تعكس الوثيقة المشتركة التي وقعها زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ والرئيس الأمريكي دونالد ترامب الإنجاز النهائي الأخير، وعلى التبعية فإن الزعيم الإيراني الأعلى علي خامنئي لا يسعه إلا الندم على عدم توقعه لأن يصبح ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، وأنه لم ينتظر حتى تولي ترامب للسلطة والتوقيع معه على الاتفاق النووي بدلًا من الرئيس باراك أوباما.
تعبر الوثيقة المشتركة مع كوريا الشمالية عن استعدادها لنزع السلاح النووي الكامل من شبه الجزيرة الكورية بدون أي جدول زمني، ودون التعهد بأن يكون نزع السلاح النووي لا رجعة فيه.
وعلى النقيض من ذلك، لم يطلب من إيران نزع السلاح النووي وذلك لسبب بسيط للغاية وهو “أنها لا تملك أسلحة نووية” من الأساس.
هذا وقد وقعت إيران إتفاقًا مفصلًا وصارمًا يتضمن إضافات توضح طبيعة الوسائل التي ستراقب بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية برنامج إيران النووي.
وقد ألتزمت إيران بجدول زمني لن تتمكن من خلاله من تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز 3.5 % على مدى عقد من تاريخ توقيع الاتفاقية، وأن تظل قيد التمحيص الدقيق لعقد أخر.
وأزالت إيران اليورانيوم المخصب بنسبة 20% ، وأغلقت الآلاف من أجهزة الطرد المركزي، وتعهدت بأنها إذا ما قامت بتثبيت مفاعلات جديدة فإنها ستكون من الجيل القديم.
وهذه ليست سوى أمثلة قليلة على الصفحات الـ 160 تقريبًا للاتفاقية النووية مع إيران، التي طبقت طهران بنودها دون استثناء طبقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية والحكومة الأمريكية.
وخلافًا لكوريا الشمالية وقعت إيران معاهدة لمنع الإنتشار النووي، وتعهدت أيضًا بالتوقيع على البروتوكول الإضافي لتعزيز وتمديد الضمانات وهي مسألة لم يُطلب من كوريا الشمالية معالجتها على الإطلاق في الاتفاقية المشتركة التي وقعتها ترامب وكيم جونغ، وعندما سُئل ترامب عن سبب عدم مناقشة هذه التعهدات مع كوريا الشمالية، أجاب: ” ليس هناك وقت، أنا هنا لمدة يوم واحد، وقد نوقش الإتفاق مع إيران بالتفصيل لمدة عامين قبل التوقيع عليه”.
إذا كانت إيران وقعت وثيقة مثل وثيقة ترامب وكيم، لم تكن إسرائيل وحدها من سيفقد عقله، بل أوربا أيضًا كانت ستعتبرها فشل ذريع في تلبية الحد الأدني من التهديد الإيراني .
لا يسع المرء إلا أن يضحك من تصريح ترامب بأنه سوف يسعى الآن للتوصل مع اتفاق هادف مع إيران، لأنه إن كان هذا الإتفاق الهادف يعني اتفاقيات من النوع الذي تم التوصل إليه في المهرجان الذي نظمه الزعيمان في سنغافورة، فلا داعي لخامنئي أن يقلق على الإطلاق.
ومع ذلك، فإن إيران التي وقعت على التعهد واسع النطاق بعدم تطوير أسلحة نووية في المستقبل القريب، لا يمكنها أن تتأكد من أن الاتفاق الذي وقعته مع الدول الست العالمية والذي صدّقت عليه الأمم المتحدة لن ينفجر في وجهها بعد أن قرر ترامب الانسحاب منه.
فلإيران مصلحة كبيرة في الحفاظ على الاتفاق خاصةً لأنها دخلت بالفعل في مرحلة ما بعد المعاهدة التي بدأت فيها ثمار المنافع الاقتصادية الموعودة بالظهور.
