تعد الشاعرة فروغ فرخزاد واحدة من أهم الشاعرات اللاتي أنجبهن إيران، وبجانب كون شعرها مهمًا إلا أن ما يعنينا هنا هو ما كتبته فرخزاد حول الأمومة في حد ذاتها، إذ تعد تجربتها من أكثر التجارب إلهامًا لهذه العاطفة بشكل كبير، وذلك لعاطفة الأمومة المفتقدة الظاهرة فيها بشكل جلي، والذي فيه شحذت كل عواطفها وحولتها شعرًا فصار من أفضل أعمالها.
عن فروغ
ولدت فروغ فرخزاد عام 1932م في مدينة طهران، وبدأت بكتابة الشعر في عامها الثالث عشر، وتزوجت بعدها بعام، ولكن زواجها لم يدوم سوى لثلاثة أعوام أنجبت فيها ابنها “كاميار” أو “كامي” كما تعودت أن تناديه، وتمثلت معاناة فرغزاد أنه بعد هذا الطلاق ذهب الابن للأب بحكم القانون، وهو ما قطع الصلة بينهما، كما خافت أن يتصور تصورًا مغايرًا عنها، وذلك بعد الشائعات التي كانت تطالها دائمًا.
كان أول ديوان تنشره بعنوان “الأسيرة” وهي في عامها السابع عشر، ثم في العام الذي يليه نشرت ديوانها الثاني الذي حمل اسم “الجدار” والذي قوبل باستهجان من الأوساط المحافظة نظرًا إلى جرأته، أما ديوانها الرابع فقد نشر عام 1957 باسم “عصيان” موضحًا مدى تمرد الشاعرة على تقاليد إيران السائدة، ثم بعد ذلك ظهر ديوانها الرابع “الميلاد الجديد”، غير أن القدر لا يمهل الشاعرة فتوافيها المنية عام 1966 في حادث تصادم بالسيارة، غير أنه في عام 1973 يظهر ديوان آخر بعنوان “فلنؤمن ببداية فصل البرد” الذي كانت قد خطته الشاعرة ولم ينشر في حياتها ليصبح آخر أعمالها.
أمومة مفتقدة
كان أكثر ما أرق الشاعرة المتمردة هو بعدها عن طفلها الوحيد، ذلك البعد الإجباري الذي فرضه عليها المجتمع، مما دفعها لتبني طفل آخر، وهو حسين، رسمت له صورة زيتية في أواخر حياتها، ولكنها رأت في حسين هذا تجلي آخر لابنها المفقود، وكأنها كانت تستعيض بوجوده عن الفقد الذي عايشته.
وقد كتبت كل ما كان يؤرقها من هذا الشوق الذي لم يكلل بلقاء في خمس قصائد في دواوينها المتفرقة.
أشعار
في قصيدة “عفريت الليل” تتخيل فرخزاد نفسها تهدهد وليدها لينام وهي تخبره عن عفريت الليل حتى يسرع بالنوم، وهي أسطورة كثيرًا ما تناقلتها الأمهات في العالم باختلاف الثقافات وأداة التخويف، ولكن العفريت هنا لا يهدد الابن بقدر ما يهدد الأم نفسها، فهو يريد أن يأخذ طفلتها، ويكيلها بالعديد من الاتهامات، التي نفسها هي الاتهامات التي يطلقها عليها المجمتع، وأن ليس من حقها أن تحتفظ بهذا الطفل نظرًا لهذه الاتهامات.
أما في قصيدة “المريض” فتحكي فيها عن ابنها المصاب بالحمى، وكيف تدعو الله أن يشفيه بصدق ومحبة، غير أن العالم يتجاهل هذا الألم المفجع الذي لا تشعر به إلا هي، والقصيدة الثالثة هي “البيت المهجور” التي تحكي فيه مأساة حياتها الفعلية، في هجرانها للبيت الذي يقع فيه ابنها، فتحكي كيف صار العالم من بعده.
بينما نطالع في القصيدة الرابعة التي حملت اسم “قصيدة من أجلك” فهي تأخذ منوالًا متفائلًا بعكس بقية القصائد، حيث يراودها أمل باللقاء، وأخيرًا في القصيدة الخامسة التي عنونتها باسم “العودة” حكت فيها الشاعرة عن التغير الذي أصاب مدينة “طهران” برحيل ابنها عنها، وهي صور كلها تتسم بالكآبة والحزن.