يُعَد الدكتور علي شريعتي أحد أهم أقطاب الفكر والسياسة وأحد أهم كبار دعاة الحرية في تاريخ إيران الحديث والمُعاصِر، كما إنه يعَد من أهم منظري الثورة الإسلامية الإيرانية التي اندلعت في عام 1979 م.
الحياة الشخصية والاجتماعية للدكتور على شريعتي
هو علي بن محمد تقي شريعتي 1933م -1977م وُلد في ديسمبر عام 1933م في قرية “مازينان ” إحدى قرى مدينة سبزوار الواقعة على حدود الصحراء الكبرى المعروفة بـ (دشت كوير) بمنطقة خراسان في إيران لأب من علماء الدين كان يعمل في تفسير القرآن الكريم ، وكان مناضلا من مناضلي الحركة الوطنية ومؤسسًا لمركز نشر المعارف والحقائق الإسلامية في”مشهد ” . هكذا نشأ على شريعتي في هذه البيئة العلمية والنضالية.
في عام 1954 بدأ علي شريعتي خطواته الأولى الفاعلة في الحركة الوطنية , وأصبح عضوا في حركة المقاومة الوطنية التي أسسها كلٌ من آية الله زنجاني وآية الله طالقاني ومهدي بازرگان.
ولقد سُجن في عام 1958 م بعد أن تعرضت الحركة للمطاردة والاضطهاد واستمر سجنه لمدة ستة أشهر.
وفي العام 1955م التحق بكلية الآداب بجامعة” مشهد” , وتزوج بعد عام من التحاقه بالجامعة أي في عام 1956م من إحدى زميلاته في الجامعة وهي السيدة بوران شريعت رضوى أخت السيد مهدي شريعت رضوى أحد مناضلي الحركة الوطنية , وتخرج في الجامعة ثم أُرسل في بعثة دراسية إلى فرنسا لتبدأ مرحلة جديدة من حياته.
درس في الفترة الأولى من حياته العلوم الإسلامية المختلفة وعلم الاجتماع, وفي فرنسا درس علم الأديان المقارن وعلم الاجتماع والأدب وحصل على شهادتين للدكتوراه في التاريخ الإسلامي وفي علم الاجتماع, وواصل نشاطه السياسي بين الطلبة الإيرانيين ، وبدأ في ترجمة كتب في الفكر الإسلامي التي ألفها المستشرقون منهم (لويس ماسينيون)الذي كتب كتابا عن سلمان الفارسي كما ألف علي شريعتي كتابا عن أبي ذر الغفاري ، ثم ترجم كتابا عن “الدعاء” ألفه الأستاذ ” كارل ” أحد أساتذة جامعة باريس.
في منتصف الستينات عاد إلى إيران ليعمل في حسينية إرشاد التي أُسست لتدريس العلوم الشرعية المختلفة وفكر الحسين بن علي رضي الله عنه عام 1969م, وأصبحت تلك المدرسة بعد فترة مركزًا لأنشطة علي شريعتي حيث ألقى العديد من المحاضرات حول الإسلام وتاريخ الشيعة مبلوراً من خلالها منظومة أفكاره عن الإسلام، ومجاهدًا في تصحيح مفاهيم خاطئة سائدة عن الإسلام ، وأسس خمس لجان لتطوير الأنشطة في مجالات مختلفة,وموضحا ما أصاب إيران من تخلف وبُعد عن الطريق لتصحيح أوضاع الشعب الإيراني، ثم عُين في كلية الآداب بجامعة مشهد ليواصل نشاطه ودوره التنويري هناك.
وفي عام 1973م أغلقت السلطات الإيرانية حسينية إرشاد، واعتُقل علي شريعتي ووالده وبقي في السجن ثمانية عشر شهرًا ثم أطلق سراحه في مارس عام 1977م نتيجة وساطة جزائرية قام بها المسئولون الجزائريون أثناء زيارة الشاه محمد رضا پهلوي للجزائر عام 1975م.
غادر علي شريعتي طهران في مارس عام 1977م إلى إنجلترا ليبدأ النشاط من جديد في لندن، لكنه لم يلبث طويلا حيثُ وُجد مقتولًا في ظروف غامضة، وحُمل جثمانه إلى سوريا حيث دُفن بجوار مرقد السيدة زينب رضي الله عنها الموجود في سوريا.
