نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» تقريرا للصحافي سون إنغل راسموسين، يقول فيه إن الرئيس الإيراني حسن روحاني قضى معظم وقته في الرئاسة يعارك الجيش الإيراني والمؤسسة المحافظة، في الوقت الذي أقام فيه روابط دبلوماسية مع الغرب؛ لكسر العزلة الدولية التي تعاني منها إيران.
ويستدرك التقرير، بأن روحاني الآن، وبعد أن أصبح استمراره في الرئاسة مسألة مشكوكا فيها، فإنه بات يتحدث مثل أحد المتطرفين في إيران.
ويشير راسموسين إلى أن روحاني رد خلال زيارته إلى سويسرا الأسبوع الماضي، على خطة أمريكا بفرض تجميد على تصدير النفط الإيراني، بالتهديد بتعطيل حركة النفط من الشرق الأوسط عبر الخليج العربي، حيث تم النظر إلى ذلك على أنه تهديد بإمكانية قيام إيران بإغلاق مضيق هرمز، وهو ممر مائي يمر منه حوالي ثلث النفط المصدر بالسفن على مستوى العالم، وهو تهديد قام به الجيش الإيراني من قبل، لكن ليس الرئيس.
وتفيد الصحيفة بأن القادة العسكريين، الذين حاول الرئيس روحاني الحد من نفوذهم، أصبحوا فجأة يمدحون الرئيس المعتدل، فقال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني في رسالة مفتوحة لروحاني: «أقبل يدك لتصريحاتك الحكيمة التي جاءت في وقتها»، وأضاف سليماني، الذي يعد من أقوى الشخصيات العسكرية في إيران: «أنا رهن خدمتك لتطبيق أي سياسة تخدم الجمهورية الإسلامية».
ويلفت التقرير إلى أن هذا المفصل السياسي لروحاني يأتي في وقت تعاني حكومته من أزمة، مشيرا إلى أنه بعد انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاقية متعددة الأطراف، التي كانت تهدف لتجميد البرنامج النووي الإيراني، مقابل رفع العقوبات، فإن جسر روحاني مع الغرب أصبح مهددا بالانهيار، في وقت أدى فيه الوضع الاقتصادي المنهار إلى مظاهرات، بالإضافة إلى أن البنوك والمستثمرين بدأوا بالهروب.
ويذكر الكاتب أن انتخاب روحاني عام 2013، جلب الأمل بين مؤيديه، بأن تتمكن إيران من التخلص من صورتها كونها دولة منبوذة دوليا، لافتا إلى أن روحاني استطاع أن يقاوم ضغوط القوى السياسية التي تعارض الدبلوماسية إلى الآن.
وتنقل الصحيفة عن الخبير في الشأن الإيراني والأستاذ في جامعة بيرمنغهام سكوت لوكاس، قوله: «روحاني قدم تنازلا كبيرا (بالنسبة للمتشددين).. وهذا كان أشد تصريح له، وقصد فيه (إيصال رسالة لـ) الأمريكيين».
ويورد التقرير أن التصريحات الصارمة كانت صادمة بالنسبة لبعض من أيد ترشح روحاني، فقالت امرأة عاطلة عن العمل، عمرها 31 عاما، من طهران، ولم تكشف عن اسمها خوفا من السلطات: «صوتنا للسيد روحاني لأنه وعد بأن يفتح الباب للعلاقات الدولية، والتهديد بإغلاق مضيق هرمز ليس معقولا وليس معتدلا.. لا نريد العزلة مرة أخرى».
وينوه راسموسين إلى أن اقتصاد إيران يرزح تحت ضغط كبير، ففي منتصف شهر حزيران/ يونيو، وخلال شهر من انسحاب ترامب من الاتفاقية النووية، تراجع التصدير الإيراني للنفط بنسبة 16%، وقللت كل من كوريا واليابان مشترياتها، وربما تتبع ذلك الدول الغربية، فيما تتراجع العملة بشكل كبير، حيث خسر الريال منذ كانون الثاني/ يناير نصف قيمته.
