من منا لا يعشق النهايات السعيدة اللحظة التي تستقيم فيها الأمور أمام بطل الحكاية لحظة التلذذ بهزيمة غريمه الشرير لحظة الفوز بالفتاة التي يراها في عينيه ملكة جمال الكون، لحظة فرحة النجاح، ونظرة الفخر المنبعثه من والديه وأصدقائه وجيرانه، لحظة الوصول إلى هدفه بعد عرق وجهود سنوات طويلة ومتواصلة، تلك النهايات تعطينا ما نريده وتشبع ما تتمناه أنفسنا.
ورغم هذا في بعض الأحيان نرتضي ونقتنع بنهاية حزينة لم نصل فيها إلى النهاية المرجوة والمأمولة بالأخص حين نكون حاضرين وشاهدين على الجهد المبذول من قبل بطل الحكاية ومعزين أنفسنا أنه ليست بالضرورة أن تكون تلك نهاية الحكاية فبالتأكيد هناك فصلا أخيرا حتما ستسقيم فيه الأمور ونشبع خلاله شهوة مشاهدة النهايات السعيدة.
وهذا هو ما نستطيع أن نصف به حكاية المشاركه الخامسة لإيران بنهائيات كأس العالم لكرة القدم، بعدما ودع المونديال الجاري –روسيا 2018- رسميا مساء أمس الاثنين بعد احتلاله المركز الثالث في سلم ترتيب مجموعته بفارق نقطة واحدة فقط عن صاحبي تذكرتي الصعود إلى دور الستة عشر عن تلك المجموعة.
من اين بدأت الحكاية؟
قصة المشاركة المونديالية هذة المرة بدأت بقرار جيد من الاتحاد الإيراني لكرة القدم بالإبقاء على البرتغالي كارلوس كيروش على مقعد المدير الفني للمنتخب الإيراني رغم النتائج المخيبة للأمال في نهائيات كأس العالم الماضية نسخة البرازيل 2014.
لكن النتائج الجيدة لهذا القرار لم تتأخر في الوصول بعدما قاد المدير الفني السابق للمنتخب البرتغالي ونادي ريال مدريد الإسباني المنتخب الإيراني للصعود إلى نهائيات كأس العالم الجاري الأن للمرة الثانية على التوالي والخامسة في تاريخه الكروي وقبل انتهاء عمر التصفيات بجولتين كاملتين ودون تلقي أية هزيمة من خصومه.
كل الأمور أصبحت مستقيمة، المنتخب الايراني يحقق نتائج مبهرة في جميع مبارياته الأندية الإيرانية على نفس المنوال في مشاركتها الأسيوية ويتواجد أربعة فرق إيرانية في مرحلة المجموعات من دوري أبطال أسيا ينجح ثلاثة منهما في التواجد بدور الثمانية اللاعبين الإيرانين المحترفين بالدوريات الأوربية والخليجية يشاركون بصفة أساسية مع أنديتهم ويقدمون لهم العون اللازم في تحقيق النتائج الجيدة بل ينجح أحدهم في الفوز بجائزة هداف الدوري الهولندي.
متى وكيف تعقدت؟
أمام كل هذا كان لابد أن ترتفع سقف طموحات الجماهير الإيرانية في مشاهدة منتخبهم بالعرس المونديالي الجاري بصورة مغايرة ويعود من جديد إلى طريق الانتصارت التي غابت عنه منذ مونديال فرنسا 1998 حين حقق الفوز على منتخب الولايات المتحد الأمريكية.
لكن القرعة تخذل الإيرانيين وتضع منتخبهم في المجموعة الأصعب رفقة بطل العالم نسخة 2010 المنتخب الإسباني وبطل أوربا نسخة 2016 المنتخب البرتغالي وأقوى المنتخبات الإفريقية المنتخب المغربي، الجميع بما فيهم الإيرانيون وقتها أكدو أن تذكرتي التأهل عن تلك المجموعة محجوزة لإسبانيا والبرتغال وإذا حدثت منافسة ستأتي من قبل المنتخب الإفريقي وليس من منتخب بلادهم.
الحكاية ازددات تعقيدا بعد الصورة غير المقنعة التي ظهر عليها المنتخب الإيراني خلال جميع مبارياته التحضيريه للمونديال وليست المباريات التي تجرع فيها مرارة الخسارة فقط حتى المباريات التي فاز فيها جاء فوز ضعيفا باهتا مقلق وغير مقنع.
ثم جاءت ذروة التعقيد أو بلغة الحكايات النقطة التي الأكثر سواد وظلمة والتي ينتظر بعدها نور الفجر المضيء، بمعاقبة المنتخب الإيراني بسبب انتمائه لتلك الدولة المفروض عليها عقوبات من قبل بعض الدول والواقعة في مشاحنات سياسية مع عدد كبير من الدول الأخرى وتمثل الأمر في إلغاء مباريات ودية ثم منع شركة NIKE الأمريكية أحذيتها عن لاعبين المنتخب الإيراني امتثالا منها للعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.
انفجار الثورة
في كل الحكايات جيدة الصنع دائما هناك مشهد انفجار ثورة بطل الحكاية ذلك الجزء من الرواية الذي يثور فيه على التوقعات ويقدم ما يثبت أنه يستحق أن يكون بطل حكايته، وذل الجزء من حكاية المنتخب الإيراني تتمثل في مواجهته الاولى بمرحلة المجموعات أمام المنتخب المغربي.
