للشعر مكانة لم ينازله فيها أدب آخر في العالمين والفارسي لمدة طويلة، وهو ما جعل عيون الأدباء تتجه صوب هذا اللون الأدبي، مبجلين في الوقت نفسه من يحترف هذا المجال، ويسمعهم أبيات الشعر التي تتميز بأدبيتها وحرفيتها العالية، وهو ما أدخل حتى في هذا الأدب الألقاب، وكان أقبر لقب يمنح هو “أمير الشعراء”.
مصطلح الإمارة العربي
في الدول العربية ظهر هذا المصطلح منذ منتصف العصر العباسي، إذ قال البحتري لأبي تمام “أنت والله يا بني أمير الشعراء غدًا بعدي” ولم يكن يقصد بهذا القول سوى المكانة والقدرة على كتابة الشعر والإجادة فيه، وهو المصطلح الذي سيأخذ فيما بعد بعدًا آخر.
ثم في العصر الحديث كانت إمارة الشاعر “أحمد شوقي” الذي كان لديه تقدير كبير من الحكومة أو الشعب نفسه، بل والبلاد العربية المختلفة، وتم تكريمه في العديد من المحافل الدولية، وقد أكد تلك الإمارة حافظ إبراهيم الذي كتب عنه:
أمير القوافي قد أتيت مبايعًا وهذى وفود الشرق قد بايعت معي
وفي العصر الحالي فإن لقب أمير الشعراء لايزل ذو محل اهتمام عربي، حيث يقام سنويًا برنامج “أمير الشعراء” والذي يحظى باهتمام عربي واسع، ويتم فيه تكريم صاحب المركز الأول من متسابقي العام بهذا اللقب إلى جانب مبلغ مالي كبير.
مصطلح الإمارة الفارسي
لم تظهر الألقاب الشعرية حتى العصر الغرنوي في إيران، الذي أعطى فيه النقاد للأدباء مصطلحات عدة، أما أول لقب رسمي لشاعر كملك للشعراء في إيران كان الشاعر عنصري المتوفى عام 431 هجريًا، لكونه قريبًا من الملك آنذاك.
وكانت تلك الألقاب تمنح خاصة لأولئك المقربون من البلاط الملكي نظرًا لرضاء الحاكم عنهم، مما يجعله يمنحهم تلك الألقاب، ويرددها الشعب من بعده، وقد كثرت تلك المصطلحات مثل “سلطان الشعراء” التي لقب بها الشاعر الرودكي السمرقندي، وكذلك “أستاذ الشعراء” الذي لقب به رشيد الدين الوطواط، و “مفخرة الشعراء” الذي لقب به الأنوري.
تاريخيًا
استمر إطلاق الألقاب فيما بعد العصر الغرنوي، ففي عصر السلاجقة الذي تميز باهتمام حكام البلاط بالعالم والعلماء، وبناء المدارس النظامية كان أيضًا ملحقًا به الاهتمام بالشعراء أنفسهم، ومن هنا حصل الشاعر معزي على لقب أمير الشعراء، الذي منحه إياه ملكشاه السلجوقي.
أما في عصر الخوارزميين اختفى هذا اللقب تمامًا، فكان الاهتمام الأول للدولة آنذاك هو التوسع، وغزو مزيد من الدول، وفي العصر المغولي كذلك لم يجد هذا اللقب أي اهتمام من قبل الدولة، خاصة مع ازدياد الاتجاه الصوفي وزهد الكتاب عن بلاط الحكام، وعلى الرغم من العودة للأدب مرة أخرى في العصر التيموري إلا أن هذا اللقب صار منسيًا تمامًا، وذلك إلى أن أتى البابريون والكوركاديون الذين حكموا في الهند ومنحوا بعض الشعراء هذا اللقب مثل “فيضي الدكني، وطالب الآملي، وأبا طالب كليم الكاشاني”.
أما في العصر الصفوي فإن اهتمام الدولة صار منصبًا بشكل كبير على الشعراء نظرًا لكون الشاه إسماعيل الحكام آنذاك شاعرًا أيضًا، وهو ما جعله يحيي هذا اللقب ويطلقه على شعراء كثر مثل “مسيح كاشاني، وصائب التبريزي”، ثم تم إهمال هذا اللقب إلى عدة عصور إلى أن عاد في عهد فتحلي شاه القاجاري، حيث عاد الاهتمام بالشعر من جديد، وأطلق اللقب حينها على “الشاعر صبا، والشاعر فتحلي خان، و الشاعر سروش الأصفهاني”.
بينما في العصر الحديث، كان الشاعر محمد تقي ابن بهار هو الذي استطاع الحصول على لقب أمير الشعراء.
أهمية اللقب
وتمثلت أهمية هذا اللقب في كون صاحبه مسؤولًا عن تقييم بقية الشعراء قبل عرضها على السلطان، ويصبح أمير الشعراء لديه مطلق الحرية في التعديل بالحذف والإضافة أو رفض القصيدة بأكملها.
وحظت مجالس الشعراء هذه باهتمام بالغ من قبل شعراء العصور المختلفة، نظرًا لكونها النافذة لعرض أشعارهم على الملك بذاتها، بل كانت إجازتها في حد ذاتها مكسبًا كبيرًا يضمن الشهرة للشاعر.
كما كان لأمير الشعراء وظيفة أخرى وهي نظم القصائد في المناسبات والأعياد والفتوحات المختلفة وإلقائها أمام السلطان وبقية رجال البلاط، بل وأحيانًا الارتجال أمام السلطان أو الحاكم في هذا الوقت، وهو ما يحتاج دربة عالية من قبل الشاعر، لا يمكن أن يتحلى بها إلا من اتسم بسمة “أمير الشعراء”.
إضافة لذلك كان أمير الشعراء أداة إعلامية تخص هذا العصر للدعاية لصالح الملك، نظرًا لعدم وجود كثير من سبل الدعاية كما هو متوفر الآن في العصر الحديث، لذا تم شحذ هذا في أشعار المديح المقدمة من قبل هؤلاء الشعراء.