وتشير الصحيفة إلى أن مئات التظاهرات اندلعت في الأشهر الأخيرة في مختلف أنحاء البلاد؛ بسبب ارتفاع الأسعار، والفساد، وإفساد البيئة، من عمال الصلب إلى سائقي الشاحنات إلى موظفي المستشفيات إلى أصحاب المتاجر، في أقدم بازار في العاصمة.
وبحسب التقرير، فإن الإحباط تزايد بسبب نقص الحريات السياسية والاجتماعية، مشيرا إلى أن نساء إيرانيات نشرن في الأسبوع الماضي، فيديوهات لهن وهن يرقصن في مناطق عامة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ وذلك تضامنا مع الفتاة المراهقة مائدة هوجابري، التي نشرت فيديو لنفسها وهي ترقص.
ويقول الكاتب إن هذه الاستعراضات جاءت بعد حركة احتجاج من النساء بنزع حجابهن، الذي يفرضه القانون في الأماكن العامة، لافتا إلى أنه وسط هذا الهيجان، فإن أعداء الأمس ينادون بالوحدة، حيث يحاولون جمع الناس حول تحدي الغرب.
وتذكرالصحيفة أن مستشار الزعيم الروحي آية الله علي خامنئي كان يدعو حتى وقت قريب إلى محاكمة روحاني، إلا أنه بعد أن اتخذ روحاني موقفا متحديا، وقال في أواخر حزيران/ يونيو بأن الإيرانيين معا، بإمكانهم هزيمة أمريكا «في حرب الإرادات»، فإن المستشار يحيى رحيم الصفوي قال إن واجب كل إيراني أن يؤيد الحكومة «لنزع الفتيل من مخططات الأعداء».
ويلفت التقرير إلى أن وكالة أخبار فارس، المنحازة للحرس الثوري، كتبت: «نتوقع ألا يعود روحاني إلى سابق خطاباته»، مشيرا إلى أن مستقبل روحاني السياسي في يد الزعيم الروحي بشكل كبير، حيث أن مصادقته ضرورية لأي رئيس ليبقى في منصبه.
ويورد راسموسين نقلا عن الزميلة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وهو مركز دراسات يركز على إيران، إيلي غيرانمايا، قولها: «لا يزال الزعيم الروحي يدعم موقف روحاني.. إنه يريد تجنب صراع أكبر داخل المؤسسة السياسية».
وترى الصحيفة أنه مع أن روحاني بنى علاقته مع الغرب حول الصفقة النووية، إلا أن الجهود لإنقاذ المعاهدة متعددة الأطراف بعد انسحاب أمريكا منها لم تكن كافية إلى الآن.
وينوه التقرير إلى أن مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فريدريكا موغيريني، شددت بعد اللقاء يوم الجمعة في فينا بين إيران والقوى الأوروبية والصين، على أهمية الحفاظ على الاتفاق والعلاقات التجارية التي تبنتها، إلا أن لا توجد تفاصيل عن تلك القمة.
وينقل الكاتب عن البعض، قولهم بأنه يجب ألا يتفاجأ الناخبون بتحول روحاني باتجاه العناصر المتطرفة في النظام، الذي كان يشكل جزءا منه لفترة طويلة، مشيرا إلى أنه تسلم خلال ثمانينيات القرن الماضي عدة مناصب كبيرة، بما فيها قائد القوات الجوية، وفي عام 1999 كان روحاني حينها سكرتير مجلس الأمن القومي، حيث أمر الحرس الثوري بقمع مظاهرات الطلاب في طهران، وأمر بتوجيه تهمة “الإفساد في الأرض” لهم، وهي جريمة يعاقب عليها القانون بالقتل.
وتختم «وول ستريت جورنال» تقريرها بالإشارة إلى قول حسن من طهران، والبالغ من العمر 32 عاما: «بإمكان الناس الذي صوتوا لروحاني أن يروا النتيجة.. (فالنظام) يجتمع عند الحاجة من أجل الأمن القومي».