أدت محاولة التفجير الأخيرة بالشهر السابق لمسيرة مجاهدي خلق بالقرب من باريس، إلى دفع هذه المنظمة الطائفية إلى مركز العلاقات الدولية الإيرانية.
وقد سخر منها معظم النشطاء والمحللين الإيرانيين باعتبارها جماعة استبدادية ذات تأثير ضئيل للغاية داخل البلاد، ومع ذلك فإن منظمة مجاهدي خلق لها قدرة كبيرة على الهيمنة على المشهد السياسي في المنفى، وتبقى مصدر إزعاج كبير للسلطات الإيرانية.
ويرجع ذلك أساسًا إلى عاملين، في المقام الأول، تمتلك المجموعة تنظيم صارم ومثالي لأكثر من 50 عامًا منذ تأسيسها في عام 1965.
وثانيًا، أنها جيدة بشكل ملحوظ في الضغط على المنظمات السياسية والإعلامية الغربية، كما يتضح من قوائم المتحدثين المثيرة للإعجاب في مناسباتها.
صقور الولايات المتحدة
وعلى الرغم من معاناة المنظمة من انتكاسات كبيرة في السنوات الأخيرة، لا سيما فقدان قاعدتها في العراق، إلّا أن منظمة مجاهدي خلق من المتوقع أن تلعب دورًا في حملة تغيير النظام الإيراني التي أعيد إحياؤها في واشنطن.
وقد تم تفسير تأييد بعد الداعمين لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية مثل الصقر الأمريكي الشهير جون بولتون بمنصبه كمستشار الأمن القومي الأمريكي، على أنه علامة لا لبس فيها على نية أمريكا.
عموما، من كان وراء محاولة التفجير المذكورة في باريس، فقد أراد بوضوح أن يرفع الرهان، وربما كان الهدف الحقيقي هو إرسال رسالة، بدلًا من إلحاق ضرر جسدي بالمشاركين.
أحد الأسباب التي دفعت صقور أمريكا وغيرهم من السياسيين الغربيين المناهضين لإيران للاحتشاد حول منظمة مجاهدي خلق هو أنه لا يوجد بديل، فعلى الرغم من جميع أخطائها، إلا أنها أكبر جماعة معارضة في المنفى، بل هي الوحيدة التي يتم تنظيمها حقاً باستثناء الجماعات العرقية، مثل الأكراد.
البديل الآخر الذي تم طرحه هو ابن الشاه الراحل رضا بهلوي، لكنه يناضل لاجتياز اختبارات المصداقية الأولية، ولا يقتصر الأمر على عدم وجود منظمة رسمية، ولكن اسمه سيظل ملطّخًا إلى الأبد بالنظام الملكي الساقط، وعلاوة على ذلك، فإنه موضع سخرية كلما ظهر على وسائل الإعلام الفارسية، حيث أن لغته الفارسية أقل من جيدة، وفهمه للقضايا السياسية والاستراتيجية المعقدة أقل من مقنع.
ينسجم خطاب منظمة مجاهدي خلق غير المتسامح عن الجمهورية الإسلامية مع خطاب صقور الولايات المتحدة مثل بولتون، ورودي جولياني، الحاكم السابق لمدينة نيويورك، والسيناتور الجمهوري توم كوت، الذين يعتقدون أنهم يمكن إسقاط الحكومة الإيرانية من خلال عقوبات اقتصادية شديدة وغيرها من الضغوط.
ازدراء العامة
لم يتم الاهتمام بحقيقة أن منظمة مجاهدي خلق لا تملك أي نفوذ فعلي داخل إيران، وإنجازها السياسي الأبرز هو قدرتها على توحيد الإيرانيين المتشككين عادة في كرههم الشديد للجماعة الطائفية.
إن كراهية منظمة مجاهدي خلق معقدة ولها أسباب عديدة، في الجوهر، ينظر معظم الإيرانيين إلى الجماعة باعتبارها مفارقة تاريخية حيث تعتبر ارتداد ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، عندما كانت الإيديولوجيات اليسارية المتطرفة مسيطرة. علاوة على ذلك، فإن المزيج المكون للجماعة من الشيعة وعناصر الماركسية، وقبل كل شيء ثقافتها الشبيهة بالعبادة والقبضة الكاملة على أعضائها يجعلها مشبوهة ومقيتة بشكل خاص.
إضافة إلى ذلك، فإن تحالف المجموعة مع صدام حسين خلال الحرب العراقية الإيرانية التي طال أمدها يضعها خارج نطاق الشجاعة فيما يتعلق بالرأي العام الإيراني السائد.
