الرقص دائمًا إحدى سمات الثقافة التي تميز كل مجتمع، بدءًا من رداء الرقص نفسه، مرورًا بزينة الوجه وقصة الشعر، وحتى طرق أداة الرقص، إضافة للخلفية، فكل مجتمع لديه طريقته للتعبير عن فرحته يؤديها من خلال الرقص، ومع بعض المجتمعات فالرقص جزء من طقس ديني أو روحي، يتقرب به من الإله، أو يتحد به مع الطبيعة، وإيران كأي دولة أخرى، لها تراثها الذي مع اندثاره يظل موجودًا.
الرقص في التاريخ
يعود تاريخ الرقص الفارسي إلى ألفي عامًا تقريبًا، إذ كانت الإمبراطورية الفارسية تهتم به بشكل كبير، بل كان يستخدم بالفعل في الطقوس الدينية، خاصة مع بداية العقيدة “الميثرائية” وهي عقيدة يعبد فيها الفرس إله النور “ميثرا”، حليف إله الخير أهورا مازدا، ويحتفلون كل عام، بانتصاره على إله الظلام “أهيرمن” وفقاً للأساطير القديمة، وكانت الاحتفالات تقوم بشكل أقرب إلى الرقص الذي كان يقوم به الرجال فقط، ليطلق على هذا الاحتفال اسم “شب يلدا”، كذلك كان الرقص أيضًا جزء من العقيدة “الزرادشتية”.
كما كان يعد الرقص جزء من التبادل الثقافي بين الفرس وعديد من الحضارات القديمة مثل المصرية واليونانية، فقامت بإرسال مدربين لفن الرقص أطلق عليهم المؤرخون اليونانيون اسم “سادة الرقص الفارسي” إلى اليونان، في حين أرسلت اليونان الرياضيين والشعراء إليهم.
أفلام الرقص
وفي عصر الشاه كانت الأفلام الراقصة ليست بالعدد القليل، إلى جانب وجود قطاع من الجماهير لها، ويعد عام 1953 خاصة هو بداية أفلام الرقص والغناء داخل السينما الإيرانية، واشتهرت في هذا الوقت الراقصة “مهوش” التي أدت كثير من الرقصات داخل الأفلام، تلتها الراقصة “عزيزة” ثم ظهرت عدة راقصات إيرانيات مثل “جميلة، نادية، طاووس”، بل إن من كثرة أهمية هذه المشاهد الراقصة كانت تلون هي بعكس الفيلم كله، وكانت تلك الرقصات قريبة إلى حد كبير من الرقصات الهندية في ذلك الوقت، من خلال أسلوب الرقص والغناء.
ما بعد الثورة
أما بعد الثورة الإسلامية عام 1979 تغيرت هذه الأمور بشكل كامل، فمع ظهور كثير من الرقابة على الأفلام، وقلة ظهور النساء عالعموم على شاشات التلفاز، منع الرقص نهائيًا أن يتم داخل أي ساحة سواء السينما أو حتى في الواقع، إذ صارت عقوبة الرقص في إيران هي السجن.
كما تم حل فرقة الباليه الإيرانية، وهو الأمر الذي دفعهم إلى تغيير مكانها إلى السويد بعد عام واحد من الثورة، وصارت الفرقة تعرف باسم “لي باليه برسان”، غير أن إيران نفسها استمر فيها ممارسة الباليه ولكن سرًا داخل صالات الجيم المغلقة ودون موسيقى في الغالب حتى لا يتم لفت الأنظار، ومع ذلك يظل العائق الأكبر هو عدم توفر الملابس المناسبة لهذه الرياضة، نظرًا لخلو المتاجر منها، إضافة إلى ممارسة رقص “الهيب هوب” من جانب الشباب، والذين أسموه “الحركات التنافسية”.
مهرجان النار
بعكس كل حالات المنع، يأتي “مهرجان النار” ليصبح المهرجان الإيراني الذي يستطيع أن يتحدى المنع، يعد المهرجان في الأصل احتفال فارسي قديم خاص بالديانة “الزرادشتية” رغم رفض الدولة لمثل هذا المهرجان باعتباره “مهرجان وثني”،.
وتكثر في هذا المهرجان مظاهر الفرحة من الألعاب النارية، إلى الرقص الفلكلوري، وممارسة حركات من رياضة “الباركور” إلى جانب إقامة المسرح، ورغم ذلك لا يمر المهرجان بسلام دائمًا، وأحيانًا لا يمكن إقامته من الأصل.
الرقص على الإنترنت
https://www.youtube.com/watch?v=tg5qdIxVcz8
بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي صارت حركات التمرد أكثر وأوسع نطاقًا، فتحديدًا في عام 2004 انتشرت أغنية إنجليزية بعنوان “هابي” وقام كثير من شبان البلاد المختلفة بالرقص على أنغامها، وهو ما دفع بعض الشباب الإيرانيين إلى تصوير فيديو مشابه، غير أنهم تعرضوا للملاحقة الأمنية، وعندما قُبض عليهم كانت عقوبتهم ستة أشهر و91جلدة، غير أن هذا الحكم تم إيقافه في مقابل ظهورهم على التلفاز المحلي ليعتذروا عما فعلوه.
كما تم إلقاء القبض على 4 شباب وبنتين، بعد فيديو راقص انتشر لفتاة تمارس رقصة “الشافل” وذلك بتهمة خلع الحجاب، ونشر الرذيلة، وتعليم الرقص الغربي، إذ أن الاتحاد العام للرياضة الإيراني منع الألعاب الرياضية التي تعتمد على الموسيقى مثل “الزومبا”، وغيرها.
كما قامت فتاة أخرى بنشر مقطع فيديو لها انتشر على الإنترنيت بشكل كبير، وهي ترقص في إحدى المواصلات العامة، على لحن أغنية لفرقة البوب البريطانية “ليتل ميكس” وهو الأمر الذي يعد تحديًا للقانون الإيراني الذي يعاقب على الرقص في الأماكن العامة، غير أنه لم يتم القبض عليها، نظرًا إلى عدم التعرف إلى وجهها.
مجتمع موازي
ورغم حالات المنع والحبس، إلا أن الرقص يظل موجودًا خاصة للطبقات الغنية داخل إيران، بل إن حتى قاعات الأفراح نفسها مليئة بالرقص، والملابس المكشوفة، ويقوم الأهل بإحضار مدربين خاصين بالرقصة التي يريدوا أبنائهم يتعلموها داخل جدران منزلهم، وهو ما تسجله كثير من الفيديوهات على وسائل التواصل، ورغم ذلك لم يتعرض أحدهم لملاحقة.