كانت أُولى لحظات الاشتباك والتقاطع بين الكنادباديين ونظام الملالي وآيات الله الحاكم، هي يوم أن أُردِي محبوب علي شاه سلف تابنده في قيادة الطريقة، قتيلًا على يد قوات الباسيچ والشبيهة بقوات الأمن المركزي في البُلدان العربية، ولكن بآليةٍ أبطش ونهجًا أكثر عسفًا، فقد كانت هذه اللحظة فاصلة، وهي مبتدئ كافة الأحداث التي ستلحقها، فقد عُدّ مقتله إيذنًا بعداوةٍ أكثر تطورًا وصخبًا في الأوقات اللاحقة والأيام المُقبِلة.
لا شك في أن الخلاف العقدي بين الطريقتين الصوفية الكنابادية، والشيعية الاثنا عشرية كان أحد أبرز الأسباب في تفجُر الوضع بينهما، وقد كانت نظرة المريدين والأتباع في الدراويش الكناباديين للقُطب الخاص بهم نظرةً تعتبره المرجع والمصدر والحُجة، لا الخُميني أو خامنئي واللذان يعدان أعلى درجات السُلم الديني في الجمهورية الإيرانية، وقد كان هذا يعني شق عصا الطاعة، ووجود منهجٍ آخر يُشكِّل وعي وسلوك قطاع عريض من الإيرانيين.
وقد كان ذلك منبعه الخلاف التاريخي المتجذِر بين مدرسة أهل التصوف التي ينتمي لها جماعة دراويش كنابادي، وبين مدرسة أهل الفقه، التي ينتمي إليها معظم رجال الدين الإيرانيين أتباع المذهب الاثني عشري الشيعي.
مرحلية النزاع:
اتخذ الصراع والنزاع بين الكناباديين والنظام الإيراني مراحل تصاعُدية، كانت كل مرحلةٍ منها تُنبِئ بحدوث مرحلة ستستتبعها تَشي بحديةٍ أكثر وصداميةً أشد.
>>> عام 2001، انتشرت كتب في مدينة قُم؛ قلعة الحوزات العلمية الاثني عشرية الشيعبة، تُحذر من الدراويش الكناباديين، وتتهمهم بمحاربة التشيع، بعدما أظهر رجال الدين الإيرانيون قلقهم تجاه تنامي عدد الشباب المؤمن بالاعتقادات الصوفية، وهذا ما دفعهم للتحذير منها.
>>> عام 2009، شهد تحولًا ملحوظًا وجريئًا من قِبل الجماعة، والتي وقفت في صف تظاهرات الحركة الخضراء التي اندلعت ضد نجاد، اعتراضًا على نجاحه في الانتخابات الرئاسية بالتزوير، وقد انخرط الدراويش في موجات الاحتجاج التي ضربات أنحاء إيران ودشّنها الإصلاحيون بقيادة مهدي كروبي، ومير حسين موسوي.
إذ تحول الدرايش إلى فاعلٍ سياسيّ، بعد انضمامهم إلى الإصلاحي، مهدي كروبي، في حملتهِ الانتخابية وإعلانهم تصويتهم له، ضد نجاد مرشح النظام والمحافظين. وقد دعم كُلٌ من كروبي والدراويش بعضهما البعض، إذ احتج كروبي ورفع رسالةً إلى وزير الداخلية آنذاك، مصطفى بور محمدي، ووزير الاستخبارات أيضًا، محسني اجئي، على إثر قيام اللجنة التنفيذية للسياسات الثقافية لحكومة نجاد، بتدمير حُسينية للدراويش، ولم يقف مع الدراويش سوى كروبي. وأنشئ الدراويش 300 دائرة انتخابية دعمت حملة كروبي الانتخابية، وصوّتواا جميعهم عن بكرة أبيهم كروبي في الانتخابات، والتي قالت اللجنة العُليا عنها آنذاك، أنها نزيهة، وأن كروبي لم يتحصل سوى على 350 ألف صوت، بينما كان عدد الدراويش من 4-5 مليون.