ولكن صقور واشنطن وحلفائهم في المؤسسة البريطانية يواجهون صراعًا شاقًا في إضفاء الشرعية الكاملة على مجاهدي خلق في الخطاب السياسي والاستراتيجي الغربي، وعلى كلٍ، فقد تم إدراج منظمة مجاهدي خلق كمنظمة إرهابية من قبل التحالف الغربي لفترة، قبل شطبها من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
ويبدو أن مؤامرة تفجير تجمع مجاهدي خلق في باريس تشمل ثلاثة بلدان هي بلجيكا وفرنسا وألمانيا، وألقي القبض على دبلوماسي إيراني في ألمانيا، لكونه على اتصال مع زوجين بلجيكيين من أصل إيراني، زُعم أنهما كانا السبب في المؤامرة.
في حين يظل الكثير مجهولًا، فإن الاستعراض التاريخي لكفاح المؤسسة الأمنية الإيرانية ضد منظمة مجاهدي خلق يمكن أن ينير السياق العام المحيط بالقضية.
دور المخابرات الإيرانية
وعلى مدار ثلاثة عقود، كان ملف حركة مجاهدي خلق حكرًا على وزارة الاستخبارات والأمن، الذين كلفوا باختراق المنظمة وتدميرها، وفي فترة طويلة من التجربة والفشل، طورت وزارة الاستخبارات الإيرانية خبرة عميقة حول منظمة مجاهدي خلق، مما أدى إلى القضاء على وجودها داخل إيران – باستثناء خلايا تم انقاذها- وتوغلت بشكل كامل في هياكلها في العراق والغرب. بل إن الأمر ذهب إلى حد رعاية المنشقين، والأعضاء السابقين، بالإضافة إلى استثمار موارد كبيرة في حشد الوحدات الأسرية ضد منظمة مجاهدي خلق.
وتم إحكام القبضة على جميع جوانب منظمة مجاهدي خلق لدرجة أنه كان من الصعب معرفة أين انتهت وزارة الاستخبارات والأمن ومتى بدأت المنظمة، ومن نواح عديدة ، كان نظام المخابرات ضحية لنجاحه الخاص، حيث أصبحت بعض عناصر المؤسسة الإيرانية حذرة من موقف وزارة الاستخبارات المتزايد تجاه الجماعة، وخاصة رعايتها الواسعة للأعضاء السابقين والمؤيدين لها.
ويبدو أن نقطة التحول الحاسمة تركزت على المناقشات الداخلية حول كيفية إغلاق “مخيم أشرف”، وهو القاعدة المركزية لمنظمة مجاهدي خلق في العراق، ووفقًا لأعضاء مجاهدي خلق السابقين، فإن وزارة الدفاع قد عارضت غارة عسكرية على المخيم، مفضلين إبقاء المجموعة في حالة من عدم اليقين إلى أجل غير مسمى وذلك لأسباب مجهولة.
ومع ذلك، فقد كانت النهاية سريعة ووحشية، حيث قتل 52 عضو من أفراد مجاهدي خلق ففي غارة على المخيم في سبتمبر 2013، بما في ذلك العديد من الشخصيات البارزة، وتم أسر عدة أشخاص آخرين، وكان العقل المدبر للغارة وحدة استخبارية شبه عسكرية غامضة مرتبطة بالحرس الثوري الإسلامي.
الضغط على الحكومة
لم تكن الأهمية الحقيقية لتلك الغارة المشؤومة هي أنها أدت إلى مغادرة منظمة مجاهدي خلق للعراق، ولكنها أنهت احتكار نظام المخابرات الإيرانية لملف منظمة مجاهدي خلق، واليوم تتعقب عدة وكالات استخباراتية إيرانية منظمة مجاهدي خلق في أوروبا وأمريكا الشمالية.
وقد لا تحظى منظمة مجاهدي خلق بالشعبية ، ولكن لا يمكن اتهامها بأنها غير فعالة، تبقى المجموعة أكبر تهديد للعلاقات العامة لإيران في الغرب، حيث إنها تضغط باستمرار على الحكومات والبرلمانيين والإعلام ومنظمات حقوق الإنسان. هذه الأنشطة هي مصدر قلق حقيقي للدبلوماسية الإيرانية، وبالتالي تبرر موارد المخابرات الموجهة لتتبع واحتواء المجموعة.
وعلى الرغم من أن مجاهدي خلق لديهم القليل من التواجد داخل إيران، إلا أن السلطات الإيرانية تخشى من تنظيمها، خاصة إذا ما ألقت الولايات المتحدة كامل ثقلها خلف المجموعة، ومع ذلك، يظل هذا من غير المحتمل على الأقل بالنسبة للمستقبل المنظور، حيث يظل مجتمع السياسة الأمريكية يعارض العمل مع منظمة مجاهدي خلق، ويرجع ذلك جزئياً بسبب قتلها للأمريكيين في السبعينيات.
ولكن العلاقة بين العديد من الصقور الأمريكية والعناصر المعارضة لإيران تثير غضب طهران لدرجة قد تدفع المؤسسة الأمنية لاتخاذ إجراءات حركية لردع تعاون الولايات المتحدة مع مجاهدي خلق، ومع تزايد الضغوط على إيران، فإن إغراء ضرب هدف سهل نسبيًا مثل منظمة مجاهدي خلق يزداد أيضًا.