هآرتس
عام كامل قد مر منذ قطعت السعودية والإمارات المتحدة والبحرين ومصر علاقتهم مع قطر، وأوقفوا صادرتهم منها، وطردوا مواطنيها من دولهم، وحظروا رحلات الطيران القطرية من مجالهم الجوي واستخدام طائراتهم.
نجت الدولة الصغيرة من هذه العاصفة بالسحب من احتياطي نقدها الكبير، وبتعميق تحالفها مع تركيا وإيران، واستخدام موقعها الاستراتيجي في الخليج العربي كأكبر منتج للغاز الطبيعي المسال لمواصلة شحنه لدول العالم الكبرى.
وقد بدأ الحصار في الخامس من يونيو العام الماضي للضغط على قطر لتغيير سياساتها، فقد أثار دعم الدوحة للجماعات الإسلامية المعارضة وعلاقاتها مع إيران غضب جيرانها مما دفعهم لاتهامها بزعزعة استقرار المنطقة وإيواء ودعم الإرهابيين، وطالبوا قطر بتغيير مسارها، وإغلاق قناة الجزيرة الإخبارية، وطرد القوات التركية من قاعدتهم في قطر.
وعارضت قطر الاتهامات الموجهة إليها ورفضت المطالب واصفةً الحصار بأنه محاولة ذات دوافع سياسية للتقليل من سيادتها وسلطتها.
وعند اندلاع الأزمة الدبلوماسية، هرع القطريون إلى متاجر البقالة بالدوحة لإفراغها من المنتجات الغذائية السعودية والاماراتية، ووفقًا لصندوق النقد الدولي، فإن سدس واردات قطر كان يتم انتاجها في تلك الدول التي فرضت عليها العقوبات التجارية.
أغلقت السعودية الحدود البرية الوحيدة لقطر، وقامت الإمارات كذلك بحظر الشحنات القطرية من موانئها، ولكن الحكومة في الدوحة سرعان ما وجهت الإمدادات عبر موانئ سلطنة عمان والهند.
وبدلًا من الاعتماد على واردات جيرانها العرب، إلا أنها سدت ثغرات الاستيراد من تركيا وإيران، وقامت بإعادة توجيه رحلاتها عبر المجال الجوي الإيراني، وعززت تركيا وجودها العسكري في قطر.
وفي غضون يوم واحد، تم إعادة ملئ الرفوف، كما نقلت قطر آلاف الأبقار للبلاد لزيادة الإنتاج المحلي من الألبان ومنتجاتها.
وأشاد المواطنون وبعض سكان البلاد المغتربين والذي يبلغ عددهم 2 مليون أجنبي بسرعة استجابة الحكومة لمواجهة الأزمة.
وقال غيرد نونمان، وهو أستاذ العلاقات الدولية والدراسات الخليجية في فرع قطر بجامعة جورج تاون: “لا يوجد نقص في الحياة اليومية على الإطلاق”.
وقال أنه شعر بالصدمة، فإن المؤسسات -ولأول مرة- في دول الحصار لم تعد تتعامل مع المؤسسات في قطر، وأنه لم يعد يتكلم مع الكثير من أصدقائه في تلك الدول بسبب الضغوط السياسية وذلك غالبًا لشعورهم أنه من غير الآمن أو من غير المستحسن أن يتواصلوا معهم.
وبخلاف ذلك فإن الحياة اليومية في قطر مستمرة دون منغصات.
كما تم إعادة توجيه إمدادات البناء، مما سمح لقطر بمواصلة بناء طرق جديدة، وفنادق وملاعب ضخمة استعدادًا لاستضافة نهائيات كأس العالم لعالم 2022.
ومع ذلك، أثّر انخفاض أسعار النفط والصدع الدبلوماسي على الاقتصاد القطري، فبحلول العام الماضي، انخفضت أسعار العقارات بنسبة 11%، وانخفضت ودائع القطاع الخاص المقيم والتمويل الأجنبي، فعلى سبيل المثال انخفضت ودائع غير المقيمين بمقدار 40 مليار دولار.
وتباطأ نمو الاقتصاد غير النفطي في قطر من 5.6% إلى 4% في عام 2017.
وعلى الرغم من ذلك، فقد استقرت البلاد من خلال السحب من احتياطها الوفير وأصولها النقدية وذلك لضخ الأموال للبنوك المحلية ولدعم الإقتصاد.
