هذه قصة عن حذاء.. حذاء صغير للغاية مقاس طفلين، تحديدًا ولد وبنت، حذاء سيلبسه الاثنان بينما يعدون لكي يلحقوا بميعاد حصتهم بين الأزقة الصغيرة، حذاء سيكرسان عنه رحلة بحث، وحذاء آخر جائزة موعودة ستقيهم من هذه الرحلة، ومع تلك اللبساطة، إلا أن عذوبة ما ستغلف الفيلم بأكلمه.
لما الأطفال تحديدًا؟ يجيب “مجيد مجيدي” مخرج وكاتب الفيلم “لأن العالم عندهم أصغر وأكثر صدقًا” يبدو هذا جوابًا معقولًا للغاية، فمع صعوبة وصف أي عمل بالصدق، تبقى أهداف الأطفال هي الأكثر تصديقًا، والأكثر عاطفية، والتي يمكننا الانصهار معها حتى التلاحم.
مشهد الافتتاح هو مشهد طويل أيضًا لعملية رتق حذاء، تقترب الكاميرا للغاية منه، وبعد فترة تبتعد، لنصبح أمام صاحب المحل، والطفل الصغير “علي” الذي ينتظر تصليح الحذاء، ليدفع الطفال المقابل “ثلاثين تومان” ثم ينطلق إلى منزله، ولكن لشرائه كثير من الطلبات، يضع حذاء اخته خارج المحل الذي يشتري منه الخضر، فيأخذه جامع القمامة عن طريق الخطأ، ومن هنا تبدأ إشكالية الفيلم.
تبدو كل مظاهر الفيلم جلية لتبرز الفقر المدقع الذي يعيشه الأطفال، وبناء عليه يصبح حتى من الصعب أن يحصلا على حذاء آخر وهو ما يجعلهما يشتركا في الحذاء نفسه، ليصبح المكان الأمثل للتبادل هو شارع ضيق للغاية، ربما يعكس الكثير من خلال ذلك الكادر الضيق، ضيق الوقت وضيق المعيشة، يأخذ “علي” الحذاء بعدما تعطيه له أخته “زهرة” ثم يكمل هو دوامه الدراسي.
يتكفل الحذاء بأن يصنع هو فيما بعد كل تفاصيل القصة، من رحلة البحث عنه، ومن منع “علي” من اللعب بكرة القدم لأنه ينتظر أن يجف الحذاء بعدما غسله هو وأخته، لخروجه في ليلة ممطرة من أجل أن يدخله شقتهم حتى يجف قبل ذهابهما للمدرسة، حتى في نظرات “زهرة” للأحذية، واضطرارها لمغادرة الامتحان سريعًا حتى يتمكن أخوها من الذهاب للمدرسة، واضطرارها للجري ورائه حين وقع منها بالماء، ثم توبيخ “علي” لتأخره عن دوامه الدراسي، وغيرها من التفاصيل، والتي كان البطل الأول في تحريكها هو “الحذاء”.
يقرر” علي” المشاركة في مسابقة للعدو، ولكنه ينظر لحذائه فيقرر العدول عن هذا القرار، إلا أنه يقرر الاشتراك فيها من جديد بعد اكتشافه أن الجائزة الثالثة فيها هي “حذاء” وهو أمر من شأنه أن يريحهم من هذا العذاب المتكرر، خاصة أن حياة “علي” هي عدو متكرر، عدو سينقذه منه مسابقة للعدو، عدو سيسهل عليه الأمر حيئنذ داخل مسابقة، تسهيلات ربما لم يردها “علي” نفسه، ومن هنا تصبح مفارقة الفيلم.
رشح فيلم “أطفال السماء” لجائزة أوسكار من قبل إيران، ورغم أن أبطال الفيلم من الأطفال، إلا أنه فيلم موجه للكبار والصغار على حد سواء، ورغم أن عالم الكبار هنا يكاد يكون بسيطًا، إلا أنه رغم بساطته قادر على أن يستغرقك تمامًا في الحبكة، رغم أنك لست جزءًا منه، أما فيما يخص تقنية الفيلم، فهو رغم أنه هنا لم يهتم بالحوار بعكس اهتمامه بالصورة، أي الصورة المترتبة على حبكة الفيلم، التي تدور كلها في خيط درامي واحد، الصورة أيضًا تم الاعتناء بها لصنع المفارقة، فمجيدي لا يحكي هنا، ولكنه يترك الصورة هي خير دليل، تنعكس الكاميرا على المباني الكبيرة، والأحياء الأغنية، بينما يركب والد علي الدراجة وبصحبته ابنه، يظهر عليه الإرهاق بينما يبدل، فيما تنعكس الشمس على الواجهة الزجاجية للمبنى الكبير، الذي يبدو تكلفته العالية، بجانب اللافتات الإعلانية بجانبه، والأشجار التي تزين الشوارع، إضافة إلى الأسوار العالية، كلها صور تتماس بشكل كبير مع الكوادر الأخرى التي تصف الحارة الضيقة الفقيرة التي يعيش بين طياتها “علي” وأسرته.
يصبح أيضًا أدء الطفلين أدءًا عظيمًا للغاية، حيث استطاع المخرج “مجيدي” أن يمزج بين الطبيعية في الأداء رغم الدرامية التي تطغى عليه في كثير من أجزائه، بالشكل الذي يجلعنا نشعر أن كل لحظة بكاء وحزن هي لحظة حقيقية للغاية وغير مفتعلة، حتى الرداء والملابس كان أمر مناسب للغاية، يناسب البيئة التي يحكي الفيلم عنها، غير ذلك يستطيع الكاتب والمخرج الفكاك من اللحظات الثقيلة عبر افتناص لحظات سعادة مختلسة من الزمن بشكل جلي، وهو ما يجعل الفيلم قفزات رشيقة بين قسوة الواقع، وخفة اللحظات الجميلة.