في الوقت الذي تقترب فيه الحرب الأهلية في سوريا من نهايتها، يتعرض النشاط الإيراني في البلاد لتدقيق متزايد، وتعمل أمريكا وإسرائيل ودول الخليج جاهدةً على انحساب القوات الإيرانية من سوريا، وهو شرط أساسي لحل النزاع.
والجدير بالذكر أن إدارة ترامب ليست متسامحة مع طموحات إيران الإقليمية في المنطقة كإدارة أوباما التي سبقتها.
وقد حافظت وزارة الدفاع الأمريكية على الوجود العسكري الأمريكي في سوريا بعد هزيمة تنظيم داعش بالعراق والشام من أجل منع إيران من إنشاء ممر بري بين العراق ولبنان عبر الأراضي السورية.
وخلال العام الماضي، نجح التحالف الذي تقوده أمريكا في منع المليشيات المدعومة من إيران من إنشاء موطئ قدم لها على الضفة الشرقية لنهر الفرات، كما منعتها من التقدم باتجاه معبر التنف الحدودي بين سوريا والعراق بالقرب من الحدود الأردنية، حيث تحتفظ بوجود عسكري لمراقبة الحركة الإيرانية على الطريق الرئيسي بين بغداد ودمشق.
وخلال العام الماضي، حدث تحول في سياسة إسرائيل تجاه سوريا، فمنذ بداية الحرب الأهلية بسوريا في الفترة من 2011 إلى منتصف 2017، كان لدى إسرائيل سياسة مفادها عدم التدخل، والتي عملت قطعًا لصالح إيران.
وخلال هذه الفترة، تغاضت إسرائيل عن الوجود العسكري الإيراني في سوريا، حيث كان هدفها الأساسي هو دعم النظام السوري ومنع فوز المعارضة، ولم تعتبر إسرائيل الصراع السوري تهديدًا، حيث أضعفت خصومها على جانبي الانقسام.
غير أن سياسة إسرائيل تحولت في العام الماضي رداً على استراتيجية إيرانية جديدة في سوريا، ومنذ بداية النزاع، كان هدف إيران الأساسي هو الدفاع عن الأسد.
إستيلاء سوريا على درعا بعد هجوم استمر لاسبوعين
وفي العام الماضي، عندما أصبح واضحًا أن الأسد قد ربح الحرب، حرصت إيران على إقامة وجود عسكري دائم لها في سوريا لتحدي إسرائيل.
وكان خطة إيران هي إنشاء قوات شبه عسكرية مستقلة عن الحكومة السورية على غرار حزب الله في لبنان، وهو الأمر الذي يشكل تهديدًا صريحًا لمصالح إسرائيل.
وفي يوليو 2017، حاولت إسرائيل إدخال بند في اتفاقية تهدئة بين أمريكا والأردن وروسيا لإبقاء القوات الإيرانية على مسافة 40 كم على الأقل من مرتفعات الجولان المحتلة، لكنها فشلت.
ونتيجة لذلك، قررت أن تتولى زمام الأمور، فقامت القوات الجوية الإسرائيلية في أوائل عام 2018 بتكثيف ضرباتها ضد القواعد والمواقع الإيرانية عبر سوريا.
ومما لا شك فيه أن روسيا منزعجة من تصاعد التوتر، ولكنها تعتبرها أيضاً فرصة سانحة، فالمواجهة بين الخصمين الإقليميين في سوريا يمكن أن تهدم استراتيجيتها الرامية إلى ضمان بقاء نظام الأسد وإعادة بناء الجيش السوري وإحياء الحكومية والأجهزة الأمنية.
ولكن بإمكان موسكو أيضاً الاستفادة من الضغط الإسرائيلي على طهران لإجبارها على التراجع بما يتماشى مع سياستها تجاه سوريا.
وقد أظهر هجوم الحكومة السورية على درعا المدعوم من القوات الروسية أن الروس والإسرائيليين حددوا بالفعل بعض المصالح المشتركة في جنوب غرب سوريا.
ووفقًا لصحيفة واشنطن بوست، تم التوصل إلى اتفاق لإبعاد إيران عن مرتفعات الجولان في مقابل السماح للنظام السوري باستعادة السيطرة على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الجنوب الغربي.
