أبي.. انظر هناك لماذا يجلس إلى جوارنا على مقاعد المشاهدين أليس هو من قطعنا كل هذة المسافة حتى نراه يمارس هواياته المفضلة متلاعبا بمدافعين الفرق المنافسة وممطرا شباكهم بالاهداف الساحرة؟!
أتعجب مثللك يا بني من تواجده في هذا الجوار على غير العادة انتظر لنرى ما سيحدث.
بعد لحظات مع انطلاق المبارة، وأمام نظرات الدهشة التي تكسو وجه الطفل الصغير، ياتي صوت آخر من مقعد خلفهما مصدره شاب عشريني ينظر في شاشة جواله ويوجه الحديث لهما موضحا أن من ينظرون إليه ليس نجمهما المحبوب الأرجنيتي ليونيل ميسي لاعب فريق برشلونة الإسباني، وانما شبيهه الإيراني رضا برستش الذي جاء إلى هنا هو الآخر اليوم ليشاركما مشاهدة بطلكم.
ذالك الاعتقاد الخاطئ لم يكن ضحيته هذا الطفل البرشلوني ووالداه فقط خلال الشهور الماضية، بل كان الفخ الذي وقع به الكثيرون ممن اقتداتهم الأفدار لرؤية الشاب الايراني في ظروفٍ مشابهة ومغايرة، نظرا للشبه الكبير الذي يصل إلى حد التطابق في ملامح الوجه بين الشاب الإيراني والنجم الأرجنتيني.
وأمام ذلك الموقف الطريف والشهرة التي أكسبتها وسائل الاعلام المختلفة للشاب الإيراني وبعد ان أصبح مطمعا لهواة التصوير مع المشاهير، بدر في اذهاننا سؤال فضولي “لماذا تمتلك إيران فقط النسخة وليس الأصل؟”
“دائي” الوحيد
فرغم ما يمتلكه المنتخب الإيراني المصنف 35 في قائمة أفضل المنتخبات العالمية وفقا لتصنيف الاتحاد الدولي لكره القدم عن شهر أكتوبر الماضي من لاعبين جيدين ومواهب استثنائية؛ إلا أن ذلك لم يكن كفيلا لارتداء أي منهم لقميص أهم وأعرق فرق كرة القدم الاوربية، وجاءت تجارب معظم لاعبيها في احتراف كرة القدم خارج حدود الإيرانية خجولة للغاية بالقارة العجوز، وعلى استحياء أيضا بدوريات الدول المجاورة لها جغرافيا والتي تجمعهم سويا القارة الصفراء.
منذ تأسس اتحاد الجمهورية الإيرانية لكرة القدم عام 1920 ولم يخرج من عبائته للكرة العالمية سوى عدد ضئيل للغاية من محترفي تلك الرياضة إلى دوريات الاتحادات المختلفة بجميع انحاء العالم، يأتي في مقدمتهم الهداف الأبرز للمنتخب الإيراني على مدار تاريخه علي دائي الذي خاض رحلة احترافية طويلة بعدد من الأندية.
وفي هذه الرحلة الطويلة لعب “دائي” موسم وحيد ضمن فريق بايرن ميونيخ الألماني وموسمين بنظيره هيرتا برلين، وقد ساهم نجاحه في ألمانيا في فتح أبواب الاحتراف أمام عدد آخر من اللاعبين الإيرانين بأندية الدوري الألماني إلا أنه لم ينجح أحد منهم في الانضمام إلى أندية القمة في هذا الدوري واقتصرت تجاربهم على بعض المواسم ضمن فرق أندية الوسط والقاع.
نتيجة المجتمع
بعد قرابة القرن من ممارسة إيران لرياضة كرة القدم لم يخرج من ضواحيها وأزقتها رجل الألقاب الاستثنائي البرتغالي كريستانو رونالدو أو الرسام الإسباني إنيستا أو الأخطبوط الإيطالي جان لوجي بوفون أو حتى فتى الدورلارت البرازيلي نيمار.
