منذ بداية السينما الإيرانية وهناك دائمًا محاولات لصناعة سينما قريبة للطفل، فالأطفال الذين يمثلون نسبة كبيرة من السكان الإيرانيين، لهم الحق هم أيضًا في أن توجه إليهم سينما تخاطب عقولهم، ورغم من أن السينما الموجهة للطفل من المفترض أن تصبح النوع الأسهل نظرًا لعدم وجود قضايا ساخنة أو يمكن أن تتعرض لمسائلة من قبل النظام الحاكم، ولكنها كانت السهل الممتنع خاصة في البداية.
في عصر الشاه كان “مركز التربية الذهنية للأطفال والمراهقين” هو المركز الوحيد الذي اهتم بشكل خاص لتقديم سينما موجهة للطفل، أما فيما يخص الأفلام بشكل عام فلم يظهر فيها ما هو مقدم للأطفال، فيما عدا فيلم “عباس كيارستمي” بعنوان “أنا أستطيع أيضًا” والذي يعد من أول وأهم الأفلام الإيرانية التي استخدمت الفانتازيا الطفولية.
ما بعد الثورة
بعد الثورة الإسلامية عام 1979، كانت السينما كلها تتأثر بهذه الموجة الجديدة، إضافة لتأثر دور السينما بعد تهدمها، وتوقف العمل بها لفترة، وتغير أهداف السينما فيما بعد، بل إن حتى الأفلام التي حملت من ضمن موضوعاتها الحديث عن الأطفال، أو كان ضمن حبكتها لم يتعد الخمسة أفلام، أما فيما يخص بأفلام الرسوم المتحركة في هذا الوقت، فكانت كلها تتطرق لموضوعات سياسية، لتصبح موجهة ضد أمريكا بشكل خاص، أما مركز تربية الأطفال الذهنية فقد استمر على دور في دعم أفلام الأطفال.
في عام 1983 ظهرت مؤسسة جديدة حينها حملت اسم “الفارابي” لتبدأ بإنتاج أول أفلامها “مدينة الفئران” وهو الفيلم نال استحسان الجماهير والنقاد، وتم اعتبار وجوده نقلة حقيقية في بداية إنتاج سينما الأطفال، خاصة أن الفيلم عنى بالتقنية الحديثة بجانب الكتابة والإخراج، لتكمل مؤسسة “الفارابي” مسيرتها بعد ذلك بأفلام منها من يثبت نجاحه، ومنها من لا يلقى رواجًا من قبل الجمهور، أما فيما يخص مركز تربية الأطفال الذهنية، فحاول هو الآخر أن يواكب العصر من خلال جلب المخرجين المتميزين لإخراج الأفلام، فأخرج أمير دانري فيلم “العداء” وأخرج كيارستمي فيلم “أين بيت الصديق” وإبراهيم فروزش قام بإخراج فيلم “المفتاح” لتنال هذه الأفلام احتفاءً محليًا ودوليًا في الوقت نفسه من خلال مشاركتها بالعديد من المهرجانات.
أما عام 1988 فكان بداية صحوة إيرانية فيما يخص بأفلام الأطفال، فبمبادرة من مؤسسة “الفارابي” قامت دور السينما بدعم وعرض الكثير من الأفلام، مما تسبب في انتعاشة كبيرة في هذه الصناعة أدت لإنتاج أفلام كلها للطفل، تعتمد على الفانتازيا والخيال والأحداث المسلية، ولأن هذه الأفلام أنعشت الاقتصادي السينمائي إلى حد كبير، لجأت بعض دور الإنتاج بصناعة أفلام للأطفال في بداية مسيرتها من أجل تحسين دخلها، وذلك مثل مؤسسة “سينما السينمائية”.
وبعد فترة من الانتعاش السينمائي، عاد هذا النوع لبدايته تقريبًا، فصارت موضوعاتها أقرب إلى السطحية، وهو الأمر الذي أبعدها عن المهرجانات الدولية، إلى جانب قلة جمهورها الذي لن يرضى بأقل من فيلم جيد مناسب لتطلعاته، ولكن هذه الكبورة ما تلبث أن تستعيد نفسها من جديد في التسعينات، فظهرت عدد من الأفلام الموجهة للطفل، والتي حازت على إعجاب الجماهير والنقاد، إلى جانب عرضها في عدد من المهرجانات الدولية ، و”تعطيلات تابستاني” و”أطفال السماء” لمجيد مجيدي الذي اختير لتمثيل السينما الإيرانية لجائزة أوسكار و”ألو ألو من جوجوام” لمرضية بلومند، وكذلك “المطر” و “لون الجنة” لمحمد مجيدي.
أما في الألفينات، فاستمر وجود أفلام مهمة مثل فيلم “صاحب القبعة الحمراء” لإيرج طهماسب، وفيلم “لا تتعب” للمخرجين محسن وأفشين، والسلاحف يمكنها أن تطير للمخرج الإيراني باهمان غوبادي، وفيلم الرسوم المتحركة “برسبوليس”، وغيرها.
ورغم استمرار صناعة أفلام الطفل إلا أنها صارت تواجه الكثير من التحديات الحديثة، إذ استقطبت التكنولوجيا الأطفال، وصار انبهارهم بما يعرض على شاشات السينما أقل، إلى جانب مخيلتهم الخصبة، التي صارت من الصعب استثارتها إن كان السيناريو ضعيفًا أو حتى متوسطًا، إلى جانب التكاليف العالية التي يجب أن يأخذها الإنتاج في حسبانه لصناعة فيلم مبهر بصريًا للأطفال، خاصة في ظل وجود هذا الكم الكبير من أفلام الرسوم المترحكة على مستوى العالم خاصة في أمريكا والصين واليابان.