تعد إيران إحدى الدول التي امتهن أهلها صناعة الخزف، بل قاموا ببناء أفران الخزف منذ ستة آلاف عام قبل الميلاد، أما دواليب صناعة الخزف فظهرت منذ ثلاثة آلاف وخمسمائة عام قبل الميلاد، وهو ما خلف العديد من القطع الأثرية التي صارت علامات هذه العصور الماضية تدل على تفوقها الكبير وذوقها العالي، وكانت هذه الانطلاقة المبكرة السبب في ازدهار تلك التجارة في إيران بشكل موسع.
شهرة
اشتهرت إيران بصناعة الخزف خاصة في العصر الساساني، ومان أشهر الأنواع التي عرف بها هي الخزف المرسوم تحت الطلاء، ويتميز هذا النوع أنه يطلى ببطانة باللون الأبيض أو الأزرق أو الأخضر الباهت، بالإضافة إلى تميز الزخارف على الخزف والتي في الغالب لونها داكن، أو متعددة الألوان.
كما اشتهر في إيران الخزف ذو البريق المعدني، والذي يتميز بأنه يطلى ببطانة معتمة يتم زخرفتها بعد التعرض لأكاسيد الدخان الحريق، مما ينتج عنه طبقة رقيقة من المعدن ذات لون ذهبي أو بني أو أحمر أو زيتوني.
واشتهر نوع ثالث وهو الخزف الـ “كبرى” أو الجبري، وهو منتسب إلى الطائفة الجبرية، ويميز شكل هذه الزخارف ببطلائها بطبقة البطانة، ثم يتم رسم الزخارف على البطانة ثم تكشط المساحات الخالية من الزخارف، بعد ذلك تطلي الآنية بطبقة شفافة يكسبها بريقًا مميزًا.
وتمتاز إيران خصوصًا بالزخارف النباتية بشكل كبير، كما يتم أيضًا استخدام الزخارف الآدمية والحيوانية، والتي تأثرت بالأسلوب الساساني القديم بالأخص.
تطور
تطورت صناعة الخزف بشكل خاص بعد الفتح الإسلامي لإيران، خاصة أن الدين الإسلامي كان يحث على عدم استخدام الأواني الفضية أو الذهبية، ومن هنا اتجه الحكام لشراء الأواني الخزفية، الأمر الذي كان له تأثيرًا كبيرًا على هذه الصناعة.
أما العصر الذهبي للخزف فكان في عهد السلاجقة، فقد تم صناعة الخزف بكل الطرق والأشكال الممكنة ومن هنا ظهرت الرسوم المحفورة والبارزة والتذهيب والطلاء بالمينا، وغير ذلك إلى جانب مشاركة الرسامين بتصاميهم التي أعطت لتلك القطع مزيدًا من الجمال والتميز.
وفي العصر الصفوي كانت نهضة الخزف العظيمة، فقد أعاد الصناع الطرق القديمة وأضافوا لها الكثير من روح العصر، مما أمد تلك الأعمال بغنى لا مثيل، كما اهتم بتلك الصناعة على وجه خاص الشاه إسماعيل الصفوي، وأنشأ لها المصانع وقام بتأسيس تجارة قوية لتصدير الخزف ليقية بلدان العالم، مع الاهتمام بالأيدي العاملة الجيدة، بالإضافة لتدريبهم المستمر، إذ وصل الأمر إلى أنه جلب ثلاثمائة خزاف صيني حتى يتدربوا على صناعة الصيني.
ورغم تردي الصناعة بشكل كبير خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر إلا أن الخزافين استمروا في إنتاج الخزف ونقشه، وبل وجددوا كثير من الآثار القديمة، غير أنهم لم يحظوا بالطبع بهذا القدر الكبير من الاهتمام، الذي كان من الممكن أن يصنع نهضة كبرى تجعل من إيران بوابة الخزف في العالم.
والآن يعد الخزف من الهدايا التي يجب أن يقتنيها السائح إذا زار إيران، لأنها صارت صناعة لصيقة بالمجتمع الإيراني، إلى جانب وجود عدد كبير من الشركات التي صارت تصنعه.
آثار الخزف
ويوجد الكثير من الآثار القديمة المصنوعة من الخزف، إذ لم تعد هذه الأواني الخزفية مجرد اواني، بل صارت شاهدة على تاريخ وتطور ظاهر وحياة شعوب سابقة، ويمكن العثور على الكثير من القطع الأثرية تلك بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة في مصر، إذ توجد قطع خزفية لعدد من العصور المتنوعة، شاهدة على التاريخ، وعلى براعة الإيرانيين في تلك الصناعة على وجه الخصوص.