وهكذا نرى أن علي شريعتي عاش إبان العصر الپهلوي الذي شهد حكم الإمبراطور رضا شاه الكبير حتى عام 1941م وفترة حكم الشاه محمد رضا پهلوي الذي أطاحت به وبأسرته الثورة التي قادها الإمام الخميني 11 فبراير 1979م ، وذلك بعد أن مر بمرحلتين حاسمتين في حياته : الفترة الأولى استمرت منذُ ولادته وتتلمُذه على يد والده وعلماء القرية حتى عام 1959م.
فيما استمرت الثانية من عام 1959 واستمرت أكثر من خمس سنوات أخذ فيها الكثير من زاده الثقافي والفكري.
وخلال حياته في تلك الفترتين جمع بين الثقافة والحضارة الإسلامية والعلوم الشرعية، ونهل في المرحلة الثانية من مناهل الحضارة الغربية والفكر الغربي وآراء المستشرقين والباحثين الأوربيين في الحضارة الغربية وفكرهم ودراستهم لتراث الحضارة الإسلامية وعلم الاجتماع بمدارسه واتجاهاته المختلفة وموقفهم من الثورة الجزائرية.
وكان السبب في ذلك البيئة الصغرى التي نشأ فيها فقد تعلم كثيرا من حياة أجداده , لاسيما فلسفة البقاء على إنسانية الإنسان في زمن اتسم بالفسق والفساد.
كان أديب النيشابوري ابن عم علي شريعتي واحداً من أبرز الكتاب والمفكرين الإيرانيين الذين أثروا في حياة شريعتي الأولى.
درس شريعتي في بداية حياته وفي مرحلتها الأولى الفقه والفلسفة والآداب ثم رجع إلى موطن ولادته(مزينان) مقتفياً طريقة أجداده ، وورث عن أجداده تركة علمية وإنسانية.
كان والده السيد محمد تقي شريعتي أستاذه الروحي والمعنوي بحيث أصبح الابن صورة مشرفة لوالده.
وعنه يقول علي شريعتي : (أما والدي فقد خالف سنن حياتنا حيث لم يعد إلى المدينة بعد انتهاء دراسته و قاسى الويلات ولم يعد، وظل في المدينة إلى أن حدا به أن يقرر مقارعة سكون المدينة، فنذر عمره كله للعلم والمحبة والجهاد، لذا اختار أن يبقى في المدينة وأنا ربيب هذا القرار، وورثتُ عنه كل الصفات الحميدة والوطنية.
أسس محمد تقي شريعتي الوالد مركز نشر الحقائق الإسلامية في مدينة ” مشهد” وهو واحدٌ من رواد الحركة الإسلامية في إيران وقدم على مدى أربعين عاما خدمات جليلة في الدعوةِ والإرشاد المنطقي والعلمي للدين بشكل يواكب التقدم العلمي.
أثّر محمد تقي شريعتي على الابن تأثيراً كبيراً كما صرح على شريعتي نفسه بذلك، ذاكراً أن والده علمه منذ البداية فن التفكير وفن الإنسانية أي كيف أكون إنسانا، وكيف أكون ثابت الإيمان عديم التردد، كما علمني كيف آنس بقراءة كتبه.
أتقن على شريعتي اللغة العربية والفرنسية مما دفعه إلى ترجمة بعض الكتب عن هاتين اللغتين إلى الفارسية قبل دخوله الجامعة في مشهد عام 1956 م مما كان له الأثر الأكبر في تميزه عن أقرانه.
الكتاب الأول عن سلمان الفارسي الذي ألفه “لويس ماسينيون” من اللغة الفرنسية إلى اللغة الفارسية.
والكتاب الثاني “الدعاء” من اللغة الفرنسية إلى اللغة الفارسية، وقدم لهاتين الترجمتين مقدمتين ضافيتين نقديتين، كما ألف في تلك الفترة كتابا عن أبي ذر الغفاري باللغة الفارسية .
كان يرى في الإسلام مذهبًا وسطًا بين المذاهب الفلسفية المختلفة وبين الاشتراكية والرأسمالية.
