لم تتوقف المعضلات في إيران مؤخرًا عند التظاهرات التي شنّها تجار البازار على السُلطة وعدم قدرتها على إدارة أمور البلاد بصُورة سليمة وواضحة، وعلاج هذه الأزمات بشكلٍ جذريّ. ولكن الأمر امتد إلى أسبابٍ أُخرى، كانت كبنزينٍ يُسكَب على الزيت المُشتعِل لتوه في إيران.
شُح المياه
تُعانِي إيران من أزمة مياهٍ طاحنة، انطلقت على إثرها مظاهرات شعبية في مدينة المحمرة، في الأحواز، جنوبي غرب إيران، احتجاجًا على شُح مياه الشرب وتدني الخدمات العامة المُتعلِقة بمِرفق المياه.
كما شهدت ساحة مدينة خورامشهر الإيرانية اكتظاظًا واضحًا لمئات الأشخاص المحتجين على سوء المياه من الأساس وارتفاع مستوى العكارة والملوحة والتلوث فيها. حتى أنه قد أظهرت مقاطع مصورة مواطنين يحملون عبوات بلاستيكية فارغة ويافطات عليها كتابات معارضة بالعربية والفارسية، كما يعاني سكان مدينتي خرمشهر وعبادان من نقصان مياه الشرب إذ يقف الناس في صفوفٍ طويلة أمام خزانات المياه منتظرين أدوارهم.
وفي محافظة خوزستان، تعرض 65 شخصًا للتسمم بسبب تلوث المياه.
يُذكَر أنه ضمن الجلسات التحضيرية للمؤتمر السنوي للمعارضة الإيرانية في باريس، تحدث التقرير عن خمس أزمات تُشعِل بركان الغضب الخامد في الجمهورية، ومنها كانت أزمة شُح المياه، وذكرت أن انخفاض مستوى هطول الأمطار بنسبة 9 %، وحدوث نُقصان حاد في احتياطات المياه إلى 1300 متر مكعب، وقد تسبَّب هذا الأمر في فُقدان ما يُقارب من 40 % من محصول القمح.
لم تكن أزمة المياه لتقتصر على جانبٍ من الجوانب بصفةٍ خاصة قاصدين بذلك نطاقٍ جُغرافيِّ مُحدَّد بعينه، بل الأزمة تضرب في طول البلاد وعرضها، ولكنها تتبدى بصُورةٍ جلية في المناطق العربية والسُنّية على سبيل الخصوص، لا سيما إقليم الأحواز والذي يتمتع بغالبية سُكانية من العرب السُنّة، هذا الإقليم ومُدنه قاطبة يتعرض لاستغلالٍ ماديٍّ شديد الوطأة.
إذًا فثمةً إشكالية جديدة في المجتمع الإيراني، وهي العُنصرية، والتي يُمارِسها النظام بإتقان وحرفيةٍ عالية المستوى، وهذا يرفع من درجة التراشق المُجتمعي، والإنذار بحالةٍ من الانقسامات بين الأقليات العراقية القائمة في إيران.
وقد تم تحويل مجاري الأنهار المنبثقة من أراضي الأحواز وتحويلها إلى مُدنٍ أخرى ذات أغلبية فارسية شيعية، مثل أصفهان وذلك؛ لدعم صناعات الصلب والزراعات بها، رغم بنود الدستور الإيراني التي تحظر نقل المياه العذبة من محافظة إلى أخرى سوى لأغراض الشرب.
ليت الأمر توقف عند ذلك، بل تحول الأحواز ونُظرائه من الإقاليم التي تُستهلَك مواردها بصُورةٍ غير منضبطة أو رشيدة إلى حدوث أزماتٍ كُبّار لدى هذه المناطق، إقليم الأحواز حاليًا أصبح يعتمد على أكياس مياه الشرب التي تُوزعها وزارة الطاقة الإيرانية على الأهالي. كما ظهرت أزمات من نوع التصحُر، والجفاف، وانهيار القطاع الزراعي، وارتفاع نسب الفقر، ومعدلات الغبار والأتربة، وارتفاع معدلات ملوحة المياه العذبة.
كما مثَّلت فترة حكم أحمدي نجاد للبلاد، حقبة سوداء على المياه الإيرانية، فالمهندس المهووس بالمشروعات الإنشائية أطلق العنان لبناء السدود في كل حدبٍ وصوب، وفي مناطق مختلفة حتى وإن كانت لم تستلزم بناء سدود من الأساس، ولكن ساهمت هذه السُدود في تبديد الثروة المائية عِوضًا عن حفظها، وكانت تحمل هذه المشروعات بابًا اقتصاديًا ضخمًا لقوة الحرس الثوري الذي تكفل ببنائها، إقليم الأحواز على سبيل المثال، والنابع منه نهر “كارون” أحد أطول أنهار البلاد، بامتداد 950 كيلو متر، شُيِّد على مجراه نحو90 سد.