ومن ثمَّ فقد كان الرد شديد الإيلام من قِبل النظام، والذي ظهر عقب إصدار بيان من قبل إمام جمعة مدينة أصفهان ضد الصوفيين، فقد قامت الجرافات التابعة للبلدية بتدمير ضريح “الدرويش ناصر علي”، في مقبرة “تخت فولاذ”، بمدينة أصفهان، ونُهِبت مقتنيات الضريح.
وقد ذكرت حينها جريدة تُسمّى “أمير كبير”، أن عدد المهاجمين للمقبرة بلغ 170 شخصًا كانوا من عناصر وزارة الأمن، والبلدية، وموالين للمؤسسة الدينية الرسمية، كما تعرضت حُسينيات، وتكايا، تابعة للصوفيين في مدن قُم، وبروجرد وشرامين إلى الهجوم، واعتقلت السلطات الإيرانية في عهد نجاد المئات من أتباع الطريقة، ومُنِع الكثيرون منهم من الدراسة في الجامعات. لقد كان قمعًا شاملًا ويحمل أعلى درجات الإيذاء.
>>> عام 2010، أُوجِد مخخطًا فِكريًا دينيًا للقضاء على فكر الدراويش المتصوفة، والتخلُص منهم من على الساحة الدينية في الجمهورية، فقد شكّل رجال الدين أربع لجان؛ كل واحدة منها تهتم بمذهبٍ أو فرقةٍ معينة، وقد كانت تقضي بالقضاء على أهل السُنّة تحت ذريعة مكافحة الوهابية، واستئصال الصوفية تحت ذريعة أنهم لم يدركوا معنى الولاية بمعناها الصحيح، وقمع البهائية تحت ذريعة أن مركزهم يتواجد بمدينة حيفا في إسرائيل وهؤلاء عملاء لإسرائيل، واستئصال جميع الطرق الروحانية وما شابهها بحجة أنهم يعبدون الشيطان.
- معارك فبراير / شباط 2018:
شهد أكبر تصعيد بين الدراويش والنظام، فبراير/ شباط الماضي من هذا العام، ففي السادس من الشهر سالف الذكرـ وقعت ما سًمِّي إعلاميًّا “حادثة شارع الحرس الثوري”، فقد اندلع شجار بين الشرطة وأعضاء الجماعة عقب اعتقال واحد منهم، وقد أسفر الشجار عن مقتل ثلاثة عناصر من الشرطة الإيرانية، وأحد عناصر قوة الباسيج.
وعلى هذا الإثر، فقد شنت قوات الحرس انتقامًا لرجالها، ففي يومي التاسع عشر والعشرين من نفس الشهر، وقعت اشتباكات دامية لحملة المداهمات والاعتقالات للدراويش المُتصوفة والتي عُدّت الأكبر على الإطلاق، والأشد قمعًا كذلك، فقد اعتُقُل قرابة 300 درويش من الكناباديين.
اشتد الأمر وحلقة الصراع، عندما قرّر النظام إلقاء القبض على نور علي تابنده، قُطب الطريقة، مما أحدث مواجهات بين الطرفين، في محاولةٍ من الدراويش في الدفاع عن زعيمهم، وقد اجتمعوا أمام منزله لمنع اعتقاله، شرقي طهران، ولم يكن هذا هو السبب الوحيد فقد كان الدراويش يشتعلون غضبًا من القرار القضائي، الذي صدر على خلفية إحراق عدد من المساجد والحسينيات خلال التظاهرات التي خرجت في عدة مناطق من إيران في يناير / كانون الثاني هذا العام، واتهام الدراويش بالتحريض على ذلك.
وقد كان تابنده بدأ يأخذ منحىً مُعارِضًا لسياسات النظام، ولم يلق حُظوةً لدى تظام الثورة الناشئ، فقد نقل موقع العربي الجديد في تقريره، أن تابنده كان عضوًا في جمعية الدفاع عن حرية واستقلال الشعب الإيراني، وقد كتب مقالاتٍ نقدية عديدة في هذا الصدد، مع تراجع نشاطه لتقدم عمره مؤخرًا.