وفي المقابل، فقد تعرض احتياطي البنك المركزي القطري لضربة، فقد انخفض من 31 مليار دولار في 2016، إلى 15 مليار دولار في العام الماضي ثم ازدادوا إلى 18 مليار دولار بنهاية يناير السابق.
إلا أن ذلك يعدّ جزءًا ضئيلًا من ثروة قطر، فهيئة الاستثمار القطرية هي صندوق الثروة الحقيقي في البلاد، فقد باعت الهيئة بعض أسهمها الخارجية في العام الماضي وأعطاها ذلك أصول تقدر بحوالي 318 مليار دولار، ويعطي ذلك لقطر ثروة كبيرة للمناورة.
تملك قطر عدد سكان صغير يزيد قليلًا عن 300 ألف مواطن، ومع ما تملكه من أكبر حقل للغاز في العالم، تتميز قطر بأعلى دخل للفرد في أي بلد في العالم.
وكما يقول الخبراء الاقتصاديون، فإن البنوك القطرية في وضع جيد للتعامل مع أي صدمات.
وتعد قطر أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم، مما يجعلها غاية في الأهمية لدول مثل الصين واليابان والهند وبريطانيا، والتي تعتمد على الغاز في نظامها الاقتصادي.
وعلى الرغم من انقطاع العلاقات، فمازالت قطر ترسل نحول 56 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميًا إلى الأمارات وهو ما يعادل ثلث احتياجاتها اليومية، يذهب منهم ما يعادل 5.66 مليون متر مكعب لسلطنة عمان.
المتضرر الأكبر من ذلك الحصار هو الشركة الوطنية القطرية للطيران، فقد كانت تطير إلى 16 مدينة في الدول المحاصرة، ويقول الرئيس التنفيذي للشركة أنها تتوقع خسائر مالية كبيرة.
تضررت أيضًا أسعار السياحة إلى حد كبير، فقد انخفض عدد السياح الوافدين من البلدان الأخرى بنسبة 8.5%، وانخفضت نسبة السياح الوافدين من دول الخليج إلى حوالي 10% بعد أن كان نصف السياح الوافدين إلى قطر من دول الخليج المجاورة.
ومع وجود دلائل قليلة على انتهاء المواجهة قريبًا، تحاول قطر جذب المستثمرين بالتشريعات التي تسمح للشركات الأجنبية بتمليك الشركات المحلية بنسبة 100% كما تدرس الإمارات قانونًا مشابهًا.
ويبدو أن إدارة ترامب قد غيرت موقفها من الأزمة القطرية، وأصبحت أقل دعمًا لمخاوف السعودية والإمارات.
وتعد قطر هي المقر الرئيسي للقيادة الأمامية للجيش الأمريكي، وتستضيف حوالي 10 آلف جندي أمريكي.
وفي تحليل أخير، قال أيهام كامل من مجموعة يوراسيا أن الحل الجزئي للأزمة أصبح واقعيًا بشكل متزايد، لكنه لن يتضمن سوى إجراءات رمزية مثل تخفيف القيود على سفر المواطنين القطريين عبر المنطقة لإثبات حسن النية دون تخفيف الضغوط الاقتصادية على الدوحة.
تأثرت العائلات المختلطة الجنسية في الخليج بهذه الإجراءات، وتم سحب الطلاب القطريين في دول الخليج من الامتحانات النهائية، كما أدت الأزمة إلى توتر القرابة التقليدية في المنطقة.
وتقول هيا بنت الوليد آل ثاني: “لقد نشأنا على أهمية وحدة الخليج، وكنا نلقن دائمًا من قبل آبائنا وأجدادنا أننا مجتمع واحد، وأننا مرتبطون بجذور عرقية مشتركة، وقيم ثقافية ودينية واحدة”، وهي طالبة جامعية منحدرة من أسرة آل ثاني الحاكمة.
وأضافت أن الحصار الذي قام به ثلاثة من أعضاء مجلس التعاون الخليجي المؤلف من ستة دول، جعل القطريين يشعرون “بالخداع والخيانة” وقالت أيضًا: “أعتقد أن قدرة قيادتنا على الاستجابة السريعة وضمان الحفاظ على نفس جودة الحياة اليومية بغض النظر عن الظروف السياسية جعلتني أشعر بالفخر الشديد الذي لم أشعره به من قبل”.