يُمثِّل ذوي الاحتياجات الخاصة في إيران حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية ما هو نسبته زُهاء 12 مليون من مجموع سكان الجمهورية الإيرانية بالكُلية والذين يبلغون 80 مليون نسمة، وقد كان ذلك استنادًا على أن 15 % من سكان العالم لديهم احتياجات خاصة.
وتُفيد منظمة هيومن رايتس ووتش أن الحكومة لم تجمع بياناتٍ مفصلة عن عدد الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولا حتى خلال الإحصاء الوطني عام 2016.
فما وضع هؤلاء؟، وكيف ازدادت أعدادهم إلى هذا الحد؟، وكيف تتعامل معهم الحكومة والنظام في إيران؟، وهل يتعرضون لعُنصريةٍ أم يلقون اهتمامًا يُخرِجهم من نار المغضوب عليهم في إيران من قِبل نظام الجمهورية؟.
وضعٌ قاتم
في مساء الـــــ26 من شهر يونيو / حزيران المُنصرِم، نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش بالتعاون والاشتراك مع مركز “حقوق الإنسان في إيران”، تقريرًا مُوسَّعا مُمتَد في 72 صفحة باسم: “أنا إنسانٌ أيضًا: التمييز والعقبات في وجه ذوي الاحتياجات الخاصة في إيران“، وقد كان التقرير يُصوِّر مدى سوء وزِراية أوضاع ذوي الاحتياجات الخاصة في إيران، وما يتعرضون له في المؤسسات والطُرقات على حدٍّ سواء. وقد أجرت المنظمتان مقابلاتٍ معمَّقة مع 58 امرأة ورجل من ذوي الاحتياجات الخاصة المختلفة، بالإضافة إلى ناشطين ومختصين في الدفاع عن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في إيران.
رصد التقرير وأورد حجم العوائق اليومية التي يواجهها ذوو الاحتياجات الخاصة عندما يقصدون المؤسسات، ومراكز الرعاية الصحية، وعند استخدام وسائل النقل العام.
كما يتعرض ذوو الاحتياجات الخاصة لحالةٍ من الوصم والتمييز من قِبل العاملين الاجتماعيين في الحكومة، وموظفي الرعاية الصحية، وغيرهم؛ رُغم أنهم هم المنوطين بتذليل كافة العقبات أمامهم، ورفع فكرة الإعاقة عن أذهانهم، وهذا ما حدث نقيضه.
وقد وصل بهم الحال إلى ما هو أنكى؛ حيث صارت لديهم أزمات نفسية، فيبقى الكثيرون منهم محاصرين في منازلهم، غير قادرين على العيش بشكلٍ مستقل والمشاركة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين كما يصف التقرير.
تقول نائبة مديرة قسم حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في هيومن رايتس ووتش، جين بوكانان: “ذوو الاحتياجات الخاصة في إيران معزولون عن المجتمع بسبب التمييز والمباني والخدمات العامة التي يتعذر الوصول إليها”.
فقد قال الكثير ممن تمت مقابلتهم إنهم اضطروا إلى الاعتماد على أفراد العائلة، أو أصدقاء مقربين لمساعدتهم في تلبية الاحتياجات الأساسية، مثل تناول الطعام أو ارتداء الملابس أو النظافة اليومية. لم تخصص الحكومة موارد كافية لتطوير نظام للمساعدين الشخصيين، والذي يمكن أن يكون مفتاح الاستقلالية والمساواة للكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وقد سلّط التقرير الضوء على مرفقين بالأخص من مرافق النظام الإيراني، وهما يرتبطان بشدةٍ بذوي الاحتياجات الخاصة، نظرًا لأنهما يقعان في نطاقهم وتداولهما والتناوب عليهما من قِبلهم. وهما مرفق النقل ومرفق الخدمات الطبية والقطاع الصحي.
- مرفق النقل:
يشير التقرير أنه كثيرًا ما يتعذر الوصول إلى وسائل النقل العامة والطرق والمباني من قِبل ذوي الاحتياجات الخاصة. فعلى سبيل المثال، تحتوي بعض الحافلات على منحدرات تتيح ركوب الأشخاص الذين يستخدمون الكراسي المتحركة، ولكن سائقي الحافلات قد لا يعرفون كيفية فتحها. كما أنه في المدن الكبيرة والتي يُوجَد فيها أنظمة المترو، يوجد مصاعد في بعض المحطات، لكنها لا تعمل غالبًا. ويلجأ بعض مستخدمي الكراسي المتحركة إلى استخدام السلالم المتحركة، على الرغم من خطورتها.
