بعد مرور ثلاث سنوات على توقيع طهران لخطة العمل الشاملة المشتركة -الاتفاق النووي الإيراني- مع الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإن بقاء الاتفاق الذي تم التوصل إليه بشق الأنفس، يظل موضع تساؤل بعد انسحاب أمريكا في شهر مايو.
وبموجب الاتفاقية الموقعة في العاصمة النمساوية فيينا يوم 14 يونيو 2015، خفضت إيران مخزونها من اليورانيوم وقلصت برنامج التخصيب للحد الأدنى الذي يسمح ببناء سلاح نووي، ووافقت أيضا بشكل دائم على إخطار مفتشي الأمم المتحدة عندما تبني منشأة نووية جديدة.
وفي المقابل، تم رفع العقوبات التي وافقت عليها الأمم المتحدة في يناير 2016، وسمح لطهران باستئناف تداول النفط والغاز في السوق الدولية، كما تم الإفراج عن 100 مليار دولار من الأصول الإيرانية المجمدة.
وكأحد الموقعين الأصليين على الاتفاق، تعهدت أمريكا أثناء حكم الرئيس السابق باراك أوباما، بالتنازل عن العقوبات الأمريكية الثانوية طالما استمرت إيران في الالتزام بالاتفاق.
مما سمح لإيران بكسب ما يقدر بمبلغ 41 مليار دولار من عائدات النفط في العام المالي 2016 المنتهي في مارس 2017، و50 مليار دولار إضافية في السنة المالية التالية التي انتهت في مارس 2018.
وفقاً لآخر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتاريخ 24 مايو 2018، تواصل إيران الالتزام بالقواعد المنصوص عليها في الاتفاق متعدد الأطراف.
لكن دونالد ترامب الذي خلف اوباما، انسحب من الصفقة في 8 مايو، قائلًا إنها ناقصة وانحيازية.
ومنذ ذلك الحين، فرضت واشنطن سلسلة من العقوبات الإضافية على الكيانات الإيرانية، وكذلك الشركات الأجنبية في إيران، مما أدى إلى الضغط على البلاد اقتصاديًا وإثارة غضب قادتها.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قالت الولايات المتحدة إنها ستمارس “أقصى ضغط اقتصادي ودبلوماسي” على الدول الأخرى لوقف شراء النفط الخام من إيران.
وعقب زيارة سفيرة الولايات المتحدة نيكي هالي إلى الهند في الشهر الماضي، طلبت نيودلهي من مصافيها الاستعداد لتقليص الواردات نفطية من إيران ابتداءً من نوفمبر، عندما يعاد فرض العقوبات الأمريكية على النفط.
تحدي طهران
وقد ترك قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من الاتفاق إيران في مأزق: البقاء في الاتفاق وسط العقوبات الاقتصادية الوشيكة أو استئناف التخصيب النووي؟
وقد أعرب كل من المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي والرئيس حسن روحاني عن تحدّيهم، قائلين إن طهران لن تنحني أبداً للمطالب الأمريكية مثل إنهاء برنامج الصواريخ البالستية للبلاد وسحب قواتها من سوريا، من أجل التوصل إلى اتفاق جديد.
وأصرت إيران على أن لديها الحق في الدفاع عن نفسها باستخدام الصواريخ الباليستية.
يوم الجمعة، قال كبير مستشاري خامنئي للسياسة الخارجية، علي أكبر ولايتي، إن إيران لن تغادر سوريا إلا بناء على طلب دمشق وليس بسبب إسرائيل والضغوط الأمريكية.
وفي خضم الجهود التي تقودها الولايات المتحدة ضد إيران، لا تزال هناك دلائل على أن طهران تريد إبقاء الاتفاق النووي على قيد الحياة، ولكن للقيام ذلك، طالبت إيران بأن تطبق أوروبا ضمانات اقتصادية قبل أن تعود العقوبات الأمريكية بين شهري أغسطس ونوفمبر القادمين.
وقال محمد ماراندي، المتخصص في الدراسات الأمريكية بجامعة طهران، إن قرار إيران بالبقاء في الصفقة قد يتوقف على “الإجراءات العملية” التي سيتخذها الأوروبيون، وفي مقدمتها استمرار شراء النفط الإيراني.
وقال للجزيرة: “الشيء المهم هو التنفيذ، وإلا فإن الدعم اللفظي للاتفاق ليس كافيًا”.
وقال ماراندي إنه على الرغم من أن الكثيرين في إيران شعروا بأن بلادهم تخلت عن الاتفاق النووي، إلّا أنهم اتفقوا على أنه “ما إن تتعهد إيران بشيء ما، فعليها الالتزام به”.
بالنسبة لآرش عزيزي، المعلق السياسي وطالب الدكتوراه في علم التاريخ بجامعة نيويورك، “الصفقة كما نعرفها ماتت بالفعل، وإذا كان هناك فرصة لمساعدة إيران حقًا، فيمكن لأوروبا والموقعين المتبقيين أن يظلوا في الاتفاق النووي”.
وأضاف لقناة الجزيرة: “إيران مترددة تمامًا في ترك الصفقة، والحقيقة أنها لا تملك الكثير من الخيارات”.
الاستعداد لتأثير العقوبات الأمريكية
إلّا أن عزيزي أشار أيضًا إلى أنه لا يوجد الكثير من “التنازلات الهادفة” التي يستطيع الأوروبيون تقديمها لإيران، إلا إذا كانوا قادرين على الحصول على تنازلات من الولايات المتحدة.
وأضاف بأنهم ليس لديهم حتى موقفًا موحدًا بشأن إيران حيث تضغط فرنسا بالفعل على طهران لوقف كل الحديث عن تجديد الأنشطة النووية.
وفي السادس من يوليو، نقلت إذاعة فرنسية عن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان قوله إن إيران يجب أن “توقف التهديدات” بالانسحاب من الاتفاق.
وقال معلق سياسي آخر أنه “ليس متفائلًا للغاية” بأن الولايات المتحدة وإيران ستشتركان في محادثات ثنائية لإنقاذ الصفقة النووية.
وقال ماراندي إنه ما لم تقرر الولايات المتحدة العودة إلى خطة العمل المشتركة والتزامها الكامل بالاتفاق النووي، فليس هناك احتمال بأن تتحدث إيران مع الولايات المتحدة.
واعترف ماراندي أنه بمجرد عودة العقوبات الأمريكية في وقت لاحق من هذا العام، ستواجه إيران “فترة من الصعوبات”.
وأضاف ماراندي: “ما يحاول الأمريكيون فعله هو محاولة رفع معاناة الشعب الإيراني لدرجة تجعله ينحني للولايات المتحدة، ولكنهم سيتكيفون في نهاية المطاف وسيثبتون أن الولايات المتحدة لم تعد تملك القوة، خاصة تحت حكم ترامب، فكل ما تبقى لأمريكا هو التسلح بالدولار والمؤسسات المالية، والإيرانيون مصممون على التأكد من أن أمريكا ستفشل”.