وجود المرأة في الأفلام الإيرانية بشكل خاص مر بتغيرات لها كثير من الخصوصية في العالم كله، فبسبب التغيرات في السلطة، من الملكية إلى الجمهورية الإسلامية، وكلك اختلاف الآراء الإسلامية نفسها في ظهورها، فتارة تظهر وتارة تخفت، لتبدو هي الطريقة الأبرز التي يظهر بها العالم الإيراني من خلال ظهورها، إذ يمكن بالقياس على ذلك معرفة تكوين العالم كله، بعكس العنصر الرجالي، الذي كان وجوده ثابتًا منذ بداية السينما الإيرانية.
يبدأ الأمر في عصر الشاه رضا بهلوي، حيث كانت المرأة تظهر على حريتها تمامًا، دون غطاء رأس، وزينة وجه، إلى جانب تحرر كامل في الملبس، لتظهر أسماء فنانات لامعة كثر وقتها يتصدر الشاشة وغلاف المجلات، وتكتب عنهن الصحافة، ويقمن بالحوارات الصحافية، إلى جانب تأديتهن كل الأدوار بما فيها الراقصة، وكذلك نسبة كبيرة للغاية من التحرر فيما يخص بعلاقة الممثلة بالممثل أمامها.
بعد قيام الثورة الإسلامية عام 1979 بدأ كل ذلك يتغير بشكل كبير، إذ فرض الحجاب على المرأة، وأصدرت السلطات وجوب التزامها بـ “الزي الإسلامي الكامل” بل اختفى دورها في الأفلام نفسها من خلال إلغاء الحضور نفسه، أو عدم التركيز عليه، وهو ما أخفى وجود المرأة داخل سينما ما بعد الثورة مباشرة، بل وصل الأمر لوجود بعض المهرجانات مثل مهرجان “الفجر الفجر السينمائي الدولي” الذي رفض إدخال قسم أفضل ممثلة في خياراته، وهو الأمر الي جعل المخرجين يعلمون أنهم لن يحصلون على تصاريح لتصوير أفلامهم إلا بعد أن يهمشوا من دور المرأة داخل الفيلم، ليستمر دور المرأة الثانوي تمامًا طوال العقد الثمانين من القرن العشرين. بل ووصل الأمر إلى رفض تركيز الكاميرا على وجه الممثلة، ولكن في هذا الوقت كان اسم الفنانة “سوسن تسليمي” بارزًا للغاية، والتي مثلت عدد من الأفلام، لم يظهر بعدها إلى العرض، وذلك بسبب ما وصفته الدولة من “عدم مراعاة الحجاب من قبل الممثلة”.
أما تصوير الأفلام نفسها فمنع فيه أن تختلي الممثلات بالرجال داخل المشاهد، أو قيامهن بإيماءات غير مناسبة لطريقة المجتمع الإسلامي، إلى جانب منع النظرات بين الممثل والممثلة، لدرجة أن فيلم الذي تم تصويره بعد الثورة يحمل قصة حب بين ممثلين وحمل اسم “زهرات الأقحوان” هرب المؤلف فيه من تلك المعضلة بأن جعل كل من الحبيبين أعمى.
أما في النصف الثاني من العقد التسعين في القرن العشرين، بدأت تلك القيود تنفتح شيئًا فشيئًا، وهو ما كان له أكبر أثر في ظهور ممثلات ومخرجات إيرانيات، اللاتي ناضلن من أجل تأسيس مكانة حقيقية وسط الرجال، وكان من أبرز المخرجات في هذا الوقت “بوران درخشنده، تهمينة ميلاني، فريال بهزاد، مرضية برومند، رخشان بني اعتماد”، ليبدأ الأمر بشكل خاص مع وفاة الخميني عام 1989 بأن تصبح وزارة الإرشاد أبسط في فرض سلطتها على المرأة، ليبدا ظهور المرأة بشكل ظاهر ولافت من جديد، ولكن بوجود عدد من المحاذير مثل القيام بأقل قدر من الحركة، وإلى جانب أداء الأدوار وهي جالسة، بجانب الالتزام بالحجاب، كما بدأت الأفلام في تناول قصص الحب، إلا أنها ظلت تعتبر الجنس بالطبع تابوه محرم يجب عدم الاقتراب منه.
أما في عهد “الخاتمي” حاولت إيران أن تعلن عن نفسها كدولة مستنيرة تشجع وجود المرأة على شاشتها، وهو ما زاد من فرص البطولة للسيدات، وظهرت الأفلام تحتوي على مسحة تمرد، وإعلان عن الرغبات الجنسية أيضًا بشكل جلي، وإن كان داخل إطار مؤسسة الزواج بشكل كبير، إلى جانب عدم ظهور أي مشهد مخالف لطبيعة المجتمع، ولكن الأفلام في الوقت نفسه جاءت معبرة بشكل كبير عن قطاعات الشباب في ذلك الوقت.
أما في بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة، صار تمثيل المرأة في الأفلام على أنها الشخص القوي، تمسك زمام الأمور، إلى جانب أدوار الزوجة بالطبع والأم الحنونة، إلى جانب إتاحة مساحات واسعة من الحركة إلأيها، بجانب أدوار البطولة التي إما زحمت الرجال فيها، أو البطولة المطلقة.