كان علي شريعتي منهكماً في البحث عن علم جديد في علم الاجتماع يبحث عن التحولات التي تحدث في المجتمع الاشتراكي أو الرأسمالي, وكان يرى أن القضية المهمة التي يحب أن يتطرق إليها هي عدالة مطالب المسلمين سواء على صعيد العالم العربي أو الإسلامي؛ لذا نراه يهتم اهتماماً خاصًا بثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، وكتب عام 1962م مقالات خاصة عن (فانون) عرف من خلالها كتاب (فانون) الذي سمّاه ” معذبو الأرض ” و يعتبر هذا الكتاب تحليلًا عميقًا عن الحالة الاجتماعية والنفسية للثورة الجزائرية.
كما وعرّف علي شريعتي بأفكار الثوريين في القارة الأفريقية، والكثير من أفكار الكتاب والشعراء غير المسلمين.
كان على شريعتي في كل هذا مناضلا, ويمكن من خلال ذلك تشخيص ثلاثة أنواع من أنشطته: نضاله الفكري ، نضاله العلمي، نضاله لرسم طريق تخدم المصالح الشعبية وبالأحرى مصالح الأمة.
عاد علي شريعتي إلى إيران عام 1965 ليعيش بين بني وطنه ليؤدي خدمة وطنية وشعبية برفقة زوجته وطفليه.
عاد شريعتي من باريس ودخل إيران عن طريق المنطقة الحدودية بين تركيا وإيران ليتم اعتقاله أمام زوجته وطفليه.
ثم عُين أخيرًا أستاذًا في جامعة” مشهد” ليبدأ مرة أخرى نشاطه داخل شرائح المجتمع , وكان نتيجة ذلك أن قضى فترة طويلة في حبس انفرادي دون محاكمة.
الفكر التنويري والثوري عند على شريعتي
كان الدكتور على شريعتي من أهم المفكرين والمناضلين الإيرانيين قبل الثورة الإسلامية في إيران وكان لأفكاره تأثير مهم على سير الأحداث ومسيرة الحرية التي نادى بها الشعب الإيراني في ثورته ومن أهم أفكاره :
- العمل على استئصال بعض المعتقدات الدينية الفاسدة والتي تجعل المجتمع يعيش في حالة استسلام تام وسلبية مفجعة، والوقوف ضد الأعداء لنهب ثروات الوطن، وجعل المجتمع الإيراني سوقًا لمنتجات الغرب وأفكاره ، ومقاومة النزعة العالمية ، والانتقال بجيل الشباب إلى جيل قوي قادر على قيادة الثورة بعد وفاته.
- تدور أهم الأفكار عند علي شريعتي على صعيد التحليل الفكري في أنه من الصعب مراقبة قضية بذاتها من خلال عمل واحد، فكثير من القضايا كانت تمر على عدة مؤلفات له، وكانت أحيانا تعالج بشكل مغاير بين المؤلف والآخر، كموقف علي شريعتي مثلاً من الجدلية الماركسية وحتمية التاريخ ، حيث نجده أحيانًا يعالجها بوجه كما ظهر في كتابه “العودة إلى الذات” ، ويعالجها بوجه مختلف كما ظهر في كتابه”الحسين وارث آدم”.
- ناقش أيضًا حالة الجمود والانزواء التي أصابت الحركة الثقافية في وطنه وذلك نراه واضحًا من خلال مقالته التي نشرها في جريدة”خراسان” تحت عنوان” لماذا العلماء لا يخطون بالقلم”.
- فكرة الوعي، وعي الذات، العودة إلى الذات، الكفاح من أجل فلاح الإنسان، الحرية الديموقراطية، نقد التاريخ ونقد الذات، الثورة على المؤسسات التقليدية، تفنيد الخرافات القديمة والمعاصرة، الكفاح ضد هيمنة الخارج ضد التحجر والتخلف والاستبداد في آن واحد.
- الدعوة إلى فكرة تنمية الإنتاج الفكري ؛ لأنه الأصل والأساس الذي تبنى عليه ثقافة المجتمعات، وفي كل ذلك كان علي شريعتي يرى أن البعض كان يخلط كل ذلك بالدين وذلك لتسخير الدين للأهواء والأغراض المادية والشخصية وغير ذلك.
