للحدائق أهمية ملحوظة داخل المجتمع الإيراني، فقد ذكرت اسم الحدائق في الكتب المتعددة التي كتبها الشعراء والأدباء أو رجال الدين والمتصوفة على مدار تاريخ إيران، وفي كثير من الأوقات سمى أصحاب الحدائق حدائقهم باسمائهم لارتباطهم بها، وهو ما يؤصل لارتباط قوي بالفعل ناحية هذه الحدائق، جعلت أصحابها يزيدون في العناية بها حد التميز.
اهتمام قديم
بدأ الاهتمام بتنسيق الحدائق داخل إيران منذ قديم الزمان، فقد نقل الفرس عن الآشوريين فن تنسيق الحدائق المنقول بالأساس عن الفراعنة القدماء، أما السمة المميزة للحدائق الفارسية فقد ظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد، إذ تم تخطيط الحدائق في السهول بين جبال فارس، إضافة إلى بناء المدن والقصور التي تحوطها الحدائق.
ويعد النظام الأشهر حينذاك هو الطراز الفارسي المنتظم، فشكل الحديقة يميل إلى المربع أو المستطيل، يقسمها طريقان متعامدان إلى أربعة أجزاء متساوية، وغالبًا ما يوضع عند التقاء فسقية أو بركة ماء، تحاط بأسوار عالية مزخرفة تتسلقها النباتات المزهرة، وتحاط الممرات الرئيسية بصفوف متناظرة من الأشجار.
جهار باغ
كان الأسلوب الأبرز الذي تم تخطيط الحدائق به منذ عهد الساسانيين يعرف باسم “جهار باغ” حيث يتم تقسيم الحديقة عن طريق محورين أساسيين يتقاطعان عادة في منتصفها، وتشكل المحاور الرئيسية بقنوات المياه والممرات الواسعة الطويلة، أما المحاور الفرعية فتتقاطع مع المحاور الرئيسية بحوض ماء، ولتحقيق مزيد من الخصوصية فإن الحديقة تحاط بأسوار عالية تبنى من الطوب في الغالب، أما في الحدائق الملكية فإن هذا السور يتم تدعيمه بالأبراج.
أما فيما يخص أسلوب الماء في هذه الحدائق، فإن القنوات المستقيمة تحدد مساحات الحشائش والمناطق الخضراء، في حين تتنوع أحجام أحواض المياه، بينما تحتوي الحديقة في الغالب على نافورة ماء واحدة، وتتنوع أشكال النوافير فيما بين المربعة والدائرية والمثمنة وغيرها.
أصفهان
تتميز أصفهان عن غيرها في أنها المدينة التي تعد أكثر تميزًا بتسيق حدائقها داخل إيران، وهو ما يظهر مما أنشأه الشاه عباس على وجه الخصوص مما يعرف باسم “طريق الحدائق الأربعة” بالإضافة إلى ميدان الشاه عباس، الذي يعد من أكبر ميادين العالم، ويتميز بالنباتات المزروعة فيه بالإضافة إلى الأشجار والمساحات الخضراء الواسعة فيه.
أقدم حديقة
أما أقدم حديقة في إيران، فيقول البعض أنها كانت موجودة في “باساركاد” عاصمة قوروش الهخامنشي في النصف الثاني من القرن السادس قبل الميلاد، وكانت عبارة عن مساحة مستطيلة مقسمة إلى أربعة أقسام من خلال قنوات المياه، ثم استمر بناء الحدائق بعد قوروش، خاصة في العصر السلجوقي الذي قام فيه ملكشاه بإنشاء كثير من الحدائق داخل أصفهان.
اهتمام تاريخي
وعلى مدار التاريخ ظهر هذا الاهتمام، فقام حكام الآق قوينلو بإنشاء العديد من الحدائق والبساتين، ثم في العصر الصفوي شيد الشاه عباس عشرات الحدائق العامة، الذي وصلت درجة اهتمامه ببناء الحدائق إلى تكليف أمراء الدولة والأعيان أنفسهم بمتابعة سير العمل كي تخرج الحديقة بأجمل شكل ممكن.
ثم تطور إنشاء الحدائق في العصر القاجاري، وهو ما سبب بإنشاء العديد من الحدائق داخل طهران، ومنها تم استحداث طرق جديدة لتزيين الحدائق مثل إقامة روابي زهور الزينة وإحاطة الحديقة بأشجار الصفصاف، واستخدام المصابيح لإنارة الحدائق.
وحتى وقتنا الحالي مازالت إيران على صادرة دول العالم التي تهتم بتجميل والعناية بالحدائق، لذا تعتبر العديد من الحدائق مزارًا سياحيًا هامًا، مثل حديقة “جمال آباد” التي تعد من أجمل حدائق إيران على الإطلاق، بالإضافة إلى موقعها الساحر.