«على الملك إن كان امرأة أو رجل أن يحافظ على أرضه، و يعامل شعبه بالعدل والإنصاف»
وجهت الملكة پوراندخت هذه العبارة إلى شعبها حينما تولت الحكم، ولم تكن تعلم أن بهذا الخطاب تسجل إسمها أعلى قائمة المطالبين بالمساواة بين الرجل و المرأة في الحقوق والواجبات قبل أن تتجه أنظار البشرية إلى المطالبة بهذا الحق، فاعتبرها الإيرانيون أول مطالبة بحقوق النساء في عصر لم تكن قد ظهرت فيه كلمة «فيمينست».
كانت پوراندخت الملقبة بالسعيدة هي الإبنة الكبرى للملك خسرو پرویز الملك الرابع والعشرين للدولة الساسانية آخر دول الإمبراطورية الفارسية قبل الإسلام، وُلدت عام 590 ميلاديًا، وقد جلست على العرش عام 629 ميلاديًا بعد مقتل والدها، فكانت بذلك أول امرأة تجلس على عرش إيران.
وتقول المصادر الفارسية أن فترة حكمها تزامنت مع فترة نهاية خلافة أبو بكر الصديق وأوائل فترة خلافة عمر بن الخطاب، لكن المصادر العربية تؤكد أنها توفت قبل وفاة النبي وهي من قال عنها الحديث الشريف «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة».
وهذا التعارض التاريخي يؤكد إما عدم صحة إنتساب الحديث إلى النبي، أو عدم صحة التأريخ لهذه الفترة، وعلى كل حال فقد اتفقت المصادر التاريخية المختلفة على ذكرها كامرأةٍ عاقلة و ذكية وعادلة إجتهدت في تحسين الأوضاع الداخلية لإيران بعد حروب دامت لسنوات مع الإمبراطورية البيزنطية أدت إلى حدوث مشاكل اقتصادية كبيرة وأزمات، لذا شرعت في عمل إصلاحات كبيرة.
ولكن لم يستمر حكمها طويلًا حيث توفت بعد عام وأربعة أشهر من توليها الحكم، أثناء بدء الحروب الفارسية العربية لفتح إيران، لتصبح أول حاكم فارسي يتوفى وفاة طبيعية خلال تلك الحقبة من الإضطرابات والفتن والأزمات، وقد خلفها للحكم شقيقتها آزرميدخت و يزدجرد الثالث، ثم سقطت الإمبراطورية الفارسية إلى الأبد.
تخليدها في الشاهنامه
الشاهنامه أو كما تعني بالعربية «كتاب الملوك» هي ملحمة ألفها الشاعر الفردوسي الطوسي ليخلد فيها أبطال وملوك تاريخ إيران الأسطوري والحقيقي، وقد وصف الملكة پوراندخت بأنها نشرت العدل بين رعاياها وكانت تعطي الأموال للفقراء وتساعدهم.
سياستها الداخلية
استطاعت پوراندخت والذي يعني اسمها «المرأة الجميلة» أن تكسب حب الشعب لها، رغم أنها تولت الحكم في أسوء فترات تاريخ إيران وأكثرها فوضى، فقد بدأت حديثها مع الشعب بضرورة العدل والإنصاف، وأصدرت فرمان بمعاملة المزارعين معاملة حسنة، و إعادة تشييد جميع جسور الإمبراطورية، كما كانت تضرب العملة بصورتها.
سياستها الخارجية
كانت فترة حكمها تتسم بالهدوء النسبي مع الدول الأخرى، حيث اتبعت سياسة حكيمة معهم، وأشهر الوقائع كانت إعادة الصليب المقدس إلى القدس، وهو الصليب الذي يعتقد المسيحيين أن المسيح قد صُلب عليه، وقد أخذه والدها غنيمة في إحدى حروبه مع الروم، فأصدرت فرمان أن تحمل قافلة الصليب المقدس وأرسلت معها بعثتها الدبلوماسية إلى حاكم الروم هراکلیوس المعروف لدى العرب باسم هرقل؛ لتهدأ الأوضاع وبالفعل استطاعت أن تعقد هدنة معه.