“سيظل العقل حائراً في محبته، كما تعض الروح الأنامل مما بها من عجز، فما الروح إلا هائمة في إدراكه” هكذا يبدأ الشاعر فريد الدين العطار ديوانيه الشعري “منطق الطير” والذي يعد منظومةٌ رمزية تبلغ 4500 بيت، يستخدم فيها “السيمرغ” وهو طائر أسطوري، كرمزية لله، نقلًا رحلة البحث عنه.
كانت كتابة العمل سنة 1177 م على يد “فريد الدين العطار النيسابوري” وهو شعار متصوف فارسي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي، ورغم كتابته في تلك الفترة المبكرة إلا أنه كتب بشكل تعدى زمانه، يحكي الكتاب عن اجتماع الطيور للبحث عن طائر “السيمرغ الأسطوري” قد تبدو القصة من الوهلة الأولى كأنها قصة مقدمة للأطفال، ولكن المعنى يكمن في الرمزية التي قدم من خلاله هذا العمل، فالطيور هم الباحثون عن الله، والسيمرغ يرمز إلى الله.
قصة الكتاب
ويعد “السيمرغ” من أهم الطيور الأسطورية في الثقافة الفارسية بشكل عام، كما ورد اسمه في كتاب “الشاهنامة” للفردوسي، والذي يعد الملحمة الشعبية الأهم في الثقافة الفارسية، وقد جاء كتاب “منطق الطير” في قالب قصصي مُحْكَم يتألف من خمس وأربعين مقالة على لسان الطيور، تتخلَّلها مجموعةٌ من مائة وإحدى وثمانين حكاية، تختلف طولاً وقصرًا، حيث تحكي القصة عن اختيار الطيور للقائد والذي سيساعدهم في البحث عن الطائر الأسطوري، ويتم اختيار “الهدهد” والذي يوضح لهم صعوبة الطريق الذي سيخوضوه للبحث عن “السيمرغ” وبعد الأخذ والرد والإدبار ثم الإقبال، تقرر الطيور أن تبدأ الرحلة، ولكنها في منتصف الطريق تكون قد قاصت كثير من الأهوال، حيث “تأوهت الطيور جميعها، وسالت الدماء من أجنحتها وريشها، فقد رأوا الطريق غير معلوم نهايته، ورأوا الداء وما اتضح لهم دواؤه”
بعد رحلة التعب هذه، ينتقل “العطار” إلى الجزءالثاني، هو حين اعتلى الهدهد العرش، وقام بالغناء وبصحبته بقية الطيور، وهو الأمر الذي يشبه رفع الحجب الذي يحدث للمتصوف بعد رحلة التعب، لتواصل الطيور من جديد رحلتها إلى “السيمرغ” وللوصول إليه لابد من اجتياز سبعة أودية هي “وادي الطلب، وادي العشق، وادي المعرفة، وادي الاستغناء، وادي التوحيد، وادي الحيرة، وادي الفقراء والفناء” خلال الرحلة يموت كثير من الطيور، وهم الأمر الذي يؤكد أن الحقيقة لا يشترط أن يصل إليها أي شخص في الواقع، إذ في النهاية كل من وصل هم 30 طائرًا فقط، حيث يتم رفع الحجاب، ليكتشفوا في النهاية أن “السيمرغ” لم يكن إلا انعكاسًا لصورتهم.
لينهي الشاعر كتابه بقوله “جلوت طائر الروح على النائمين. وإن كنت قد قضيت عمراً مديداً في سبات، فلعل قلبك يتنبه الى الاسرار بهذا الكلام ذات لحظة، وأعلم بلا ريب ان عملي سيحرز التوفيق، ويتلاشى غمّي وتتبدد أحزاني… لقد تكلمت كثيراً، فصه وابحث عن الأسرار! فقال: انني غريق ناري، فلا تلمني. أن اكف عن الكلام، احترق، لقد ماجت مئات الاضطرابات في بحر روحي، فكيف اكف عن الكلام ساعة”
وقد صدر الكتاب عن دار آفاق للنشر والتوزيع بترجمة عربية.
ولادة
وقد ولد “العطار” في مدينة نيسابور بإيران التي مكث فيها 13 عامًا في طفولته، ثم استقر في “كدكن” قريته الأصلية، وقد اشتغل في حياته بجمع الأقوال والأشعار الصوفية، إذ وهب حياته لذلك الفرع، كما أن له كثير من المؤلفات الأخرى غير كتاب “منطق الطير” ويقال أن عددها هو نفس عدد سور القرآن الكريم، ولكنه أمر غير موثوق منه، أما الموثوق منه فهو أنه كتب 9 أعمال وصلت إلينا في العصر الحديث، كما تأثر بعدد من الكتاب والأعمال مثل “رسالة الغفران” لأبي العلاء المعري، و”رسالة الطير” لابن سينا، إضافة إلى تأثره الشديد به بالصوفي الشهير جلال الدين الرومي.
معنى
يشير بعض المستشرقين، أن عنوان “ألعطار” قد أخذه من سورة النمل، في الآية 16 ” وورث سليمان داوود وقال: يا أيها الناس عُلِّمنا منطق الطير وأوتينا من كلِّ شيء إن هذا لهو الفضل المبين” ولم يتوقف الكاتب على المعنى فقط المستلهم من القرآن، بل ركز كذلك على أن يصبح كتابه بأكمله بهذا المعنى التصوفي، كما أن كتابه عامرًا بالصور والأخيلة.
ومن جانبه حاز الكتاب شهرة واسعة في العالم كله، حيث تم ترجمتها إلى الأُردية والتركية، بالإضافة إلى ترجمتها إلى الفرنسية والأسوجية والإنكليزية، كما حاز الكتاب إعجاب المستشرقين حول العالم، وهو الأمر الذي دفع المستشرق الإنجليزي إدوارد براون لأن يقول “إن منطق الطير من أهم مثنويات المتصوفة وأوسعها شهرة”، كما ألهم الكتاب كثير من فناني العالم في رسم لوحات مستوحاة من قصة الكتاب، وحتى الآن يوجد بمكتبة برلين مخطوطات لتلك الرسومات.