لقد كان تغيير النظام في إيران رغبة مُقنّعة، بدرجاتٍ متفاوتة من قبل كل الإدارة الأمريكية تقريبًا منذ الثورة الإيرانية عام 1979.
ويمارس اليوم مسؤولو إدارة ترامب مثل جون بولتون، مستشار الأمن القومي الذي طالب بتغيير النظام قبل الانضمام إلى البيت الأبيض، أقصى ضغط على إيران من أجل زعزعة استقرارها.
ومنذ الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، تحركت أمريكا لإعادة فرض العقوبات على البلاد، وطالبت مشتري النفط الإيراني بتقليل وارداتهم إلى الصفر خلال الأشهر الأربعة المقبلة.
ومع انخفاض الريال الإيراني إلى مستويات قياسية، يبدو أن الضغط الاقتصادي على النظام في أعلى مستوياته، حيث دعا البعض أمريكا للاستفادة من هذه الأزمة لتغيير النظام السياسي في إيران.
وفي خطاب ألقاه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في 21 مايو حول استراتيجية للضغط على النظام، دعا الشعب الإيراني إلى “تحديد الجدول الزمني” لتغيير القيادة.
وبعد شهر واحد، مع هاشتاج #متظاهرين_إيران، أعرب بومبيو عن تأييده لشعب “تعب من الفساد والظلم وعدم كفاءة قادتهم”.
ومع ذلك، فإن النظام الإيراني ليس هشًا كما هو متصور، وحتى لو دفع الضغط على النظام لإحداث تغيير، فإن فريق ترامب يجب أن يكون حذرًا فيما يرغب فيه.
رغم اضطراب الأزمنة، فإن النظام الإيراني ليس على حافة الانهيار.
وهناك عاملان على وجه الخصوص يشيران إلى متانة القيادة الحالية:
أولًا: على مدى العقود الأربعة الماضية، أثبت النظام قدرته على البقاء في مواجهة العقوبات المتزايدة، وعلى الرغم من قوة العقوبات الثانوية الأمريكية التي تستهدف صادرات النفط الإيرانية، والتجارة الدولية، والمعاملات المالية، فمن غير المرجح أن تكون هذه التدابير فعالة مثل تلك المطبقة قبل الاتفاق النووي، لأن المجتمع الدولي لم يعد موحدًا ضد إيران.
وتعِد أوروبا بإيجاد طرق لتقويض العقوبات الثانوية، وفرض أنظمة من أجل الاستمرار في شراء النفط من إيران وحماية تجارتها، وتدرس الصين زيادة مشترياتها النفطية من إيران، وحتى لو انسحبت الشركات من البلاد، فإن العقوبات لن يكون لها نفس الأثر عندما تسعى الأطراف الأخرى بنشاط للحد منها.
وتجدر الإشارة إلى أن إيران لم تتخلى عن جهودها المحلية لتخصيب اليورانيوم حتى في ذروة العقوبات قبل الاتفاق النووي لعام 2015، وقد أضر ما يسمى بالعقوبات المعيقة لعام 2012 بصادرات إيران من النفط وصناعة السيارات، والأهم من ذلك كله، أنها همشت البلد من النظام المالي العالمي، مما تسبب في أضرار اقتصادية محلية خطيرة، ولكنها فشلت في إجبار طهران على التخلي عن برنامجها النووي.
وقد نجا النظام الإيراني من العقوبات والعزلة في الماضي من خلال إيجاد حلول بديلة والاعتماد على مرونة شعبه في التكيف مع الصعوبات الاقتصادية، ومن غير المرجح أن تكون هذه الجولة من العقوبات أسوأ مما تحملته إيران بالفعل.
ثانيًا: في حين أن الاحتجاجات اندلعت على مدى الأشهر الماضية في ديسمبر 2017، ومرة أخرى في الآونة الأخيرة بسبب ندرة المياه وسوء الاقتصاد، فإنها تعكس السخط العام على نطاق واسع بشأن الاقتصاد والفساد وسوء إدارة الموارد، وليس من تنظيم معارضة قادرة على قلب النظام.
ومن المهم أن نتذكر بعض العوامل الرئيسية التي أدت إلى ثورة 1979، التي لا يوجد منها اليوم، باستثناء الاستياء الاقتصادي.
فقد حدثت ثورة 1979 بعد عقود من المعارضة المنظمة للشاه محمد رضا بهلوي، وعلاوة على ذلك، كان هناك شخصية قيادية قوية هي روح الله الخميني، فلأكثر من 15 سنة قبل الثورة، حافظ الخميني على صوت منظم ومؤثر في التعبير عن معارضته الشاه من خلال توزيع بيانات مكتوبة وخطب مسجلة، بما في ذلك محاضرات عن الحكم، وخطة للجمهورية الإسلامية، ودعوته المستمرة لأنصاره “بالنهوض” ضد الملكية.