حتى أن أحدالذين تمت معهم المقابلات، وكان يُدعَى حسن؛ وهو (اسمٌ مستعار)، والذي يستخدم كرسيًّا متحركًا في طهران، قال: “أحاول تجنب استخدام السلالم المتحركة، ولكن في بعض الأحيان ليس لديّ خيار آخر. كرسييّ المتحرك ثقيل؛ مما يجعل استخدام السلالم المتحركة يبدو كمهمةٍ انتحارية. ذات مرة، كدت أسقط لو لم أكن محظوظًا، كنت سأتعرض لإصابةٍ قاتلة”.
- المرفق الطبي:
أشار كُلٌ من مركز حقوق الإنسان في إيران، وهيومن رايتس ووتش، إلى الوضع الأكثر سوءً في هذا المِرفق، وأوضحا أن ثمة مشاكل خطيرة في عمل مؤسسة الرعاية الحكومية الإيرانية، وهي تعد الوكالة الرئيسية المكلفة بتقديم الخدمات لذوي الاحتياجات الخاصة؛ إذ قال الأشخاص الذين تمت مقابلتهم إن الأخصائيين الاجتماعيين الحكوميين “شتموهم”، و”أهانوهم”، ولم يقدموا معلومات أساسية عن الخدمات والمعدات. كما قالوا أيضًا إن الخدمات والمعدات التي تقدمها غالبًا ما تكون متدنية الجودة، ولا تعالج احتياجات الناس، ولا يمكن الحصول عليها إلا من خلال إجراءاتٍ طويلة ومعقدة.
كما أن كثيرًا من ذوي التحديات الجسدية لا يستطيعون الوصول إلى العيادات الطبية أو المستشفيات لأن العديد منها لا يوجد فيها منحدرات أو مصاعد. قال المكفوفون وضعاف البصر إنهم لا يذهبون إلى مرافق الرعاية الصحية وحدههم لتعذر الوصول إلى مبانيها، والموظفون لا يقدمون لهم المساعدة التي يحتاجون إليها. وقال الصُم وضعاف السمع إنهم لا يستطيعون استخدام خدمات الرعاية الصحية بشكلٍ مستقِل بسبب غياب مترجمين في لغة الإشارة.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، ويتعلق بالبُنية التحتية لقطاع الخدمات بل بالعنصر البشري العامل في هذع المؤسسات؛ والذي يضطلع بالأساس لخدمة ذوي الاحتياجات.
فعلى سبيل المثال، قد يقوم الطاقم الطبي بتقديم العلاج للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة دون موافقتهم “المستنيرة”، أو قد لا يزودهم بمعلوماتٍ كاملةٍ ودقيقة حول خيارات العلاج. فعلى سبيل المثال أيضًا، غالبًا ما يتم العلاج بالصدمات الكهربائية دون موافقةٍ مستنيرةٍ كذلك من الأشخاص الذين يعانون من تحدياتٍ نفسيةٍ اجتماعية أو ظروفٍ صحيةٍ عقلية أو ظروف من غير المحتمل أن تكون مفيدة فيها. ويُستخدم هذا العلاج في مستشفيات الأمراض النفسية في العديد من البلدان لعلاج اضطراب المزاج الثنائي القطب والاكتئاب الشديد.
وقد قال جعفر؛ (اسم مستعار)، وأحد الذين تمت معهم المقابلات، والذي يعاني من تحدياتٍ نفسية اجتماعية: “في المرة الأولى التي تلقيت فيها الصدمات الكهربائية، زارني طبيب القلب في اليوم السابق. ثم أخذوني لتلقي الصدمات، عندها فقط أدركت ما هي. نسيت الكثير من الأشياء بعد ذلك. كانوا يفعلون ذلك يومًا بعد يوم”.
ويطرح هذا العديد من الأسئلة، حول مدى هشاشة الجهاز الإداري المُخصَّص من قِبل النظام الإيراني لذوي الاحتياجات الخاصة، وما الذي تفعله هذا الفئة الواسعة والمُمتَدة بصُورةٍ أُفقية مخيفة لمواجهة هذه الموجة من الإعراض والتجاهل الحكومي؟، وهل تنوي الحكومة مواجهة هذه العقبات الواقعة أمام ذوي الاحتياجات الخاصة لرفع الحرج عن نفسها؟.
#هذا ما سنستعرضه الجزء القادم.