من فرط الاهتمام بالموضة وخطوط الأزياء الحديثة تم تسمية هذا الشغف بـ “جنون الموضة”، حيث تتابع النساء حول العالم كل الجديد باهتمام، سواء الألوان أو القصات الحديثة، تتجدد هذه الأزياء مطلع كل موسم من المواسم الأربعة بلا هواده، غير أن بقعة من العالم لا تشارك في هذا الاحتفاء الدائم بالمظهر، ليس بسبب قلة المال، ولكن بسبب التوجه الديني، وهو الأمر الذي خلق صراعًا بين رغبتين تسير كل منهما في اتجاه معاكس، فمن يفوز؟
تأصيل تاريخي
نشرنا من قبل تاريخية الأزياء، (الأزياء الإيرانية بين التاريخ والحاضر) وكيف كان الاهتمام بها على مدار التاريخ مرورًا بعصر الشاه، حتى بعد الثورة الإسلامية وكيف أثرت على اختلاف أدرية النساء وحولتها كلها للجلابيب الواسعة والفضفاضة، أو ما يعرف باسم “الشادور”.
قي الوقت الحالي برغم وجود النساء اللاتي يحتفظن بالزي المرضي عنه من جانب الحكومة وأهل الفتوى، حتى الرجال تم منعهم أيضًا من ارتداء أي أزياء ترتبط بالثقافة الغربية، لذا فإنهم غالبًا ما يرتدون الجلاليب، غير أن النساء بدأن في استبدال العباء السوداء الطويلة بما يعرف باسم “المانتو” وهو بالأصل كلمة فرنسية تعني العباءة، وهو أقصر وأضيق من الجلاليب كما أنه ملون، بالطبع كان بداية ألوانه قاتمة، خاصة بعد أن أقرت الحكومة ألوانه وشكله وطوله، وغيرها من الشروط، ولكنه ما لبث أن تتطور بمضي السنوات، فتنوعت ألوانه وقصرت أكمامه، وتم استبدال البناطيل الواسعة تحته إلى بناطيل الجينز الضيقة، وصارت الحجاب أقصر عليه، بعد أن كان لا يمكن إلا ارتداء حجاب كامل على الرأس.
وسائل التواصل
مع التطور التكنولوجي الحديث ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في أن يتم التسويق للمصممين الإيرانيين من خلالها، فهي آمنة ويمكن أن تصل إلى أكبر قدر من المتابعين أيضًا، وتدار هذه الأماكن فقط من المنازل، ورغم ذلك استطاعت أن تصل إلى قاعدة متابعين كثر.
وهو ما أنتج بدوره مجموعة من الأسماء البارزة في مجال الأزياء الإيرانية طيلة السنوات الماضية، إلى جانب ظهور عارضات الأزياء أيضًا، واللاتي سافر كثر منهن إلى الخارج لاستكمال مسيرتهن بشكل أكبر، وإن كان مغضوب عليهن من قبل السلطة.
عروض أزياء
يوضح مصممو الأزياء في إيران أن عروض الأزياء تقام بإيران بشكل مستمر، وإن كانت تقام بطريقة مخفية في داخل المنازل أو بعيدًا عن دائرة الضوء، خاصة إذا كانت هذه العروض تخص ملابس مرفوضة من جانب السلطة، خاصة لأن السلطة تلجأ دائمًا إلى التدخل فيما يتم عرضه، إذ فرضت وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي العديد من القوانين حول طريقة عرض الملابس ونوعها، وهو ما جعل الوزارة تقوم بعروض الأزياء عرفت باسم “عروض العفة والحجاب” والتي يشارك فيها مصممون إيرنيون بتصميماتهم التي يجب أن توافق عليها الوزارة أولًا.
حتى العارضات يتم اختيارهن بعناية من قبل الوزارة، فيجب ألا يكن قد خضعن لعمليات تجميلية من قبل، كما يتم فحص سجلها الجنائي، إلى جانب كشف المخدرات، أما الطول والوزن فهي آخر اهتمامات الوزارة، وتعد وكالة “البهبوشي” للأزياء هي أكبر بيوت الأزياء في إيران، والموافق عليها من قبل الحكومة.
أما عام 2015 فقد حمل مسارًا مختلفًا حيث أقيم داخل إيران أول اسبوع في الموضة، بإشراف وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، ورغم أنه لم يرضي تطلعات المصممين والمهتمين بالموضة، إلا أنه تم اعتباره بداية جيدة لاستكمال مسيرة التقدم.
ولفترة طويلة كان يتم تقديم الملابس داخل معرض سنوي، للمشترين من الفئات المتوسطة والفقيرة، وقد وصل من اهتمام الزوار بالشراء بالتدافع الشديد من أجل شراء أفضل الملابس الحديثة بسعر معقول، غير أنه في عام 2014 بدأ الاهتمام أكبر ببناء أكثر من معرض لتوفير أجدد الصيحات من الملابس، إلى جانب إقامة عروض الأزياء بها، ولكن طبعًا بإشراف حكومي.
سلسلة اعتقالات
مع عدم الاتزام بما تمليه الحكومة على المصممين، يتعرض الكثير من العاملين بهذا المجال إلى التنكيل بهم والقبض عليهم، فقد تم في العام الماضي 2016 القبض على 24 عارضة أزياء بعد توجيه عدة تهم لهم أبرزها “نشر الفجور”.
وهي ليست المرة الأولى التي يتم فيها القبض على عارضات أزياء داخل إيران، أما مصوري العارضات فهم أيضًا يتم القبض عليهم، إذ ألقي القبض العام الماضي على 12 متهم “بنشر الدعارة” وذلك لنشر ما وصف باسم “الصور الفاحشة” حيث سجن كل منهم فيما بين 6 أعوام أو عامين، خاصة لأن نشر صور المرأة دون غطاء الشعر يعد ممنوعًا داخل إيران.
ومن جانبها أوضحت عارضة الأزياء الإيرانية “سابا هوماني” للصحافة أنها تصور جلساتها للأزياء في سرية تامة حتى لا يتم القبض عليها، ولا تنشر صورها إلا داخل مواقع معينة كذلك.
بين الأصالة والتقليد
أشارت المؤرخة “مهلا زماني” مؤلفة موسوعة الأزياء التاريخية الإيرانية والتي تعد من أكبر الموسوعات التي تتناول هذا الموضوع حيث تضم 28 مجلدًا، أن إيران هي البلد الوحيدة في الشرق الأوسط التي يمكن لها استلهام الأزياء التراثية نظرًا للتنوع الكبير الذي شهدته في الماضي.
غير أن هناك أصوات معارضة لهذا الرأي تؤكد أن العقلية الإيرانية عاجزة إلا عن تقليد الغرب في الأزياء وهو ما يظهر بوضوح في كل المحاولات الحديثة، غير أن هناك آراء تؤكد أنه لو تم فتح باب الحرية لظهر بشكل حق ما يمكن أن تكون قادرة عليه العقلية الإيرانية.