وظهرت نتيجة لذلك شبكة وطنية من الجماعات الدينية في جميع أنحاء إيران، التي خلقت انتفاضة قوية ضد الشاه، بدعم من المؤسسات القوية مثل سوق البازار الكبير في طهران.
وحتى لو أدى الاضطراب الحالي إلى انهيار النظام (وهو أمر بعيد الاحتمال)، فإن نوع القوى التي يأمل بولتون ورودي جولياني وبعض الآخرين برؤيتها في السلطة مثل جماعة مجاهدي خلق، فهي الأقل احتمالًا لتولي دفة القيادة.
لا تملك منظمة مجاهدي خلق المنفية، الدعم الداخلي من الإيرانيين.
وليس لدى منظمة مجاهدي خلق أي دعم داخل إيران، بل ينظر إلى أعضائها في الواقع على أنهم خونة بسبب تعاونهم مع صدام حسين أثناء الحرب الإيرانية العراقية، وبسبب العمليات الإرهابية للجماعة في إيران خلال الثمانينيات.
إن الجزء العلماني من سكان إيران، وجيل الشباب على وجه الخصوص، الذين ينتقدون النظام، يعتبرون منظمة مجاهدي خلق أكثر تطرفًا من آيات الله، وهكذا، وعلى الرغم من الدعم الأجنبي، فإن قوى المعارضة المزعومة التي أشاد بها صقور الولايات المتحدة لم تكن فعالة في جمع أي دعم داخل البلاد حتى يمكن اعتبارها خيارًا قابلًا ليحل محل النظام.
وأحد المسارات الممكنة هو النزول إلى حرب أهلية صريحة، قد تكون كارثية ليس فقط لإيران، بل من أجل استقرار إقليمي أوسع.
وتعد المستنقعات الحالية في العراق وأفغانستان وسوريا، أمثلة على أسوأ السيناريوهات بالنسبة للغرب، وبالنسبة للشعب الإيراني، فإن الخوف من الانزلاق إلى عدم الاستقرار والحرب كما فعل جيرانهم، هو عامل حاسم في كبح أعمالهم ضد الحكومة.
لقد عانى الإيرانيون الثورة من قبل، وأعقبتها ثماني سنوات من الحرب، وهذه التجربة ما زالت جديدة في أذهان كثير من الناس، ولا شك أن المصاعب الاقتصادية التي يواجهونها صعبة، ولكن إذا كان البديل هو الفوضى المطلقة في سوريا أو العراق، فإن الإيرانيين سيختارون السلامة والأمن والنظام.
أما النتيجة الثانية والمرجحة لانهيار النظام، فستكون الاستيلاء العسكري على السلطة باسم استعادة النظام، والمرشح الأكثر احتمالًا لقيادة مثل هذا الانقلاب هو الرجل الذي يخشاه صقور أمريكا، اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي المسؤول عن القوات الأجنبية والعمليات الخاصة.
وكان سليماني العقل المدبر وراء العمليات العسكرية الإيرانية في العراق ولبنان وسوريا، وقاد جميع العمليات في حشد القوات الشيعية من لبنان والعراق لدعم قوات الرئيس السوري بشار الأسد، وينظر إليه على أنه تهديد من قبل حلفاء أمريكا مثل المملكة العربية السعودية وإسرائيل.
يعد سليماني الخليفة الأكثر احتمالًا، لأنه ينظر إليه على نحو متزايد كبطل إيراني لدوره في محاربة الدولة الإسلامية في كل من سوريا والعراق.
وبالفعل، فإنه يعتبر “واحدًا من أكبر الشخصيات الإيرانية.” وقد وصفه آية الله علي خامنئي، القائد الأعلى في إيران، بأنه “شهيدًا حيًا للثورة”، ووفقًا لاستطلاعات الرأي الأخيرة، فإن 65٪ من الإيرانيين ينظرون إلى سليماني بشكل إيجابي للغاية.
وعلاوة على ذلك، فلديه السلطة التشريعية للتدخل لاستعاده النظام؛ فالحرس الثوري مفوض لحماية النظام الثوري من التهديدات الداخلية والخارجية، وإذا تصاعدت الانتفاضات، فان سليماني لديه السلطة القانونية والعملية للتصدي للاضطرابات المدنية، وحتى لو لم يتول سليماني السلطة رسميًا، فانه سيصبح القائد وصانع القرار بحكم الواقع.
وفي ظل هذه الظروف، حتى لو نجحت السياسة الأمريكية التي تسعي إلى ممارسة أقصي قدر من الضغط علي إيران، يمكن أن تحقق أسوأ كابوس في أميركا وإسرائيل، ويجب أن تتوقف إدارة ترامب قبل أن تشجع عدم الاستقرار والفوضى، وأن تنظر بعناية لما سياتي غدًا، قد يثبت النظام الإيراني المقبل أنه صداع أكبر بالنسبة لواشنطن من اليوم الحالي.