اجتمع بعض المزارعين الإيرانيين حول جراراتهم المتوقفة عن العمل عند مدخل البلدة بجوار قناة كانت تروي حقولهم في السابق، ولكنها ظلت جافة لسنوات، واحتجوا طالبين المساعدة من الحكومة.
وصاح مصطفى بنفيدي قائلا: “نحن الشعب، ساعدوا الناس الذين يذهبون في الليل إلى فراشهم جائعين!”، وكان المتظاهرين يحملون لافتات موجهة إلى المسؤولين الذين يلومونهم على جفاف حقولهم، وكتب على إحدى اللافتات: “كم من الوقت ستأكلون خبزكم المصنوع من دمائنا؟”.
وفي كل يوم، يحتج المزارعون خارج مدينة ورزنه، مما يعدُ علامةً على الغضب الذي ينمو بسبب نقص المياه الناجم عن الجفاف منذ سنوات طويلة، لكنه ازداد سوءًا كما يقول الخبراء بسبب سوء إدارة الحكومة.
وازدادت حدة الاحتجاجات وتصاعدت أعمال العنف في الوقت الذي أدت فيه المشاكل الاقتصادية في البلاد إلى تأجيج الاضطرابات مرارًا خلال العام الماضي.
وفي مارس، فقد بنفيدي البصر في عينه اليسرى، وأصيب بأكثر من 100 رصاصة في جسده خلال المصادمات بين الشرطة والمزارعين، الذين أقاموا اعتصامًا في ورزنه.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أصيب 11 شخصًا في جزء آخر من جنوب إيران، عندما فضت الشرطة احتجاجًا في خورامشهر، حيث يشكو السكان من المياه البنية التي تأتي من صنابيرهم.
وقال بنفيدي البالغ من العمر 30 عامًا: “يأتي المسؤولون للتعهد بالتعامل مع الأزمة ثم يرحلون”.
واعتاد بنفيدي هو وعائلته المكونة من ثمانية أشخاص، الاعتماد على مزارعهم التي تبلغ مساحتها 3 هكتارات، وكانوا يزرعون الشعير والقمح والذرة والقطن، ولكنهم لم يتمكنوا من الزراعة لسنوات بسبب نقص المياه.
والآن بينفيدي عاطل عن العمل، وتعيش عائلته على أعمال البناء الموسمية التي يحصل عليها أشقاؤه في المدن المجاورة، ونسج السجاد الخاص بأخته.
وذكرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، أن إيران شهدت خلال العقد الماضي أكثر فترات الجفاف قسوةً وطولًا منذ أكثر من 30 عامًا، وقالت منظمة الأرصاد الجوية الإيرانية أن ما يقدر بـ 97% من البلاد قد واجهت الجفاف.
وتضررت محافظة أصفهان، والمقاطعات المجاورة في وسط إيران بشكل خاص.
وكان نهر زاينده رود، يسقي هذه المنطقة من بداية جبال زاغروس بمدينة أصفهان وعبر سلسلة من البلدات الزراعية مثل ورزنه وضواحيها التي يسكنها 30 ألف نسمة على بعد 550 كيلومترًا جنوب العاصمة طهران.
لكنه جف منذ سنوات، والحقول الممتدة حول ورزنه الآن ممتلئة بالأوساخ الملحية، واختفت الماشية، وتلاشت حوالي 90% من الأنشطة الزراعية في المنطقة، وفقًا لما ذكره رضا خليلي، الناشط البيئي في ورزنه.
ويقول خليلي وخبراء آخرون إن السياسات الحكومية أدت إلى تفاقم التوتر الناجم عن الجفاف والنمو السكاني، وتقوم السلطات ببناء المزيد من المصانع التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، وفي شهر يوليو، قام المسؤولون بقص شريط لمصنع صلب في أصفهان.
وقال الخليلي: “لقد تم إبادة دورة المياه، فقد خصصت كل مياه النهر للصناعة”.
وقال حبيب رمزاني، البالغ من العمر 57 عامًا والذي كان في الاحتجاج مع بنفيدي، إنه وعائلته اعتادوا على زراعة القمح والقطن والشمندر، ولم يزرعوا منذ سنوات.
وأضاف: “أنا عاجز عن الكلام، لا يوجد أي مسؤول يهتم بظروفنا البائسة”.
وتفتخر البلدة بإرسالها المئات من شبابها للقتال في الحرب العراقية الإيرانية الطويلة في الثمانينيات، وكان رمزاني من بين المتطوعين، وبعد ذلك، وفقدت البلدة الصغيرة أكثر من 100 من أبنائها في الحرب، وما زالت صورهم تزين الشوارع.
والآن يهاجر الشباب بحثا عن حياة أفضل.
ويقول أحد المزارعين الذي يعمل الآن كعامل بناء في مدن أخرى: “انتقل العديد من أصدقائي إلى المدن القريبة والبعيدة للعثور على وظائف”.
وفي عام 2012، اشتبك المزارعون في وزرنه مع الشرطة، وقاموا بكسر أنبوب مياه ينقل 50 مليون متر مكعب من المياه سنويًا من أصفهان إلى مقاطعة يزد المجاورة.
واستمرت احتجاجات مماثلة من عام 2016 إلى الآن، وفي إحدى المراحل، دفعت الحكومة نحو 250 دولارًا لكل عائلة تضررت من الأزمة، وتم انتقاد هذه الخطوة باعتبارها معونة مساعدة بدلًا من أن إيجاد حل.
“قد يكون المزيد من الصراع الاجتماعي قادمًا في الطريق، وقال حميد صفوي، أستاذ إدارة الموارد المائية والهندسة البيئية في جامعة أصفهان للتكنولوجيا، إن المسؤولين ليس لديهم الخبرة اللازمة لإدارة الموارد المائية.
وقال إن كل مقاطعة تقرر بنفسها كيفية استخدام مياهها دون النظر إلى مدى تأثير ذلك على الموارد.
وأضاف: “ما لم تتغير السياسات فإننا نتجه من أزمة مياه إلى كارثة، وهذا ليس تخمينًا، إنها الحقائق ببساطة”.
كان نهر زنده رود في يوم من الأيام فخرًا لمدينة أصفهان هو وجسورها التاريخية، وأشهرها سي-أو-سيه بول، وهو جسر يبلغ من العمر 400 عامًا يدعى بأقواسه الـ 33.
والآن هو شريط قاحل من الأوساخ الغارقة في وسط المدينة.