تعد سمة الأفلام الإيرانية الرئيسة هي الحضور الرجالي الأكبر أمام الشاشة، إلا أن هناك بعض الأفلام قد استطاعت كسر هذا النمط، حيث أن الحضور الرجالي أصلًا يكاد يكون خافت للغاية وغير ملحوظ، مثل فيلم “سجن النساء” للمخرجة منية حكمت، ذلك الذي تقع أحداثه جميعًا طيلة عقدي من الزمان داخل أحد سجون النساء في إيران.
أحداث الفيلم
تدور أحداث الفيلم حول “طاهرة” مديرة السجن الجديدة التي تحاول إصلاح حال السجن، فيما تصطدم بـ”ميترا” الفتاة الجامعية التي قتلت زوج أمها ودخلت السجن لأجل هذا الذنب، تتعدد الحكايات في المنتصف بين قسوة “طاهرة” وتحدى “ميترا” لها، فيما يتغير العالم من حولهما، وتتغيران هن، في التعامل مع العالم، والتعامل مع أزماتهن سويًا، مع مضي الأعوام.
تبدأ الأحداث بدخول طاهرة إلى باب السجن، حيث ينفتح الباب الحديدي، مُدخلًا سيارة كبيرة تجلس فيها “طاهرة” وربما من هنا تحديدًا تبدأ المخرجة في صنع المفارقة، فالباب الذي ينفتح لاستقبال طاهرة ثم ينغلق عليها هو باب السجن نفسه، فطاهرة حتى وإن كانت سجانة ستتشارك الجدران نفسها مع السجينات.
وسيظهر هذا الأمر في نهاية الفيلم، من خلال الباب الذي سينفتح مرة أخرى، ولكنه سينفتح ليشهد خروج سجينة، بينما ينغلق الباب ويخفت الضوء أمام طاهرة من جديد، وكأن انتصار “طاهرة” ليس إلا انتصارًا واهيًا بين جدران الظلمة والسجن، ليطرح الفيلم من خلال تلك المفارقة سؤالًا هامًا مفاده أنه أي منهما حرة فعلًا؟
توازي الواقع
تبدو أحداث الفيلم بعد الثورة الإسلامية في إيران التي اندلعت عام 1979 خاصة من جملة الفيلم التي تدل على حبس إحدى السجينات لأنها تؤيد حكم الشاه، إذ كان من ضمن التهم للسجينات هو تأييدهم للنظام السابق، ليرصد الفيلم تغير المجتمع الإيراني خلال هذا الوقت، وذلك عن طريق وفود السجينات الجديد، واللاتي يتغيرن في طريقة ملابسهن وحديثهن، فهم الوافد الوحيد الذي يدل على أن الواقع يتغير، بالإضافة إلى تغير السجينات أنفسهن، سواء في السن، أو في الانصياع للأوامر الجديدة، أو في الانسجام مع السجينات الجديدات.
يبدو السجن في البداية واقع تحت إهمال، يبدو كأنه إهمال تلك الفترة نفسها، حيث تبدأ مديرة السجن بفرض عقوبات كبرى لمن لا ينصاع لأومراها، يتحسن شكل السجن، إلا أن الحياة القاسية تبدأ في الظهور، بداية من عقابهن تحت البرودة القاسية، للسجن الانفرادي، وصولًا إلا منعهن من الطعام وحلق الرأس، وكل ذلك من أجل تحقيق القوانين بشكل صارم.
لتأتي طاهرة وكأنها تمثل مجتمع الرجال الذكوري بحذافيره رغم أنها في الأصل أنثى، فتجبر السجينات على الالتزام بالحجاب الشرعي حتى داخل جدران الزنانة، وهن سويًا، وكأن القوانين الصارمة بالخارج، مازالت يمكن أن تدخل بقوة لجدران الزنازن النسائية المغلقة.
زمن الفيلم
ينقسم الفيلم لثلاث مراحل زمنية، المرحلة الأول في شباب “ميترا” حيث كانت عنيدة مازالت، تجلس في السجن الانفرادي أكثر مما تجلس مع السجينات لخروجها عن النظام، تأتي أمها لزيارتها، فتجد ونيسًا تشاركه حياتها، ثم المرحلة الثانية بعد انقضاء سبع سنوات حيث تبدو “ميترا” أهدأ وإن كانت مازالت مشاكسة، لها وضع داخل السجن وسط النزيلات.
أما بعد عشر سنوات، تبدو “ميترا” أكبر، يكتسي وجهها الشعر الأبيض، وقد عاركتها السنوات، ولكنها تبدو أكثر قدرة على مناطحة رئيستها، التي مع الوقت يبدو رغم الحقد والكراهية، أن هناك صيغة ما بدأت تجمعهن غير الغضب، وهنا تظهر مشكلة تختص بشكل “ميترا” الذي كان الشكل الوحيد الذي اكتساه الوهن والعجز، بعكس مديرة السجن التي ظلت على حالها، إضافة للجسينات الأخرى، وهو ما يطرح تساؤلًا إذا ما كانت “ميترا” وحدها فقط التي يبدو عليها السن؟
سينما الحكاية
حكايات السجن تبدو كثيرة للغاية، وشخوصها أيضًا، فقد صور الفيلم تعاون السجينات من أجل ولادة إحدى النزيلات، ثم كيف يستقبل الجميع أخبار موت صديقتهم، التي كانت تواجه عقوبة بالإعدام، بل حتى السيدة ذات الميول المثلية، والتي رغم سطوتها تواجهها “ميترا” إلى جانب علاقات النزيلات نفسها ببعضها، حتى مع الجاسوسة منهن.
يبدو الفيلم هنا راغبًا في تقديم أنماط عدة من المجتمع داخل الفيلم، ومركزًا على العلاقات بين السجينات، غير أنها علاقات كانت دائمًا تتسم بالمودة والحب، رغم أن العالم نفسه أقسى من هذا، وربما ذلك كان يشعر بعض الشىء بأنه غير حقيقي.
ورغم أن التصوير كان يتم في الغالب داخل الأماكن الضيقة إلا أننا لم نشعر باختناق في المساحات، إذ كان تغير العالم، والشخصيات، كفيل لإضفاء مساحات من الجدة والتغيير داخل الفيلم، إضافة للحكايات الممتدة خلال الساعة والنصف التي يعرض فيها الفيلم، الذي تم عرضه عام 2002.