سجن… كلمة من ثلاثة أحرف ذات تأثير قاسِ على أي من يسمعها، كما تستعمل كمجاز للدلالة على قسوة المكان أو ضيقه والإحساس بالانعزال والوحدة، أما هنا فنحن نستعمله بمعناه الحرفي، السجن كسجن مكون زنزانة وقضبان، وهو بجانب قسوته إلا أنه عقاب ملائم أيضًا ضد أي عقوبة تخالف القانون، وبسبب تغير القوانين داخل كل دولة، وطريقة رؤية القانون للأمور، ماتزل هناك خلافات عدة حول ضرورة السجن داخل إيران، إلى جانب طريقة إدارة السجن للأمور.
سلخانات
كان أهم ما لفت النظر في الآونة الأخيرة، هو وصف الأمم المتحدة في بيان لها للسجون الإيرانية بكونها سلخانات تعذيب وإعدام، وهو الأمر الذي لفت أنظار العالم لهذه السجون، وحول كونها مكانًا يقضي به المسجونون عقوبتهم على أمر اقترفوه، أم هو أمر يشبه المعتقلات القديمة، التي اعتبرت السجن مكانًا لتعذيب مختلفي الرأي، خاصة في ظل التعتيم الإعلامي الذي لا يمكن من خلاله معرفة الأخبار على وجه الدقة.
بعد خروج الممسجونون من السجن الإيراني، روت كثير من الشهادات حيال طرق التعذيب بالداخل، من تكبيل المسجونين لساعات طويلة متواصلة، لتعذيبهم وضربهم وإهانتهم، وما يسمى التعذيب الأبيض وهو تعذيب نفسي يقام للمسجونين في إيران، وفي عام 2013 أعلن أحمد شهيد، أوضح مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أحمد الشهيد أن 85% من النساء و35% من الرجال يتعرضون للاغتصاب في سجون إيران، مشيرًا إلى أنه أصبح ممنهجاً ومنتشراً في المعتقلات الإيرانية.”
مسجونون في إيران
وتتنوع التهم التي تدينها إيران وتتسبب في دخول أصحابها للسجن إلى كثير من التهم، منها “تهديد الأمن القومي للدولة” وهو الأمر الذي واجهه الصحفي “الرضا رجائي” والذي عمل بأربع صحف معارضة، وكان عضوًا في تحالف يدين محظور بإيران، ليتم زجه بالسجن 4 أعوام، بتلك التهمة.
كذلك أوضح “إبراهيم الأحراري الخلفي” أن اعتراضه على المشاكل التي يواجهها أهل السنة داخل إيران رغم وصولهم إلى 30% داخل البلد، إذ طالب باحترام مشاعر السنة، وعدم سب رموزها، ليتم نفيه لمدة عامين في منطقة نائية في ظروف معيشية قاسية، حيث فقد 25 كيلو من وزنه، إلى جانب اضطراره من شرب الماء من برك الحيوانات نظرًا لعدم توفر مياه صالحة للشرب، وعندما تحسنت علاقته بمن حوله في المكان، أضاف إلى أن ذلك أدى لنقله إلى مكان جديد في منطقة لا يمكن التواصل فيها مع أحد.
أما العرب الأهواز، فقد تم القبض على بعض الأفراد المنتمين لهذه الأقلية، حيث واجهوا حكم الإعدام لمشاركتهم في أنشطة ثقافية، بالإضافة لإصدار القضاء أحكاماً بالسجن 20 عاماً بشأن بعض المنتمين للأقليات الدينية، وذلك نتيجة لإرسالهم رسائل احتجاجية إلى رئيس الجمهورية أو أمين عام الأمم المتحدة.
وفي هذا العام، شهر مارس الماضي تم القبض على 12 صحافياً ومدير شبكة تواصل اجتماعي بسبب عملهم مع موقع التواصل الاجتماعي “تليغرام” وتم الحكم على كل بسنوات تصل بين ال3 سنوات أو ال5 بتهمة الإخلال بالأمن في إيران.
كما تعد الجنسية الثانية تهمة داخل إيران، حيث يتم معاقبة حامليها بالسجن، واتهامهم بالتجسس، وهو الأمر الذي وضحه المحللون بأن الهدف من هذا القرار هو منعهم من الاستثمار داخل إيران، خاصة أن حاملي الجنسية الثانية في الغالب من الطبقة الثرية، ومن هؤلاء أحد أعضاء الفريق النووي داخل إيران الذي حكم عليه بالسجن لمدة 5 أعوام، بتهمة التجسس، لتصبح جنسيته الثانية الكندية نقمة عليه في بلده.
