يبدأ الكاتب الصحافي فهمي هويدي كتابه “إيران من الداخل” في مقدمة الطبعة الخامسة لكتابه والصادرة عن دار الشروق، بتفسير سبب اتجاهه لتدوين هذا الكتاب باعتباره محاولة لفهم الذي جرى في إيران، مشيرًا إلى أن غاية ما يمكن أن يوصف الجهد الذي قام به أثناء الكتاب هو أنه القدر الذي بلغه في التعرف على حقيقة الزلزال الذي أحدثته الثورة الإسلامية حين بهرت العالم بنجاحها عام 1979، ورغم محاولة “هويدي” تأكيد أن الكتاب ما هو إلا محاولة للفهم، أو رؤية محايدة تمامًا ولكن تُظهر هذه الجمل أنه منتصر للثورة الإيرانية إلى حد كبير.
حيادية
كما يؤكد “هويدي” على حياديته تلك، خاصة فيما يتعلق بالفصل التاسع الذي جاء تحت عنوان “الخيار الكربلائي” وفيه يتحدث عن الحرب بين إيران والعراق، مؤكدًا أنه قد واجه مأزق التحدث عن حرب دون الإشارة فيها للمعتدي على حد قوله، لذا أوضح أنه لا يقر الذي قامت به العراق في الابتداء، كما لا يقر الذي ذهبت إليه إيران في الانهاء (إشارة إلى رفض طهران وقف إطلاق النار في الوقت المناسب) ولكن فهمي عاد وأعلن الحقيقة كاملة على حد وصفه في أعقاب الغزو العراقي للكويت في أغسطس عام 1990، مشيرًا إلى أن مسألة العدوان قد ظلت محجوبة عن الناس طيلة عشر سنوات.
لافت للنظر أيضًا أن “هويدي” لا يكتب بمعزل عن الحدث، حيث لم يكن بعيدًا عن مسرح الأحداث، إذ كان يعمل وقت اندلاع الثورة الإيرانية كصحفي بالكويت في مجلة “العربي” وكان يبعد مسافة 40 دقيقة بالطائرة إلى طهران، كذلك أقام بحي يسكنه الشيعة في الغالب، مما جعله يتصل ببعض العناصر وثيقة الصلة بالثورة، والاطلاع على أدبيات ومطبوعات الثورة التي وصلت إلى الكويت، ثم الوصول إلى إيران نفسها بعد نجاح الثورة، وهو ما جعله يتابع البحث بمساعدة عدد كبير من الإيرانيين، ومع ذلك فالكاتب الصحفي لا يزعم بأي حال من الأحوال أن ما يقدمه هو صورة الحقيقة في إيران، موضحًا أن ما كتبه ربما يحتاج للإضافة والحذف.
الكتاب لا يهتم فقط بطريقة رصد الحقائق الجوفاء، بل يستخدم الشكل الإنساني الصحفي في تدوين ما رآه وسمعه وعلم عنه، ليبدأ كتابه بالحديث بشكل كبير عن حكم الشاه أيضًا بصفته ممهدًا لما سيحدث بعد ذلك، معرجًا على كثير من الأسباب التي أدت لقيام الثورة الإسلامية فيما بعد.
مدن المعركة
يلفت “هويدي” النظر أيضًا إلى طبيعة ظهور الفكر الشيعي بداية من منذ تشيع إيران رسميًا مع بداية القرن السادس عشر الميلادي، وموضحًا فكرة “الولاية” التي يعتمد عليها الشيعة بشكل كبير، وبعنوان “نهاية عصر الانتظار” يبدأ فصله الخامس بالحديث بداية عن الثورة ومحاورها التي ركزت على نقطتين أساسيتين هما أنه أولًا: “لا بديل عن تشكيل حكومة إسلامية”، وثانيا: “أن تلك مسئولية ينبغي أن ينهض بها الفقهاء”.
ويعرج الكاتب أيضًا على كثير من المدن التي شهدت المعارك الحامية مثل “قم، والحوزة، وطهران” مركزًا في الوقت نفسه على رصد المدن بعد الثورة، وكيف كانت واستقبال الخبر، ويليه طريقة سير الأمور بعد أن تولى الفقهاء مقاليد الحكم، حيث تجاوز دورهم مباشرة السلطة إلى التأثير على نسج القيم والسلوك السائد، راصدًا كما رآه هو من شكل الحياة الإسلامية الذي رآه منذ وطئت قدماه إلى إيران، فالرحلة على سبيل المثال من لارنكا إلى طهران حيث هو متوجه لم تقدم خمور، وتم تكرير النداءات للسيدات بضرورة الاحتشام، وهو ما جعل القيم قد تغيرت على حد وصفه “بصورة لم تخل من إفراط يحتاج إلى شىء من الكبح”. أما “المرأة” في إيران فقد وصفها الكاتب أنها صارت “غائبة وحاضرة في آن واحد”.
مظاهر اجتماعية
ورصد الكتاب مجموعة من المظاهر الاجتماعية الديدة على المجتمع الإيراني بعد الثورة، كإلغاء تجنيد النساء، وفرض الحجاب عليهن، الذي لم يستثيغه الكاتب متمنيًا أن يعالج الأمر بقدر من التدرج والحكمة، ثم تقاليد الحوزة في دواوين الحكومة، فصار العرف يقتضي خلع الحذاء عن الدخول للمكاتب، وخاصة تلك التي تخص كبار المسئولين، إضافة إلى لغة الحوار التي تغيرت في المساجد حيث نقل إليها الخطاب السياسي بجانب الديني.
أما فيما يخص الفن أوضح أن خلال الأشهر الأولى تم تخريب دور السينما والمسرح من خلال الجماهير الثائرة، إذ كان التلفاز “جهاز سيئ السمعة منذ عهد الشاه” بحد وصفه، وهو الأمر الذي جعل فتاوي الإمام الخميني بشأنها سلبية إلى حد كبير، ليخضع التلفاز فيما بعد إلى عملية “تشييع” واسعة النطاق بحسب ما أشار، فيقوم على الاحتفال بآل البيت، ويرصد أنباء المعارك، ويعرض نشرات الأخبار، وتقديم الأفلام الأجنبية، التي صارت اليابانية والألمانية تحتل مقدمتها، مع استبعاد الأفلام العاطفية، وعرض أفلام العنف والكاراتيه، ثم ظهر الاقبال على السينما فيما بعد، والذي كان من أبرز المظاهر بعد الثورة، خاصة بعد إغلاق الحانات ودور اللهو، بينما قد تحولت أفلام بعد الثورة إلى السمة الوعظية المباشرة.
أما نشر الكتب فقد أحاطت به ظروف متغيرة، حيث عاصر مرحلتين الأولى بين عامي 79 و82 كانت كل القوى السياسية نشيطة خلالها وتعبر بحرية عن أفكارها، ثم المرحلة الثانية التي أعقبت عام 82 تقلصت فيها مساحة النشر، وأصبحت مقصورة على الخط الإسلامي أو الاتجاه المحايد، الذي لا ينتمي لتيار سياسي.
ألقى هويدي الضوء كذلك على العلاقة بين “السنة والشيعة” راصدًا الفرقة والخلاف بين الفريقين، الذي يصرح أنها “تدمي قلب المسلم”، وبجانب ذلك يسلط الضوء على كثير من الفتاوي التي ظهرت في هذا الإطار، وأخيرًا يذكر “هويدي” القضية الفلسطينة بورد فعل إيران تجاهها.