كما ظل مُقرَّبًا من القوى الوطنية الدينية؛ وكانت تعد مجموعة محسوبة على اليسار المتدين، وذات منطلقات ديمقراطية اجتماعية، بالإضافة إلى علاقاته الجيدة مع حركة تحرير إيران، والتي كان زعيمها وزير الخارجية الأسبق إبراهيم يزدي، الذي استقال من منصبه على خلفية أزمة الرهائن الأميركيين في طهران، في مطلع الثمانينات من القرن الماضي.
كما كان تابنده أحد الموقِّعين على الرسالة المعروفة بــ”رسالة التسعين توقيعًا”، والتي وُجِّهت لهاشمي أكبر رافسنجاني حين كان رئيسًا لإيران، وكانت الرسالة مُضمَّنةٌ بانتقاداتٍ للوضع الاقتصادي والاجتماعي والحريات في البلاد، ما تسبب بسجنه تسعة أشهر.
بل وصل انتقاد تابنده إلى مرحلةٍ يحجم الجميع عنها، وهي الاعتراض على النظام الملالي الديني الحاكم في البلاد، وقدّم نقدًا كبيرًا لنظرية ولاية الفقيه والمثالب التي تُحيِطُ به وتجتاحه.
شجاعةٌ كان لا بُد لتابنده أن يدفع ثمنها، وهي نتيجة مُشابِهة لما يعانيه كُلٌ من كروبي، وموسوي، ففي الثامن من آذار / مارس الماضي وُضِع نور علي تابنده، العجوز التسعيني قيد الإقامة الجبرية، وقد نشر بنفسه مقطع فيديو مَفاده أنه لم يُصبح من القُدرة بمكان على مغادرة مسكنه في طهران.
على أساس العنصرية
شهدت الشهور الثلاثة الأُول من هذا العام، يناير / كانون الثاني، وفبراير / شباط، ومارس / آذار تصاعُدًا في الصراع الدائر بين الدراويش الذين بات من الجلي أنهم دخلوا وانخرطوا في المعترك السياسي، وقواعد السياسة تقتضي القبول بأي شيء، وأنه لا مكسب أو خسارة دائمتين، وأنك إذا لم يكُن لديك من القوة بمكان ما يُؤهِّلك كفصيلٍ سياسيّ للدخول مع النظام الحاكم في حربٍ مفتوحة ومناوشته وإيذائه والتمكُن من تحقيق انتصاراتٍ تضعه في صُورةٍ محرجة ومنبوذة، فأنت عُرضةً للفتك وأن تتحمل العذاب وأنت صامت.
وهذا ما حدث مع الدراويش الكناباديين والذين انتقلوا بصُورةٍ واضحة من المعسكر الديني الروحاني والمُكث في المساجد والإجابة عن الأسئلة الوُجودية، إلى العمل في السياسة عندما انخرطوا في تدعيم كروبي المغضوب عليه من قِبل النظام في الانتخابات الرئاسية، عام 2009، ومن قبل ذلك عندما أصبحوا فصيلًا يحتوي ويدافع عن المنبوذين في الجمهورية ويُشكِّلون عبر قطبهم تابنده دفاعًا قانونيًا في المحاكم الإيرانية عن حقوقهم، ولرفع الانتهاكات والمظالم التي أحاقت بهم؛ استنادًا إلى الرؤسية العقدية للطريقة الصُوفية الشيعية.
تعرض معتنقو الطريقة لمعاملةٍ عنصريةٍ، وقد تمكن النظام من توجيه أكبر كم من الضربات لهم والتنكيل بهم وبطريقتهم وبالبُنية الهيكلية لهم على إثر هذا التصنيف، فالجماعة التي عُدّت أقلية تعرضت في الشهور الثلاثة الأُول من عام 2018، لحالةٍ واسعة من القمع والانتهاكات.
