبح الاتفاق النووي مع إيران والذي وقعته القوى العالمية أمرا خطيرا ويجب تعديله.
ويرى البعض أن هذا يعد تغييرا إيجابيا في النهج، ولكن نجاح تلك الاستراتيجية سيعتمد أولا وقبل كل شيء على الدعم الذي ستتلقاه من أوروبا. وإذا كان إصرار أمريكا على اتخاذ إجراءات ضد إيران يؤدي إلى حدوث انقسامات في العلاقات الأمريكية مع أوروبا وعزلة الولايات المتحدة، فالنتيجة ستكون فعليا أكثر خطورة وسيترتب عليها السماح لإيران بزيادة أنشطتها السلبية، وإنتاج سلاح نووي في نهاية المطاف .
وتضمن خطاب الرئيس عددا من العناصر الإيجابية. أولا، وضع هدف تعديل الاتفاق دون إبطال الاتفاق القائم. وامتنع الرئيس عن إعلان انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق أو دعوة الكونغرس إلى إعادة فرض العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني. وهذا يمكن الرئيس من ترك الاتفاق القائم وتجنب تزويد الإيرانيين بمبررات لإلغاء الاتفاق وإنتاج أسلحة نووية. ورغم ذلك، فالهدف من تعديل الاتفاق يمثل تغييرا كبيرا في الاستراتيجية الأمريكية، حيث أن الالتزام بالاتفاق القائم لا يعد تقصيرا.
وبدلا من ذلك تسعى واشنطن للتوصل إلى اتفاق أفضل من أجل تصحيح أوجه القصور القائمة في الاتفاق، بما في ذلك: الإشراف الدقيق على المواقع العسكرية الإيرانية وتمديد القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني ما دامت طهران تواصل دعم الإرهاب وتقوض الاستقرار في المنطقة وتدعو إلى تدمير إسرائيل، وكذلك تقييد برنامج الصواريخ الإيرانية واستمرار العقوبات ضد الاقتصاد الإيراني ردا على نشاطها السلبي الذي لا يتعلق بالبرنامج النووي.
جدير بالذكر أن قادة القوى الأوروبية الموقعة على الاتفاقية والتي تشمل فرنسا وبريطانيا وألمانيا كانوا قد عارضوا هذا النهج ودعوا الى الإبقاء على الاتفاق الحالي. وهذه رسالة خطيرة، لأنه إذا لم يتم تصحيح عيوب الاتفاق، فمن المحتمل أن يقوم ترامب بإلغاء الاتفاق والتحرك في اتجاه المواجهة العسكرية. وسيشجع الاستعداد الأوروبي لمعالجة المشكلات الرئيسية في الاتفاق الرئيس على الحفاظ على الإطار العام للاتفاق والقيام بحملة دبلوماسية لتحسينه.
وهناك جانب إيجابي آخر من خطاب ترامب وهو ظهور سياسة مزدوجة تجاه إيران تتمثل في التمسك بالاتفاق النووي من ناحية، ومكافحة التهديدات الإيرانية غير النووية في المنطقة والتي لا يغطيها الاتفاق، مثل دعم الإرهاب، والنشاط التخريبي، وانتشار الأسلحة في الشرق الأوسط، وتطوير القذائف الباليستية. ويعد هذا تحولا عن سياسة إدارة أوباما، الأمر الذي حد من استراتيجية الولايات المتحدة فيما يتعلق بإيران من الناحية النووية، والسماح لإيران بزيادة جهودها الرامية لتوسيع نفوذها في المنطقة من أجل الحفاظ على الاتفاق النووي.
ويرى البعض أن هذه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة بناءة للغاية، خاصة خلال السنوات المقبلة، وفي حين أن الاتفاق يحد بشكل جدي من قدرة إيران على تطوير برنامج نووي متقدم، فمن المهم معالجة التهديدات الأخرى التي تمثلها إيران وبناء القدرة على مواجهة التهديد النووي بعد رفع القيود الرئيسية على البرنامج الإيراني.
ومن أجل تعديل الاتفاقية والحد من الأنشطة الإيرانية الغير نووية ، سيحتاج ترامب إلى تأمين تعاون الكونغرس الأمريكي الذي يمتلك سلطة فرض عقوبات على إيران، فضلا عن الدعم الدولي من القوى الأخرى التي وقعت على الاتفاقية.
وبدلا من العمل على تشكيل ائتلاف موحد ليحل محل الاتفاق (الذي من شأنه أن يشمل شركاء واشنطن الأوروبيين وأكبر مستوردي النفط الإيراني مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان)، فضل ترامب التهديد بإلغاء الاتفاق في حال ما إذا كان غير قادر على تأمين التعاون اللازم. ويمثل هذا خطورة إلى حد ما، حيث يحاول الرئيس إجبار شركائه الأوروبيين على التصرف بطريقة تتناقض مع دعمهم للاتفاق القائم.
وقد تعهد الرئيس علنا بإنهاء الاتفاق اذا لم يتمكن من تحقيق هدفه، الأمر الذي سيعزل الولايات المتحدة في الوقت الذى سيتوفر فيه أمام ايران طريق واضح لبناء قنبلة نووية.
وفي مثل هذه الحالة، ستكون الولايات المتحدة مطالبة بوقف إيران بمفردها، ودون شرعية دولية. وقد يؤدي رهان ترامب أيضا إلى التسبب في خلاف بين الإدارة الأمريكية والكونغرس ومواجهة الرئيس لتحديات في الداخل في اللحظة التي يحتاج فيها إلى الدعم والمرونة السياسية من أجل اتخاذ إجراء ضد إيران.
وبحلول يوم 12 يناير من عام 2018، سيتعين على الرئيس ترامب أن يقرر ما إذا كان سيواصل السماح بتعليق العقوبات المفروضة على إيران والتي تم رفعها وفقا للاتفاق النووي. وسيكون أمرا هاما بالنسبة للرئيس الامتناع عن تقديس هذا التاريخ والتحلي بالصبر إلى أن تنضج الجهود الدبلوماسية لإلغاء الاتفاق. وستؤدي الرغبة الأوروبية في الضغط على إيران دورا حاسما في إقناعه بتأجيل إلغاء الاتفاق.
وفي نهاية المطاف، يتمثل الهدف الاستراتيجي في منع إيران من الحصول على الأسلحة النووية، وليس الحفاظ على الاتفاق النووي أو إبطاله. إن الإجراء العشوائي الذي يعزل الولايات المتحدة ويحد من قدرتها على وقف البرنامج النووي الإيراني يمكن أن يؤدي إلى تهديد للمجتمع الدولي أكبر من التهديد الذي يشكله الاتفاق، وذلك عندما يركز اهتمام واشنطن ومواردها على تهديد نووي أكثر إلحاحا في شبه الجزيرة الكورية.