لبردة البوصيري تأثير كبير في العالم الإسلامي، إذ تم حفظها وترديدها منذ نظمها البوصيري في القرن السابع الهجري حتى العصر الحالي، كما نظم على منوالها عشرات الشعراء في مختلف الأقطار، بالإضافة إلى ظهور العديد من الشروح والترجمات لها، وهو ما برع فيه الأيرانيون، إذ نالت تلك البردة نصيب الأسد في الأشعار التي رددها أهل إيران من المسلمين، مؤسسة بذلك طريقة معتمدة للمدح سميت فيما بعد باسم “المدائح النبوية”.
مقدمات
أصبح من المتعارف عليه في مقدمات الأدب الفارسي أن يبدأ الكاتب بمقدمة عبارة عن ابتهال إلى الله، وشكره، بالإضافة إلى مدح الرسول، كما في منظومة “مخزن الأسرار” لنظامي الكنجوي، ومنظومة “منطق الطير” لفريد الدين العطار، و”بوستان” لسعدي الشيرازي.
أما عن تأليف البوصيري نفسه لهذه البردة، فهو شاعر مصري أصيب بشلل نصفي، نظم هذه القصيدة تقربًا إلى الله لينال الشفاء، والبردة تبلغ أبياتها عدد 161 بيتًا، تتناول أبياتها الغزل في أولها، ثم تنتقل إلى ذكر النفس ومنعها من الهوى، ثم ينتقل الشاعر إلى موضوعه الأهم وهو مدح النبي، والحديث عن مولده ومعجزاته، يليها الحديث عن شرف القرآن الكريم، وشرح معراج النبي، إلى جانب غزواته، ثم ينوسل بالرسول، وأخيرًا يناجي الله ويتضرع له لكي يقضي حاجته، التي أنشد شعره من أجلها.
رواج
ومن جانبها راجت القصيدة بشكل كبير داخل المجتمع الإيراني، بل أصبح لهذه القصيدة كرامات يتوسل بها قراؤها إلى الله مع وجود سبعة شروط لوصولها جيدًا، أولها الوضوء، ثم التوجه إلى القبلة، وكذلك الدقة في قراءة ألفاظها وإعرابها، وفهم القارئ لمعانيها؛ لأن الأدعية إن لم تكن مفهومة من قائلها فإنها تكون بلا أثر، بالإضافة إلى قراءتها بطريقة منتظمة، كما أنه يجب قراءتها عن ظهر قلب، وأخيرًا الصلاة على النبي على طريقة البوصيري الخاصة التي يذكرها بعد كل بيت.
وقد وصلت شهرة هذه القصيدة في أنها كانت تقرأ في المنازل والمدارس والمساجد، كما كان يتم التبرك بها بعد القرآن الكريم، إلى جانب التوسل بها لشفاء المرضى، ومازالت تقام حتى الآن في إقليم كردستان بإيران مجالس الذكر على هذه الطريقة بمناسبة المولد النبوي الشريف.
تراجم وشروح
وقد كتبت العديد من التراجم والشروح لهذه القصيدة في إيران، إذ وصلت الشروح إلى سبعين شرحًا بالعربية والفارسية والتركية والأردية، من هذه التراجم ترجمة أبي القاسم الجنيد بن بهرام الشيرازي في القرن الثامن الهجري، وترجمة محيي الدين محمدن وترجمة محمد حافظ شرف في القرن التاسع الهجري.
أما عن الشروح الفارسية فمنها شرح محمد أفضل أبن روزبهان في القرن العاشر الهجري، وغضنفر بن جعفر الحسيني في القرن الثالث عشر الهجري، ويعد أهم الشروح الفارسية هو شرح شرف الدين على اليزدي الذي توجد منه الكثير من النسخ الخطية.