( پروين اعتصامي ) شاعرة المرأة الشرقية في كل مكان وفى كل زمان تلك السيدة التي اتخذت من القلم ومن الشعر والكتابة منبراً للتعبير عن حقوقها وحقوق بنات جنسها فلم تتوارى عن خدمة أهدافها وأهداف بنات جيلها في كل بقاع الدنيا فقد ربطت بين استقلال المرأة و المطالبة باستقلال الدول والحكومات عن الاستعمار الخارجي والأجنبي ، فهي تعتبر المرأة هي المحرك الأساسي لكل أنواع الاستقلال على اختلاف ألوانه وأنواعه .
حياة پروين اعتصامي
ولدت في مدينة تبريز عام 1906م، وفقدت والدتها وهي في سن صغيرة، وانتقل بها أبوها يوسف خان الملقب باعتصام الملك (اعتصامي) إلى طهران فتعلمت الأدب إلى جانب تعلمها اللغة الفارسية، وفي هذه المدينة درست پروين اللغة العربية وآدابها إلى جانب اللغة الفارسية والأدب الإيراني، فعرفت كبار الكتاب والأدباء وأعمالهم، وكانت پروين تنشُر قصائدها الشعرية والقصائد المُترجمَة عن الفرنسية والعربية في مجلة ” بهار ” الأدبية التي كان يُشرِف على تحريرها والدها يوسف اعتصامي.
ألحق يوسف اعتصامي ابنته (پروين) بالمدرسة الأمريكية للبنات لتكون على علم ومعرفة بالآداب الأجنبية وخصوصًا الإنجليزية، وتفرغت پروين بعد ذلك لدراسة اللغة والأدب الإنجليزي، وتعرفت على كبار الكتاب في إنجلترا وأمريكا، وبعد ذلك تزوجت من ابن عمها وهى في الثامنة والعشرين من العمر وأقامت معه في مدينة ” كرمانشاه ” الإيرانية، ولكنها عادت إلى طهران وطُلِقَت فيما بعد، وذلك بعد شهرين ونصف فقط من ذلك الزواج بسبب عدم التوافق الفكري والنفسي مع زوجها، وتوفي والدها عام 1937م وحزنت پروين عليه حزنًا شديدًا ورثته في قصائدها الشعرية حيث كانت وفاة والدها من الأحداث المهمة الفارقة في حياتها الشخصية وحياتها الأدبية حيث سرعان ما توفيت پروين في شبابها عام 1941م عن عمر ناهز 35 عامًا.
كانت ” پروين ” تتمتع بصفات مميزة وأخلاق فاضلة جعلتها موضع اهتمام واحترام العديد من القامات والشخصيات الأدبية والاجتماعية في إيران وخارجه. كما كانت پروين من أهم الوجوه الأدبية والشعرية في الأدب الإيراني الحديث والمعاصر حيث سبقت من جاءوا بعدها في التعبير عن المضامين الحديثة في الأدب الفارسي الحديث والمعاصر من قبيل الأمومة والحجاب ودفاعها عن حرية المرأة في كل أنحاء العالم بالإضافة عن دفاعها عن حقوق المرأة في اختيار الزوج وتحمُل مسئوليات حياتها دون إشراف من أحد.
لقد كانت پروين تلك الشاعرة التي دعت إلى انتشار ثقافة المرأة وإعطائها مزيدًا من الحرية الشخصية، ومزيدًا من التنفس، والاستماع إلى رأيها، وتلبية حقوقها التي ترهلت مع الزمن، وأساء الناس فهمها، ورأت في المرأة شريكًا لا يستغنى عنه الرجل، لأن الحياة صعبة، ولا يمكن مجابهتها فرادى، مثل المرأة والرجل كمثل السفينة والربان فإن كانت السفينة محكمة، وكان ربانها عاقلًا فلا خوف من الموج والإعصار، وما هذه الفتاة اليوم إلا أم المستقبل وبيدها مستقبلهم وهذا أقصى ما دافعت به عن المرأة.
مضامينپروين اعتصامي الأدبية
تتمحور أشعار ( پروين اعتصامي ) حول ثلاثة محاور وهى :
الحكم والنصائح والتي كانت كثيراً ما تضمنها أشعارها أو تفرد لها مساحات خاصة من أشعارها فلم تكن صوت المرأة فحسب بل كانت صوت الفقراء جميعاً رجال كانوا أم نساء فتقول في قصيدة من قصائدها معبرةً عن الظلم الاجتماعي الذي كان في ايران في هذه الفترة :
إن الأغنياء لن ينظروا إلى الفقراء
فلا تبالي يا پروين فهذا الحديد بارد
والمحور الثاني هو المحور الغرائزى الذي كلما تبتعد عنه أي شاعرة من الشاعرات تجد نفسها أمامه دون الإحساس أو الشعور ألا وهو المحور الأنثوي والأمومة ذلك المحور الذي عبرت عنه ( پروين اعتصامي ) بتلك الأم التي كثيراً ما نجدها في أشعارها سواء الاجتماعية أو الأخلاقية أو حتى الصوفية الأم التي دائماً ما تخاف على أبناءها ودائماً ما تريد أن تحفظهم من آلام الدنيا وغدرها ودائماً ما تقوم بتقديم النصائح إليهم وتقول مثلاً في هذا المحور :
بنات اليوم هن أمهات الغد
والأم هي التي تزرع العظمة بداخل أبناءها
فدائماً ما كانت (پروين اعتصامي) تؤمن بأن هناك رسالة محددة خلقت المرأة لها ألا وهى ( تربية الأبناء ) تربيةً قيمة لكي يصبحوا أناساً يستطيعون المدافعة عن وطنهم.
أما المحور الثالث الذي نجده في أشعار (پروين اعتصامي) هو محور الفقر والحزن والألم فقد بدا هذا المحور واضحاً جلياً في أشعار پروين وهو مرتبط بتعاستها وحزنها العميق الناجم عن إحساسها بالقهر مثلها مثل كافة بنات جيلها.
وفى ذلك المحور نجدها تقول مثلاً :
إن الملوك دائماً لا يحسون بآلام الفقراء
ولن يرى الملك ذو التاج بكاء اليتيم .
هكذا اتخذت (پروين اعتصامي) تلك المكانة الراقية في الأدب الفارسي لأنها في الحقيقة شاعرة حساسة جداً وتجيد تصوير الظواهر الاجتماعية والنفس الإنسانية ببراعة وتجيد فن التجول في أغوار النفس الإنسانية لمعرفة مسراتها وأحزانها.