فقد زچت السُلطات الإيرانية بالمئات من دراويش كنابادي في المعتقلت والسجون خاصةً إيفين، وفاشافويه، وقرتشك، في طهران، ولم تستثن منهم عجوزًا أو امرأة، فقد اعتقلت الشرطة 60 امرأة في حملة الاعتقالات الأخيرة، كما أن الانتهاكات في السجون لا تُخفَى سِرًا، ويتعرض العديد من مُريِدي الطريقة لإهاناتٍ وعمليات تعذيب وانتهاكات داخل السجون.
وليس أدل من ذلك على وفاة أحد المتظاهرين الموقوفين المحسوبين على الطريقة في ظروفٍ مجهولة ؛ وقد كانت الحالة خاصة بمواطنٍ يُدعى محمد راجي، والذي توفى في 4 مارس/ آذار الماضي، وقد رفضت السلطات إبداء أي أسباب للوفاة، وهددت أسرته بالتنكيل إذا تحدثت عن الأمر علنًا في المنظمات الحقوقية أو الإعلام.
ومؤخرًا أصدرت محكمة طهران أحكامًا ضد 258 عضوًا من الجماعة، بالإضافة إلى العشرة دراويش السابقين الذين قد حُكم عليهم في وقتٍ سابق بالسجن 69 عامًا، و 444 جلدة، لعملهم في موقعٍ إلكترونيّ تابع للجماعة.
وقد أشارت منظمة هيون رايتس ووتش بالتعاون مع مركز حقوق الإنسان في إيران، في أكثر من تقرير حجم المعاناة التي يتلقاها مُتبِعو الطريقة في الآونة الأخيرة:
- بدايةً من تظاهرات الرابع من يناير / كانون الثاني الماضي، عندما كانت المظاهرات ما زالت في طورها الأول، في شارع غولستان هفتوم، في حي باسدران، شماليّ طهران، حيث ظن المتظاهرون أن عناصر من المخابرات يتظاهرون ببناء كشك فيما هم يراقبون مسكن قائدهم نور علي تابنده.
- ثم الرابع من فبراير / شباط، حيث ظهر في الحيّ عناصر أمنٍ في ثيابٍ مدنية، ما خلّف مصادماتٍ محدودة مع بعض أتباع طريقة الدراويش، وتدخلت الشرطة. في اليوم التالي (الخامس من فبراير)، وقد قال رحيمي، رئيس شرطة طهران آنذاك، أنه لا خطة هنالك لمواجهة الدراويش.
- ثم أحداث التاسع عشر، والعشرين من شهر فبراير، والتي أشرنا إليها بصُورةٍ أكثر تعمُقًا في الجزء الماضي، عقب استجواب الشرطة لــــ”نعمة الله رياهي”، الرجل السبعيني من مدينة شهر كرد، وكان استجوابه لاعتقاده الديني الصوفي، ولكن السُلطات كذبت الرواية وأن عملية استجواب رياهي كانت لمحاولة سرقة سيارة. ولكن هذا لم يُجدي فقد اندفع الدراويش أمام مركز شرطة 102 في حي باسدران احتجاجًا على احتجاز رياهي، ثم جاءت الشرطة بعد ساعات، ووقعت مصادماتٍ عنيفة.
- انتهاءً باعتقال محمد سلاس أحد أعضاء الطريقة، وتنفيذ حكم الإعدام فيه في سُرعةٍ غير مسبوقة، وقد شملت عملية محاكمته وإدلاءه بالاعتراف مجموعة هائلة من الانتهاكات، بدايةً من إجباره على الاعتراف بقتل ضباط الشرطة تحت ضغط التعذيب والسلاح، بالإضافة إلى تسريع عملية محاكمته للفصل في قضيته بسُرعةٍ، والتنكيل بمعنويات الدراويش وإثنائهم عن الدخول في تحادُدٍ أو مقارعةٍ مع النظام. وقد زادت السُلطات من الانتهاكات بيتًا جديدًا حينما سُمح لعائلته بدفن جثته في مقبرة بروجرد في إقليم لورستان، غرب إيران، دون أن يُسمَح لأبنائه برؤية جثمانه، بالإضافة إلى الوجود الأمني المكثف آنذاك.