وأدانت منظمة “حقوق الإنسان الأحوازية”، تفاقم تلك الأزمة إلى حد غير مسبوق، بعد أن نشرت صورا تُظهر لجوء السكان العرب في مدينة خرمشهر إلى تدبير كمياتهم اللازمة من المياه، باستخدام صهاريج محمولة على سيارات تتم تعبئتها من أنبوب نقل مياه، ما يجعلهم عرضة للأمراض والأوبئة.
وللاطلاع بصُورةٍ تفصيلية على وضع المياه في إيران، فقد دوَّنا في شهر يناير / كانون الثاني من هذا العام، ـلابعة تقارير مُفصلات عن حجم الأزمة وأسبابها وتداعياتها.
حقوق الإنسان
أدرج نظام الولايات المتحدة إيران على قائمته لأسوأ الدول فيما يتعلق بالاتجار بالبشر، واتهمتها بتجنيد الأطفال وسط انتقادات دولية مُوسَّعة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في إيران.
وقد قيّم التقرير أداء 187 دولة ومنطقة ويصنفها إلى فئات الأولى فيها الأفضل والثالثة الأسوأ.
وقد أدان أدان المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان استمرار تطبيق حكم الإعدام ضد القُصّر في إيران، مشددًا على الحظر الصارم لمثل هذه الإعدامات بموجب القانون الغدولي بغض النظر عن طبيعة الجريمة المزعوم ارتكابها. كما أدانت منظمات حقوقية سجل إيران في الاتجار بالبشر وتجنيد الأطفال في الحروب العام الماضي، حيث نددت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية برصد انتهاكات حقوق الإنسان، إرسال السلطات الإيرانية أطفالًا للقتال بصفوف قوات الحرس الثوري الإيراني في سوريا.
وقد ركز تقرير وزارة الخارجية الأميركية السنوي على القيود التي تفرضها طهران على الحريات المدنية والدينية وحرية التعبير، بالإضافة إلى الاعتقال التعسفي وإفلات المسؤولين الحكوميين وقوات الأمن من العقاب، إلى جانب العنف الممارَس ضد النساء والأقليات العرقية والدينية.
تُثير قضايا حقوق الإنسان في إيران بين لحظةٍ وأُخرى مدى تردي الوضع الحقوقي والإنساني للمواطنين في إيران، لا سيما ملف السجون والإعدامات والتصفية الجسدية، والقمع المُمنهَج الذي تمارسه السُلُطات الأمنية في إيران ضد المُطالِبين بالحُريات والتغيير.
وقد شكَّل هذا الملف صورة واسعة لماهية تعامل النظام الإيراني مع الاحتجاجات والتظاهُرات في الداخل، بالإضافة إلى الصورة التي يعكسها هذا التعامل، في تفسير الصورة التي تتعامل بها مليشيات النظام الإيراني مع سُكان البلاد التي تذهب إليها هذه المليشيات للقتال فيها بجانب الأنطمة التي تدعمها إيران، في سلوكياتٍ لا تتسم إلا بالوحشية والانتهاك والعسف البيّن.
وصل هذا الملف إلى الإشارة لذوي الاحتياجات الخاصة الذين تُقدَّر أعدادهم بــــ12 مليون مواطن من جُملة التعداد السُكاني بالبلاد، ويواجه هذا القطاع الشاسع بصُورةٍ أُفقية ممارساتٍ تمييزية وعنصرية تتصاعد بصُورة رأسية، فيتعرضون للوصم والتمييز من قِبل العاملين الاجتماعيين في الحكومة وموظفي الرعاية الصحية وغيرهم،كما أن الحكومة لم تخصص موارد كافية لتطوير نظام لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة لاسيما نظام المساعدين الشخصيين، والذي يمكن أن يكون مفتاح الاستقلالية والمساواة للكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة.
على الهامش
يقول مهدي عقباني، عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، إن ظاهرة الفقر والجوع في إيران وصلت إلى حد لم يعد في وسع النظام التعتيم عليها، وقالت صحيفة “جهان صنعت” في 8 أبريل / نيسان الماضي، إنه بُناءً على حسابات خط الفقر المدقع في إيران، فإن 33 في المائة من السكان، أي ما يقرب من 26 مليون شخص يعانون من الفقر المطلق، و6 في المائة يعيشون تحت خط الجوع.
في مقابل حجم إنفاق سنوي إيران لدعم نظام بشار الأسد، بمقدار ستة مليارات دولار، وهذا ما يؤكد إعلان صندوق النقد الدولي، أنه تمّ في العام الماضي سحب مبلغ قياسي من رأس مال البلاد قيمته 27 مليار دولار.
هذه الأرقام الضخمة والتي لا تتسق مع حجم المعاناة التي تحياها جماهير الشعب الإيراني، تُضيِف معاناةً أكبر على مآسي إيران، وهو حجم الفساد المتفاقم داخل الحمهورية.
من أزمة تجار البازار إلى ملف حقوق الإنسان مرورًا بشُح المياه، أزمات تقجرت جراء تراكُمات زمنية مع إهمال حكوميٍّ شبه مُتعمَد، تطرح لنا كثير من الأسئلة نُجيِب عنها في الجزء الأخير في التقرير القادم.