في الكتاب الذي حمل اسم “القصة القصيرة والحكاية في الأدب الفارسي” الذي كتبه الدكتور عبد الوهاب محمود علوب، ونشرته الهيئة العامة للكتاب عام 1993، يتم تناول القصة بوصفها شيئًا مؤثرًا للغاية في الثقافة الفارسية، وهو أمر ملحوظ نراه على مدار السنوات، إذ يعد الأدب الفارسي من دعامات الثقافة الإسلامية على قرون عديدة، وهو الأمر الذي يجعل إلقاء الضوء عليها هامًا، لأنه صار مع السنوات جزء أصيل من الثقافة نفسها.
بداية
يوضح الكتاب بداية أن الأدب الفارسي عرف منذ القدم ألوانًا عديدة من فن القصص باعتباره جزءًا من آداب الشرق، موضحًا أن من هذه الألوان هو فن المقامة الذي دخل إلى الأدب الفارسي في القرن الثاني عشر الميلادي، مشيرًا إلى أن أول من كتب المقامة بالفارسية كان القاضي “حميد الدين بلخي”.
ثم يشير الكاتب إلى التطور النوعي الذي شهدته الحكاية في أوائل القرن العشرين، حيث برزت كتابات علي أكبر دهخدا الذي جمع بين الأسلوب الجزل واللغة القوية وبين الصورة الأدبية الجديدة التي تبنتها الصحافة، حيث كتب مجموعة من المقالات القصصية تحت عنوان “جرند برند”.
القصة الحديثة
أما القصة القصيرة الحديثة الفارسية بشكلها الجديد، باعتبارها نوعًا أدبيًا مستقلًا، فقد كان ذلك في عام 1921 حيث ظهرت أول قصة بهذا المفهوم وهي قصة “فارسي شكراست” للكاتب محمد علي جمالزاده، والتي نشرت في جريدة “كاوه” التي كانت تصدر في برلين، وعندما لاقت نجاحًا بين الجالية الإيرانية هناك أضاف إليها خمس حكايات ونشرهم في مجموعة قصصية، غير ظل بعد ذلك أعوامًا ينتهج الصمت الأدبي احتجاجًا على الرقابة على المطبوعات الذي كان في عصر الشاه حتى عام 1942 الذي أصدر فيه روايته الأولى “دار المجانين” ثم توالت أعماله بعد ذلك.
ليؤكد الكتاب، أن الساحة كانت ملأى في هذا العصر بشكل خاص بالروايات والأشعار التي تقوم بتمجيد النظام الجديد، وانزوت القصة القصيرة الحديثة العهد بلجوء رائدها جمالزاده إلى الصمت الأدبي، إلى أن قام برزك علوي بنشر مجموعة “جمدان” الذي كتب لنفسه اسمًا مهمًا في هذا الفن عن طريق مجموعته، ثم في عام 1937 أصدر سعيد نفيسي مجموعة قصصية بعنوان “ستاركان سياه”.
من الثلاثينات حتى السبعينات
أما أواسط الثلاثينيات، فقد أشار الكاتب إلى أنها كانت هي انطلاقة فن القصة القصيرة إلى آفاق جديدة في الأدب الفارسي على يد الكاتب القصصي الإيراني صادق هدايت، التي تميزت كتاباته القصصية بالتعقيدات الفلسفية والنفسية العميقة، ثم في فترة الأربعينات والخمسينات فبسبب إجبار رضا شاه على التنازل وحلول ابنه محمد رضا بهلوي خلفه، فقد خفت الرقابة على المطبوعات إلى حد ما، وهو ما أنعش القصة القصيرة، ومن أبرز الكتاب القصصين الإيرانيين الذين بدأوا إنتاجهم الأدبي في هذه الفترة صادق جوبك، جلال آلا أحمد.
كذلك يبين الكاتب أنه قد ظهرت العديد من الترجمات لكتاب أجانب، إلى جانب انقسام ظهر بين كتاب ساروا على نهج القصة التقليدية كهدايت وجوبك وإبراهيم كلستان، إلى جانب اتجاه واقعي برز في الخمسينيات ركز على قضايا الإنسان العادي مثل جمال مير صادقي ورضا مقدم.
بينما في فترة الستينيات والسبعينيات ازدهرت القصة بشكل ملحوظ فأصبحت من ضمن الفنون ذات الشعبية الكبيرة بين الشباب الإيراني، فظهرت كتب عن كيفية كتابة القصة، وحدث إقبال على شرائها وظهر في تلك الفترة كتاب يهتمون بالأدب الإنساني، كما اهتم كتاب بالشكل الساخر للكتابة، ونادرًا ما تتناول قصص هذه الفترة عاطفة الحب نفسها، خاصة لكون المجتمع الإيراني مجتمع شرقي محافظ.
كما نرى في قصص تلك المرحلة احتلال فكرة الاغتراب مكانًا بارزًا، وهي الغربة التي كان يشعر بها في وطنه، خاصة في ظل حكم الشاه حيث حرمانهم من أية مشاركة سياسية والسياسات التعسفية، وهو ما جعلهم يلجأون للرمز في قصصهم لتفادي الرقابة.
الثورة الإسلامية
يمر الكاتب أيضًا على مرحلة ما بعد الثورة الإسلامية مشيرًا إلى أنه حصل على قصة بعنوان “برزك بانوي روح من” وقد نشرتها “كلى ترقي” بعد شهور قليلة من استقرار السلطة في يد الثواروإعلان الجمهورية الإسلامية، مضيفًا إلى أن الوقت مايزل مبكرًا للحكم على الأدب واتجاهاته من حيث الشكل والمضمون.
قصص
كما يعرض الكتاب مجموعة متنوعة من القصص التي يقوم بتحليلها والتعليق عليها، مثل الفارسي سكر لجمالزاده، لسان حال الحمار حين الموت لصادق هدايت، بائع الجاز لصادق جوبك، الحفل السعيد لجلال آل أحمد، التدريس في ربيع بهيج لبهرام صادقي، سارقة البيض لفريدون تنكابي، الفراشات في الليل لغلا محسين نظري، البرج التاريخي لخسرو شاهاني، القيد لبهرام صادقي، غصن بنفسج من أجل عديد لنسيم خاسكار، الخوف لجمال مير صادقي، وأخيرًا مليكة روحي لكلى ترقي.