كما أنها تعمل بقوة نحو التزام حقيقي من جانب أوربا للتمسك بالاتفاق، وتوقيع عقود استثمارية واسعة النطاق مع الصين.
وقالت بكين أنها لن تتراجع عن الاتفاقية النووية ولن تنضم إلى العقوبات الأمريكية المتوقعة، وعلى الرغم من المخاوف العملاقة لبعض الشركات مثل بيجو وتيتان الفرنسية من تجميد صفقاتها مع إيران، إلا أن قائمة الشركات التي لا زالت تعمل في الجمهورية الإسلامية طويلة جدًا ولا ينوي أيًا منها الانسحاب قريبًاً.
قد تكون إسرائيل راضية عن انسحاب الشركات من الصفقات مع إيران، ولكن قد يتبين أن هذا هو رضا الركاب على متن سفينة تيتانيك.
والسؤال الأساسي الذي يبقى معلقًا دون إجابة: “كيف ستتصرف إيران إذا انهار الاتفاق وتم إعادة فرض العقوبات بالكامل وبشكل أكثر قسوة من قبل أمريكا؟” هل ستعود إلى تخصيب اليورانيوم لمستويات عالية وخطيرة؟ هل ستجدد برامجها النووية العسكرية؟ وهل من الممكن إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات بعد أن حطمت أمريكا هذا الاتفاق؟
مما يبدو أن لا أحد يملك الإجابة الشافية لأيٍ من هذهِ التساؤلات. ولكن التكهنات الأمريكية والإسرائيلية تتوقع أن العقوبات القاسية ستجبر إيران على الموافقة على اتفاق متطور، ولكن إيران التي استمرت لمدة 30 عامًا تحت درجات متفاوتة من العقوبات، أثبتت بالفعل أن لديها القوة على من أجل البقاء والحفاظ على نظامها في وجه المعارضة.
كما أثبتت قدرتها على تطوير تكنولوجيا متطورة للغاية في ظل الحظر الدولي، وأظهرت سلوكًا عقلانيًا عندما ارتفعت الفرصة للتوقيع على اتفاق.
وقد حققت إيران لسنوات طويلة ما يعرف “بالاقتصاد المقاوم”، ما يعني تخفيض الإعانات وقيود الإنفاق، ولكن لديها احتياطات كافية لتمويل المنظمات التي تعمل في الخارج وتخدم مصالحها ولدفع ثمن الفساد العميق لقيادتها.
ولذلك قد يتعين على خامنئي أن يعلن العودة إلى تلك السياسية وتخصيب اليورانيوم وتطوير برنامج إيران النووي، مما قد يشعل الحرب في المنطقة.
من ناحية أخرى قد توافق إيران على مناقشة اتفاقية منفصلة حول البنية التحتية للصواريخ الباليستية، بشرط ألاّ يأتي هذا الاتفاق بدلًا من الاتفاق النووي، وألاّ يخلق عقوبات جديدة، بل سيكون نتيجة لحركة دبلوماسية جديدة.
أما الخيار الآخر، والذي تم تعليقة خلال العامين الماضيين، فهو أن تحافظ الدول الأوروبية وروسيا والصين على اتفاقها النووي مع إيران كما لو لم يكن هناك تهديد أمريكي لتجديد العقوبات. المشكلة أن تنفيذ هذا السيناريو يعتمد على حسن نية الشركات التي لن تتعجل بالمخاطرة باستثماراتها لخدمة سياسات حكوماتها.
في النهاية لا يمكن لإيران استخلاص أي استنتاجات في الوقت الراهن من الاتفاقات التي عقدت مع كوريا الشمالية، لأنه بقدر الوعود التي قدمها ترامب بسخاء لهذا النظام الرهيب، فقد أصبحت إيران بلدًا مهددًا من قبل أمريكا.
والبلد المهدد يمكن أن يكون أكثر خطورة من بلد يعد نفسه جزءًا من الأمم.