ولعل السبب الرئيسي في ذلك الطبيعة الخاصة للمجتمع الإيراني، نتيجة لما يتعرض له من عوامل مجتمعة، فانغلاق المجتمع الإيراني على نفسه كوّن لاعب منغلق على نفسه هو الآخر لا يتحدث سوى لغة البلد الفارسية في وقت يتحدث فيه التشيكي بيتر تشيك حارس مرمى نادي أرسنال الانجيلزي خمس لغات ليستطيع التواصل بشكل جيد مع مدربه وزملائه لاعبي الفريق الآخر.
الطموح القاصر
انغلاق المجتمع لم يكن سببا فقط في خلق شخصية محلية بمواصفات عالمية قادرة على التعامل مع العالم الخارجي بالشكل الذي يمكنها من التطور والتفوق بل أيضا قتل الرغبة ولم يزرع الهدف حتى يسعون لتحقيقه، فغالبية اللاعبين الإيرانيين أقصى طموحهم اللعب للاندية الشعبية الجماهيرية داخل إيران كـ “سبايهان أصفهان” و”استقلال طهران” و”برسيوليس”.
قوي تنافسيا ضعيف تسويقيا
“الصيت ولا الغنى”.. مقولة شعبية تستخدم بكثرة باللكنة العامية المصرية تؤكد أن اعتقاد من حولك أنك تملك صفة ما أهم بكثير من تملكك لتلك الصفة بالفعل فقط نجاحك في جعلهم يعتقدون ذلك كفيل بوصولك إلى مبتغاك.
لكن حال الدوري الإيراني ينطبق عليه مضاد تلك المقولة تماما، فرغم قوته التنافسية الكبيرة والتي نتج عنها منتخب وصل لنهائيات النسخة المقبلة من كأس العالم المزمع إقامتها بروسيا العام القادم، قبل جولتين كاملتين من التصفيات المؤهلة بعد أن تصدر مجموعته، إلا أنه لا يحظى بنسب مشاهدة جيدة خارج حدود إيران بسبب ضعف تسويقه وهو ما يعود بالسلب على عمليات تسويق اللاعبين الإيرانين بالدوريات الكبرى حول العالم.
السمعة تصنع الفارق
تريد لاعبين جيدين؟ اذهب إلى دول أمريكا الجنوبية أو أدغال أفريقيا، وإذا لم تجد مبتغاك ستجده بذوي العيون الضيقة أبناء دولتي اليابان وكوريا الجنوبية، فلاعبي هذة الدول وبفضل نجاحاتهم الاحترافية بنوا سمعة طيبة لأي لاعب يخرج من الإطار الجغرافي، فيكفي أن تحمل جنسية البرازيل أو الأرجنين للاحتراف؛ لاعتقاد الأندية الأوربية بالأخص بجودة اللاعبين حاملي جنسية تلك البلاد.
أما إيران فأمامها سنوات طويلة وتجارب احترافية كثيرة حتى تبني تلك السمعة وتصبح إحدى الدول المنظور إليها باعتبارها مفرخة كبيرة للمواهب الكروية الشابة، وبالمناسبة أسماء كمهدي بيكا وعلي كريمي احترفت في الدوري الألماني بعد السمعة الطيبة التي خلفتها تجربة الإيراني الاشهر كرويا علي دائي.
فهل تستطيع إيران أن تجتاز كل العوامل السابقة وتضع نفسها بقوة على خريطة محترفين كرة القدم خلال السنوات القادمة؟
الدور المحوري في ذلك يقع الآن على رباعي المنتخب الإيراني المحترفين خارج حدود إيران وفي مقدمتهم أمير عابد زاده حارس مرمى نادي مارتيمو البرتغالي، وكريم أنصاري لاعب نادي أولمبياكوس اليوناني، إضافة إلى رضا قوچاننژاد لاعب نادي هيرنفي