ومما يبدو، فالروس مستعدون للذهاب إلى أبعد من ذلك، فهم يريدون إبرام صفقة أوسع مع إدارة ترامب لتبادل الوجود العسكري الأمريكي في سوريا مع وجوده في إيران، وسيشمل ذلك سحب أمريكا قواتها من الأراضي السورية التي يسيطر عليها الأكراد شرق الفرات ومن قاعدة التنف في جنوب شرق البلاد.
ويبدو أن هذا الخيار قد نوقش خلال زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون إلى موسكو في 27 يونيو، ومن المحتمل أن يتم الانتهاء منه في قمة هلسنكي القادمة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وإذا تم التوصل إلى مثل هذه الصفقة، فإنها ستجعل الجميع سعداء، باستثناء إيران. فسوف ترضي الإسرائيليين، ودول الخليج، ونظام الأسد، الأمريكيين والروس، الذين برزوا كأكبر الفائزين في الصراع المدني السوري.
ودعت إيران روسيا في عام 2015 للمساعدة على ضمان بقاء النظام السوري بعد أن فشلت في وقف تقدم المعارضة، ولبّى الروس النداء وأنقذوا نظام الأسد، لكن يبدو أنهم يخططون لإلقاء الإيرانيين تحت الحافلة في أقرب فرصة ممكنة.
وأصبح الإيرانيون أكثر حذرًا من السياسات الروسية في سوريا وغيرها من الأماكن خلال الشهور الأخيرة، وزادت شكواهم من عدم اتخاذ روسيا أي فعل لوقف حركة القوات الجوية الإسرائيلية فوق سوريا على الرغم من امتلاكهم لأنظمة مضادة للصواريخ الجوية، وقد دفع هذا البعض إلى الاعتقاد أن روسيا تتغاضى عن تصرفات إسرائيل ضد إيران في سوريا.
كما اتخذ الروس موقفًا متناقضًا عندما قرر ترامب سحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني.
وأشار نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف إلى أنه يتعين على إيران تقديم بعض التنازلات لإنقاذ الاتفاق، كما انحازت روسيا إلى جانب السعودية -العدو اللدود لإيران- عندما نوقشت الزيادة في إنتاج النفط لكبح الأسعار، وقامت روسيا في اجتماع أوبك الأخير، بالضغط على إيران لإسقاط تحفظاتها على هذه المسألة.
ومن المحتمل جداً أن تخطط روسيا والمملكة العربية السعودية للتعويض عن أي نقص في سوق النفط قد ينشأ نتيجة للعقوبات الأمريكية ضد إيران التي ستدخل حيز التنفيذ في أغسطس.
وعلى مدى السنوات السبع الماضية، استثمرت إيران بكثافة في سوريا، فألقت بثقلها كله وراء نظام الأسد، حيث قدمت الدعم المالي والعسكري، وقتل مئات من الحرس الثوري الإيراني، وقوات القدس، وأفراد المخابرات.
ووفقاً للمبعوث الخاص للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، تنفق إيران ستة مليارات دولار سنوياً لدعم الأسد، ولتحقيق عائدًا على استثماراتها، أملت إيران في الحصول على جزء كبير من إعادة الإعمار في سوريا بعد الحرب، وكل هذه الاستثمارات معرضة الآن لخطر الضياع.
وستبذل إيران كل ما في وسعها لمقاومة أي محاولات لإخراجها من سوريا، وهو رصيد مهم للغاية في لعبتها الجيوسياسية. وإذا خسرتها، فسوف تضعف قبضتها على العراق وسيتم حظر طريقها البري المباشر الوحيد إلى لبنان، حيث يوجد مقر حزب الله.
وقد يتسبب هذا في انهيار مشروع الشرق الأوسط بأكمله في إيران، ووفقاً لأحد المسؤولين الإيرانيين، فإن سوريا أكثر أهمية لإيران من إقليم خوزستان الجنوبي الغني بالنفط.
ومع ذلك، يبدو أن خيارات إيران محدودة، فمن الصعب جداً مقاومة الإجماع الأمريكي-الروسي-العربي-الإسرائيلي الناشئ على إبعاد قواتها عن سوريا لإرساء الاستقرار في البلد الذي مزقته الحرب.
وبشكل عام، فإن الحرب الأهلية السورية وهي صراع كان يُنظر إليه في يوم من الأيام كأعظم نصر لإيران في المنطقة، قد ينتهي بها المطاف إلى أن تصبح أكبر فشل إقليمي لها في المستقبل القريب.