التأطير
هُناك نظرةٌ من النظام الإيراني إلى أن جماعة الدراويش عقب زخمها العددي، ومرونة مذهبها، انخرطت في العمل السياسي وأصبح لها نُفوذًا على الأرض وكلمة مسموعة، ومن ثمَّ فمن الممكن أن تُصبِح لهذه الجماعة “ذراعٌ عسكرية” تبطش بها، وهذا هو أعظم مخاوف النظام الإيراني من الطريقة.
فنظام الملالي لن يقبل بأي شكل من الأشكال إعادة استنساخ جماعة الحرس الثوري، أو القُبُول بأية جماعاتٍ وسيطة من الممكن أن تُهدِّد نفوذه وسيطرته على البلاد.
فقد شهدت الأشهر الأخيرة تقارير إعلامية وأمنية صادرة من الحرس الثوري الإيراني وأذرعه الإعلامية بأن نور علي تابنده في طريقة لــــــــ”عسكرة” الطريقة الصوفية، وقد نشرت وكالة تسنيم الذراع الإعلامية لمؤسسة الحرس الثورى تقريرًا قالت فى افتتاحيته: “تدل التّحركات الأخيرة التى قام بها مناصرو نور على تابنده، أن هذه المجموعة قد تحوّلت من مجموعة متصوّفة إلى مجموعة سياسية وحتى إلى مجموعة مسلّحة”.
مضيفةً: “بنظرة إلى تاريخ هذه الفرقة التى قامت بأعمال عنف خلال الأيام الماضية فى العاصمة الإيرانية طهران لأصبح بالإمكان القول إنّه لا يُمكن حسابهم على أساس أنّهم مجموعة درويشية وصوفية، فاليوم هذه المجموعة قد تحوّلت إلى مجموعة سياسية ومسلّحة إلى حدّ ما”.
ومن ثمَّ فكان النظام قد عقد عزمه على اتخاذ قرارًا بمعاملة الطريقة في صُورةٍ مؤطَّرة ومُؤدلجة للتمكن من العسف والتنكيل بها وتوهين زخمها في أعين المبهورين بها.
وقد حشد النظام في سبيل ذلك كافة أجهزة ومسؤولي الجمهورية لتحقيق ذلك الهدف، ابتداءً من الرئيس الإيراني نفسه، حسن روحاني، الذي عبر عن غضبه من “الإهانة” و”العنف” اللذين زعم أن قوات الشرطة تعرضت لهما خلال الاشتباكات الدامية في شهر فبراير مع الدراويش.
مرورًا بمطالبة وزير الداخلية، عبد الرضا رحماني، مليشيات الحرس الثوري والباسيج بمزيد من العنف تجاه أية احتجاجات مماثلة.
وأيضًا تصريح المرجع الديني للنظام في مدينة قُم، آية الله ناصر مكارم شيرازي، خلال إحدى دروس الفقه خاصته، أن تصرفات جماعة دراويش كنابادي الصوفية تُماثِل تصرفات “الدواعش”، وأنهم يعتقدون بالتوحيد المزيف، إذ يُكفِّرون ويحلون سفك الدماء.
مضيفًا أنه يأسف لما فعلته الجماعة خلال تطورات الاشتباكات في طهران، من قتل عناصر الشرطة وتخريب وإحراق الممتلكات العامة، وأنه يأمل أن ينالوا عقابهم سريعًا. وقذفهم في تصوفهم الذي قال عنه أنه تصوف مزيف يُقحِم نفسه في شؤون عقائدية واجتماعية وأخلاقية خطيرة.
المتحدث باسم هيئة رئاسة البرلمان الإيراني هو الآخر، بهروز نعمتي ، صرح أن هناك بصمات لجهاتٍ أجنبية تدخلت في أحداث شارع باسداران، وقال إن الاشتباكات مع الجماعة لا ترتبط بمثيلتها، حين احتجت الجماعة على اعتقال أحد أفرادها.