- تكلم أيضًا شريعتي على فكرة الاستعمار وأنه قد جاء بمبادئ جديدة كل فكرة يضعها هذا المستعمر تكون في قالب يوافق أغراضه، فيبدأ المستعمر في بث فكره وأيديولوجيته، ويحارب كل فكرة في المجتمع بمفهوم من اختراعه ؛ مما يجعل الناس يرونه صحيحًا وأنه يصب في مصلحتهم هذا في بداية الأمر, ثم ينقلب للضد مرة أخرى تبعًا لما يناصر أيديولوجيته، تكلم أيضًا عن التعصب وعن الحركة التمثيلية الاستعمارية التي قامت تحت زعم التنوير والتجدد والتقدم، وفكرة محو الدين من أذهان الصفوة، وهذا ما سنراه خلال روايتنا “ماذا يجب أن أفعل”.
- يتكلم علي شريعتي عن الجانب المادي البحت الذي جاء باسم الدين والأخلاق ولكنه في الأصل يعكس فكرة التجدد المفرط في الناحية المادية وذلك من خلال رؤيته لمصطلح “عصر بربرية التمدن”.
- التصدي علميًّا وفكريًّا للخرافات والعادات والتقاليد البالية عن طريق البحث والتحليل المنطقي والعملي لها وتصحيحها.
- مقاومة الهجوم العنيف والمنظم للأفكار المسمومة والمغلوطة الهادفة إلى التخلف الفكري والتشرذم الديني والتشتت الثقافي في مواجهة الغرب.
- التصدي للمؤامرات والمخططات المختلفة الهادفة إلى التدني الأخلاقي التي تستهدف الشباب على وجه الخصوص.
- الفهم السليم والمعرفة الصحيحة للعالم والمدنية الحديثة والثقافة الغربية والقوى الاستعمارية وعلاقات الشرق والغرب الخفية منها والمعلنة.
- السعي لإحياء وبعث النهضة الإسلامية التي حاربها المستعمر بفكرة الإسلام ضد الإسلام، وهدم الحقائق تحت زعم تعظيم الشعائر.
- يقدم علي شريعتي معالجة فكرية تجمع الدين مع حركة التاريخ لبناء المجتمع، حيث يعالج فكرة مسئولية الإنسان بكونه خليفة الله في الأرض وخليفة لأبي الأنبياء والأديان السماوية، ونرى هذه الفكرة واضحة من خلال كتاب “موعد مع إبراهيم”.
- كانت من أهم الأفكار الواردة في كتاباته أيضًا فكرة “التشيع العلوي والتشيع الصفوي” “دين ضد دين أو مذهب ضد مذهب و العودة إلى الذات” وغير ذلك.
- اعتمد شريعتي في كتاباته على التأمل والتحليل الفكري وذلك نراه جليًّا في كتابات كثيرة له مثل: “وحدة جمال الدين الأفغاني”و”ميلاد الإسلام من جديد”و”بناء الذات والحرية”و”الحجاب”و”فلسفة خلق الإنسان” وغير ذلك.
- من كل ما سبق يشرح علي شريعتي بعد أن فتح “حسينية الإرشاد” بطهران عام 1968م باستفاضة ما يجب فعله لتحقيق هذه الأهداف من خلال برنامج وخطة توضحان حسينيات الدعوة لتحقيق الأمور المستهدفة، وتنقسم هذه الخطة إلى ثلاثة أقسام:
1- البحث.
2- التعليم.
3- الدعوة.
4- وحدات مؤسسية تضم عدة تخصصات : النشر، الطباعة، شعائر الحج، مركز للكتب والوثائق والإحصاء، مكتبة متنقلة.
- نادى من خلال محاضراته إلى ضرورة تنقية الإسلام مما شابه وألقى مسئولية هذه المهمة على عاتق المتخصصين في الدراسات الإسلامية، فيكون بهذا قد ضم صوته إلى صوت الفئة المتميزة من المسلمين الذين نادوا بنفس المطلب عبر اتحاد العالم وعلى مر السنين.
- آمن بأن الثورة الفكرية تسبق كل الثورات في المجتمع.