قبل بضعة أسابيع، اقترحتُ اتجاهين مختلفين سيؤثران على سوق النفط في السنوات القليلة المقبلة: فوضى فنزويلا حيث يستمر الإنتاج في الانخفاض، ونجاح صناعة النفط الصخري الأمريكي في تكساس وداكوتا الشمالية حيث من المقرر أن ينمو الإنتاج بسرعة.
وسارع عدد من القراء إلى الإشارة إلى أن هناك احتمالية ثالثة، وهي إمكانية قيام تمرد في إيران ضد الثورة الإسلامية ونظام الملالي.
وحتى وقت قريب جدًا، بدا مثل هذا التمرد غير وارد، وكان النظام راسخًا وقادرًا على النجاة بعد فرض أي عقوبات أمريكية جديدة، وقد تنخفض صادرات النفط والعائدات أكثر بسبب الخصم الضروري لإجراء تجارة غير قانونية.
ومع ذلك يبدو أن الاحتمالات قد تغيرت، وهناك على الأقل اثنتين من شركات النفط الكبرى تضعان إيران في قائمة المراقبة الحرجة، هذا هو السبب الأول في تأثير الصراع الأهلي على الإمدادات، والسبب الثاني الذي لا يقل أهمية، أن إيران هي واحدة من المناطق القليلة جدًا في العالم حيث تترسخ الصناعة لوفرة موارد كثيرة منخفضة التكلفة حيث يمكن العثور على النفط والغاز وتطويرهم.
رسميًا، تملك إيران حوالي 150 مليار برميل من احتياطي النفط المؤكد، و1180 طن متري من الغاز الطبيعي، ولكن هناك العديد من المجالات التي لم يتم استكشافها بعد، ويمكن أن تكون كميات الموارد القابلة للاسترداد أعلى بكثير.
قبل أربعين سنة من هذا الصيف، كنت أراقب المظاهرات التي غزت شوارع إيران، ولا أتذكر أنني قابلت أحدًا ظن أنه في غضون أشهر سيزول الشاه، ويأتي روح الله الخميني من باريس، الغير معروف خارج إيران، للاستيلاء على السلطة.
نادرًا ما تكرر الأحداث نفسها، ولكن عدم الاستقرار في الشوارع، الناجم عن انهيار الاقتصاد وارتفاع التضخم، أصبح الآن واضحًا. وفي الأسابيع القليلة الماضية، بدأ تجار من طهران ومن أماكن أخرى بالانضمام إلى الاحتجاجات العامة.
النظام قاسٍ ومخيف، ولكن كما يؤكد أي شخص في طهران مؤخرًا، فإن التقيد بالمعايير الدينية المتشددة للنظام ضئيل للغاية، ويمكن الوصول إلى وسائل الإعلام الدولية، ويتم تجاهل حظر التجول على نطاق واسع، ويتوافر الكحول بسهولة.
ويتغاضى آيات الله عن معظم هذا بحكمة، لكنهم لا يستطيعون تجاهل ضعف الاقتصاد، الذي أصبح حادًا.
وبلغ التضخم الآن رسميًا نسبة 22%، ولكنه في الواقع قد يكون أعلى من ذلك بكثير، ويقال إن البطالة بشكل غير رسمي تبلغ أكثر من 35%، مع معدل أعلى بين جيل الشباب، وانخفضت قيمة الريال إلى النصف خلال العام الماضي وانخفض الاستثمار الدولي، قد لا ترغب الشركات الغربية في تأكيد سلطة أمريكا خارج الحدود الإقليمية على العقوبات، لكن محامييها لن يسمحوا لهم بتجاهل المخاطر.
وفي قطاع النفط، توقف النمو في الإنتاج الذي شوهد بعد توقيع الاتفاق النووي، وقد بلغ إنتاج النفط في الشهور الأخيرة 3.8 مليون برميل في اليوم.
وقد تؤدي العقوبات الإضافية المفروضة على إيران إلى خفض الصادرات بما يصل إلى مليون برميل يوميًا، أي أقل من ثلث حجم صادرات إيران الحالية، وإن كان الكثير سيتوقف على كيفية استجابة المشترين الآسيويين على وجه الخصوص للعقوبات الأمريكية.
وبما أن صادرات النفط تمثل أكثر من 50% من عائدات الصادرات الإيرانية، فإن ذلك يمثل خسارة فادحة، وربما يكفي لإجبار حكومة ضعيفة على التفاوض.
السؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي يريده الرئيس الأمريكي؟ هل يريد اتفاقية جديدة حول تطوير الطاقة النووية؟ أم أن هدفه الحقيقي هو تغيير النظام؟
ومما لا شك فيه أن تحقيق السؤال الأول ممكن، والثاني يبدو أقرب إلى الحقيقة ويمكن أن يثير صراعًا مفتوحًا داخل البلاد.
كل هذا يوحي برحلة وعرة لسوق النفط، وسيضع فقدان الإمدادات ضغطًا هائلًا على السعوديين لزيادة الإنتاج لمواجهة أي نقص.
استشهادًا بالتاريخ، لا تستمر فترات عدم الاستقرار المكثفة هذه طويلًا، فمن مصلحة إيران أن تنتج وتبيع أكبر قدر ممكن من النفط.
قبل أربعين سنة، أدت الثورة في إيران إلى ارتفاع أسعار النفط بأسعار اليوم، من 56 دولار للبرميل في يوليو 1978 إلى أكثر من 100 دولار في ديسمبر 1979, لكن تلك الزيادة استمرت أقل من عامين قبل استعادة الإنتاج وبدأت الأسعار في الانخفاض لفترة طويلة.
ومن المحتمل أن يكون عدم الاستقرار الحالي في إيران سببًا لانخفاض سعر النفط، ولكن إذا تدهور الوضع، فلا شك أن الأسعار سترتفع إلى الأعلى، وعلى المستثمرين أن يفكروا لوهلة بشأن ذلك.
ومن شأن تغيير النظام في طهران أن يفتح الباب أمام تجدد الاستثمارات وأمام كميات كبيرة من الصادرات الإضافية بمرور الوقت، فالتقلبات والمضاربة لا تتحرك في اتجاه واحد لفترة طويلة.