بالإضافة إلى ما طالبه عدد من الأئمة في صلاة الجمعة إبان مصادمات فبراير/شباط بالتعامل بحزمٍ مع أتباع طريقة كنابادي. حتى أن الإمام بمدينة مشهد الدينية في خطبة الجمعة، آية الله سيد أحمد علم الهدى، صرح قائلًا أن الدراويش “جماعة مارقة” تقودها المملكة المتحدة.
كما أن رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني ، قدم للبرلمان آنذاك، تقريرًا عن الاضطرابات التي حدثت، والإجراءات التي اتخذها الأمن وجهاز المخابرات بشأنها، لمناقشة تلك الأحداث وتوضيح تفاصيل مجرياتها للرأي العام.
رؤية تحليلية
نهايةً، فجماعة دراويش كناباد انضمت لأسلافها من الفئات والعرقيات والإثنيات والأيديولوچيات المقموعة والمُنكَّل بها وبحقوقها في الجمهورية التي تُزِد من حجم مشاكلها جراء صنيعة يديها.
وقد قالت مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، سارة ليا ويتسن: “السلطات القضائية والأمنية الإيرانية في حالة هيجان، فهي تقمع الاحتجاجات التي تنفذها جماعات مختلفة، مثل المجموعات التي تُعنى بالظروف الاقتصادية، والنساء اللائي مللن من قوانين الزي الإجباري، وها هي اليوم تقمع أقلية دينية. سحق المعارضة بدلًا من التشجيع على الحوار هي سمة أساسية من سمات القمع”.
فلقد عبرت ويتسن عن الحالة التي يُفرِضها النظام على شعبه، لاسيما جماعات الأقلية منه، وهي حالة القمع العفوي والتنكيل، فهو قمعٌ من أجل القمع وتطبيق نظامٍ صارمٍ على القوى البشرية التي في يديها إخراج الجمهورية من كبوتها السياسية والاقتصادية، ولكن بهذا الشكل فالنظام أصبح يُبدِع ويتفنن في تحييد شعبه عن مساعدته، بل على العكس من ذلك سيتمنون الخلاص منه والوقوف والانخراط في صفوف المعارضة.
يرى النظام الإيراني بقيادة خامنئي أن تقديم رؤية دينية غير التي تتخذها الدولة طريقًا المُمثَّلة في ولاية الفقيه، هو ما يُعد خيانة يستحق المعاقبة عليها، فنظام الملالي لا يؤمن بمنظورٍ تفسيريّ للدين غير الذي أتي به ووضعه، ومن ثمّ فتقديم أية رؤية أُخرى يُعد انشقاق وتمرُد على الدولة.
وليس هذا فقط بل أيضًا يُعطينا هذا القمع المُوجَّه من قِبل النظام الإيراني لجماعة الكناباديين رسالةً بأنه حتى إدراج الدين في السياسة وخلطهما ببعضهما البعض، هو حِكرٌ على النظام الإيراني وهو المُتحكِم في هذا الشأن، فليس لأية جماعة كائنة من كانت أن تقُم بهذا على غير المُراَد الذي يقصده النظام.
وختامًا فجماعة دراويش كناباد شكّلت متنفسًا لقطاعٍ ليس ببسيط من الجماهير لا سيما الشباب منهم، لتقديمها رؤيةٍ وسيطة معتدلة تتجافى منطق الملالي الذي يتسم بالحِدة والتصادم، ومن ثمَّ فمن الممكن أن تسحب هذه الجماعة البساط أسفل النظام، الذي سيجد نفسه مُحلِّقًا في لحظاتٍ معدودة ثم لن يلبث حتى تندك عنقه، وهذا ما لن يسمح به النظام.
ولكن مستقبلًا، ستُجيِب الجماعة عن الاستفسار القائم حاليًّا هل يمكنها العودة مجددًا عقب كل هذه الضربات التي لحقت بها، أم أصبحت جماعة دراويش كناباد صفحة مطوية في كتاب المُستضعَفين في طهران؟.
المصادر