كما يواجه حاملي الجنسية الأجنبية هم أيضًا بعض التهم داخل إيران، منها تهمة التعاون مع حكومة أجنبية، ورغم مطالبات واشطنين بالإفراج عن رعاياها المحبوسين داخل إيران، إلا أن عملية إطلاق السراح تحتاج إلى كثير من المفاوضات والوقت، وأحيانًا تنتهي بالفشل واستمرار حبس المعتقلين.
وحتى أهل السياسة واجه بعضهم منهم من قبضان السجن، ففي شهر أكتوبر الماضي من هذا العام، تم الحكم على 7 سياسيين في إيران بينهم محمد رضا خاتمى نائب رئيس البرلمان السابق وشقيق الزعيم الإصلاحى والرئيس الأسبق محمد خاتمى، بالسجن المشدد عام وحظر العمل السياسى بتهمة لدعاية المناهضة للنظام.
بينما يواجه أهل الفن مصيرًا مشابه، حيث اتهم المخرج السينمائي الإيراني “محمد رسولوف” بقيامه بأنشطة تهدد الأمن القومي ودعاية ضد النظام الايراني بالسجن لمدة 6 سنوات، وذلك بعد عرض فيلمه “رجل نزيه” الذي فاز في مهرجان كان السينمائي بفرنسا، كما يواجه المخرج “جعفر بناهي” التهم نفسها.
يأتي هذا في الوقت الذي تحتل فيه إيران المرتبة السادسة على مستوى العالم من حيث عدد السجناء، بحسب إحصائيات دولية.
سجون إيرانية
أما أشهر السجون الإيرانية، فهو “سجن إيفين” وهو مشهور باحتجاز المسجونين السياسيين، وتم إنشائه في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، في حين يقع عند سفوح جبال ألبرز.
بينما يعد أشهر السجون النسائية هو سجن “قرتشك” والذي تم وصفه بأنه أخطر سجن نسائي داخل إيران، خاصة بسبب التعذيب والظروف الصحية السيئة لسجيناته بالداخل، نظرًا لضيق مساحته وكثرة سجيناته، حيث يحوي السجن بقواطعه السبعة أكثر من 2000 سجينة، حيث تقطن 200 إلى 300 سجينة في كل قاطع بعضهن برفقة أطفالهن.
وتشير الإحصائيات إلى أن نزيلات السجن تعرضن لأنواع عدة من التعذيب، كما أن هناك دورة مياه واحدة لكل 200 سجينة، إلى جانب سجن حوالي 2000 امرأة بداخله، فقط لاتهامها بعدم ارتداء الحجاب كما ينبغي، ومن جانبه أعلن النائب الإيراني محمد جواد فتحي أن أكثر من 2300 طفل في البلاد يقيمون مع أمهاتهم في السجون داخل إيران.
في حين يشار إلى أن سجن “كارون” الذي أقيم في مدينة الأهواز، جنوب غرب إيران، يعد هو أكبر السجون المقامة، ويضم أكبر نسبة من المعتقلين بالداخل، خاصة المنتمين للمذهب السني، إلى جانب وجود أقسام أخرى لمرتكبي الجرائم كالسرقة، والقتل، والإتجار بالمخدرات.
ويشتهر سجن “رجائي شهر” بكونه سجن الإعدامات، وذلك نظرًا من منع المسجونين داخله من الرعاية الطبية، مما يتسبب في موتهم، إلى جانب كونه أكثر سجن مزدحم في إيران، كما تشهد ساحته العديد من الإعدامات يوميًا للمسجونين بداخله.
احتجاجات
انتشرت كثير من وسائل المقاومة لتلك الممارسات من جانب المسجونين، حيث قرر كثير منهم الإضراب عن الطعام محاولين تحسين أوضاعهم بالداخل، كما طالب مئات المتظاهرين بتغيير المعاملة للمسجونين من ذويهم أو ملتهم، إضافة لمطالبة منظمات حقوق الإنسان بإيران وخارجها بإعادة النظر في القوانين المسببة للسجن داخل إيران، وكذلك تخفيف العقوبات، وتحسين ظروف المعيشة بالداخل، التي تتسبب تدنيها إلى موت كثير من المسجونين بالداخل.