كل التوقعات كانت تصب في صالح المنتخب الإفريقي الجماهير كانت تعتقد ذلك والخبراء أيضا لدرجة أن المعلق التونسي عصام الشوالي أثناء ممارسة عمله والتعليق على مجريات مباراة المنتخب المصري ومنتخب أوروجواي في افتتاحية مباريات كلا منهما بمرحلة المجموعات قالها صريحة لا ننتظر نتائج مبهرة من منتخبات مصر والسعودية وتونس في مواجهتهم الأولى ولم يذكر المغرب وعلل ذلك أنه من الطبيعي أن يتخطي منتخب المغرب العربي نظيره الإيراني لأنه أقوى فنيا وقادر على سحقه بعكس باقي المنتخبات العربية التي ستواجه منتخبات أعلى منها من الناحية الفنية.
لكن وعلى عكس كل التوقعات فجر المنتخب الايراني ثورته وفاز على المنتخب المغربي في الوقت بدل الضائع من المباراة وحقق فوزه الثاني بالمونديال بعد عشرون عاما كاملة من فوزه الأول وليس هذا فقط بل صدر الأمل إلى نفوس كل مشجعيه والاحترام والتقدير إلى نفوس باقي منتخبات المجموعة وأكد لهم أنه لم يأتي إلى روسيا مبكرا كأول منتخب تصل بعثته إلى الأراضي الروسية لمغادرتها سريعا.
الضربة التي كسرت العظام
انتهت الجولة الاولى من مرحلة المجموعات بتصدر المنتخب الايراني برصيد 3 نقاط بعد تعادل إسبانيا والبرتغال، وهنا جاءت مرحلة الجولة الاصعب ماذا يستطيع ان يقدم المنتخب الإيراني أمام إسبانيا التي أمطرت شباك البرتغال بثلاثة أهداف؟
الرد على هذا التساؤل جاء قويا من لاعبي أيران ومديرهم الفني ففي 90 دقيقة وأضف عليهم الوقت الضائع أظهروا أنه لا يوجد فوارق بين المنتخبين وكيفما من الممكن أن تفوز إسبانيا بالمباراة في أي توقيت يمكن أيضا لإيران أن تحقق ذلك خاصة بعدما أظهرات قوتها الدفاعية الصلبة ومن خلفها براعة حارس مرمامهم وحتى بعدما نجحت إسبانيا في التسجيل ومع انتظار الانهيار لم يحدث وتماسك الإيرانينون وهددوا مرمى خصم بضراوة بل وأحروزوا لكن القرار حكم المباراة لم ينصفهم وألغى هدف تعادلهم الصحيح، لتخرج إيران خاسرة في ضربة موجعة ومضعفة لموقفها نحو تحقيق حلمها بالتأهل لمرحلة المقبلة.
مشهد النهاية
الفصل الأخير من الحكاية المنتخب الإيراني يواجه المنتخب البرتغالي والفوز فقط يضعه في دور الستة عشر أو التعادل مع انتظار المغرب أن تقدم لها هدية وتلحق الهزيمة بإسبانيا وهذا كان مستبعد كرويا خاصة مع إعلان إقصاء المغرب رسميا مع انتهاء مبارايات الجولة الثانية.
وكعادة مشاهد النهاية عظيمة الصنع تتعقد الامور على البطل هدف في مرماه في الشوط الاول خلافات بين اللاعبين الايرانين ومشادات بين جارس المرمى وخط دفاعه بسبب سوء تنسيق بينهم كاد ان يمنح المنتخب البرتغالي هدف ثاني، ركلة جزاء لصالح البرتغال في بداية الشوط الثاني.
إذا الأمور تتعقد وهذة ليست النهاية التي كان ينتظرها الإيرانين، لكن حارس مرماهم يبقى علي الأمل ويتصدى لركلة الجزاء ويبقى على النتيجة 1/0 للبرتغال، تبدأ إيران في التحرك وحاولة إدراك التعادل وتحقيق الفوز.
محاولات هنا ومحاولات هناك لكن لا تجدي هجمات من الأطراف وهجمات من العمق لا تجدي أيضا تسديدات وضربات رأس لا فائدة أيضا حتى يأتي الوقت بدل الضائع وتحرز إيران وتدرك التعادل وتحارب من جديد لتحقيق الفوز لكن لا يتحقق، وفي نفس التوقيت تتعادل إسبانيا مع المغرب لتتصدر مجموعتها وترافقها البرتغال كمركز ثاني إلى دور الستة عشر.
صحيح إيران هذه المرة لم تنجح في تخطي دور المجموعات من جديد كسابق المرات لكن مشاركتها تلك تستحق التذكر مستقبلا، فالأمر كان أشبه بالملاكم الشاب الواعد الذي تضعه الظروف في مواجهة بطل العالم لسنوات وسنوات وأمام كل التوقعات بأن الملاكم الشاب لن يصمد لأكثر من جولة وسينتتهي اللقاء سريعا بالضربة القاضية لصالح بطل العالم، يفاجىء الملاكم الصغير الجميع ويظهر ندا قويا وصلبا أمام بطل العالم وتنتهي المواجهة بعد انتهاء توقيت جميع الجولات التي استطاع أن يصمد حتى أخرها ليلجأوا إلى التحكيم لمعرفة من الفائز بهذه المواجهة العصيبة والحماسية فتنصف أراء الحكام بطل العالم ويعلنوه فائزا من جديد لكن الجماهير والحكام وحتى بطل العالم يقفون احتراما وتقديرا لبسالة ما قدمه هذا الملاكم الشاب اليوم.