انسحب الرئيس دونالد ترامب من الصفقة النووية الإيرانية في مايو بعد أشهر من التكهنات، وكان الإتفاق متعدد الأطراف الذي يحمل عنوانًا رسميًا ” خطة العمل المشتركة” يهدف إلى الحد من برنامج طهران النووي المثير للجدل مقابل الحصول على إعفاء من العقوبات الدولية التي تستهدف تجارة النفط المربحة في إيران مع دول مثل الهند، وبعد فترة وجيزة من إعلان الاتفاق في يوليو 2015 وصفه المسؤولون الهنود في ذلك الوقت بأنه ” أفضل صفقة متاحة “.
وانتهزت نيودلهي الفرصة لإصلاح علاقتها الاقتصادية والتجارية مع طهران التي عانت من نظام العقوبات الذي طال أمده.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، مع فرض العقوبات الجديدة في نوفمبر ، ما الذي يعنيه انسحاب الرئيس ترامب من خطة العمل المشتركة بالنسبة للشركات الهندية التي تجري الأعمال التجارية مع إيران؟ والإجابة المرجحة هنا هي خفض صادرات النفط الإيراني إلى الهند.
لطالما شكل التعاون في مجال الطاقة ركيزة أساسية للعلاقات الثنائية ، وتعد الهند ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم ، ومن المتوقع أن تصبح الأكبر بحلول 2040 ، لكن احتياطاتها المحلية الهزيلة أجبرتها على استيراد 80% من نفطها من الخارج ، بما في ذلك إيران ، ثالث أكبر مورد للنفط في الهند.
وبعد الصين تعد الهند أكبر زبون للنفط في إيران ، فقد استوردت الهند 27.2 مليون طنً من النفط الخام تبلغ قيمتها 11.1 مليار دولار ، وذلك بين عامي 2017-2018 فقط .
ومنذ أقل من عشر سنوات، استأثرت إيران بما يقرب من 17% من واردات النفط الخام إلاّ أن العقوبات التي فرضتها إدارة أوباما على طهران في 2012 ، أجبرت الهند على تقليص واردتها من النفط الإيراني بمقدار نصف مستوياتها السابقة وإلا تعرضت لحظر وصول شركاتها إلى النظام المصرفي الأمريكي نتيجة للعقوبات الثانوية.
في نهاية المطاف ، حصلت نيودلهي على العديد من إعفاءات العقوبات من واشنطن التي تسمح بمشتريات النفط الأًصغر ، بيد أن حصة إيران من واردات الهند انخفضت إلى أقل من 7%.
وعلى الرغم من أن صادرات النفط الإيراني إلى الهند ارتفعت بأكثر من 110% بعد رفع العقوبات بعد تطبيق “خطة العمل المشتركة” في 2016، إلاّ أن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق حصر الهند مرة أخرى في موقف مألوف (فإما إما أن تخفض واردتها من النفط من إيران ، أو التعرض للعقوبات الأمريكية ).
وأعلن مسؤولون هنود مؤخرًا أن الهند لا تعترف ولا تلتزم بالعقوبات الأمريكية من جانب واحد ، وتعهدت فعليًا بالحفاظ على مستويات الاستيراد الحالية ، وأدليت نيودلهي بتصريحات ممثالة في 2012 ، ولكن إذا كان الماضي دليلًا على المستقبل ، فمن المرجح أن تشهد الهند انخفاضًا في الواردات الخام لعدة أسباب منها التالي:
أولا : بدأت المصافي الهندية بالفعل في تخفيض الواردات الإيرانية طوعًا في 30 مايو ، على سبيل المثال أعلنت شركة ” ريلاينس إندستريز” التي تملك أكبر مجمع لتكرير النفط في العالم والمشتري الرئيس للنفط الخام الإيراني أنها ستتوقف عن استيراد النفط من إيران في اكتوبر نتيجة لخطر العقوبات من أمريكا ، وفي عام 2017 استوردت حوالي 67 ألف برميل يوميًا من النفط الخام من إيران، ارتفعت هذه الواردات إلى 96 ألف برميل يوميًا خلال الربع الأول من 2018 .
ومع إستيراد الهند حاليًا 604 ألف برميل يوميًا من إيران ، فإن قرار الاعتماد سيخفض صادرات إيران إلى الهند بنسبة تزيد عن 15% فقط.
والسؤال مجددًا هل ستحذو شركات التكرير الرئيسية الأخرى في الهند نفس حذوها ؟
ثانيًا: سيتعين على شركات التكرير التي تسعى إلى الحفاظ على مستويات الواردات الخام الحالية من النفط أن تواجه شركات الشحن والتأمين العالمية والتي لا ترغب في الدخول بشكل متزايد في معاملات مرتبطة بإيران بسبب مخاطر العقوبات المحدقة ، وبدون ناقلات النفط والتغطية لتأمين البضائع ، فإن تجارة النفط ستعاني حتمًا.
ثالثا : ستعود المدفوعات المتعلقة بالواردات الخام إلى الظهور كعقبة خطيرة أمام البلدين ، وبدون أمكانية الوصول إلى النظام المالي الأمريكي، سيكون على الهند وإيران استنباط حلول لتسهيل وحفظ تجارتهما في النفط .
وعلى الرغم من أن الصادرات الإيرانية الخام إلى الهند استمرت بعد 2012 بمستويات منخفضة ، فقد اضطرت نيودلهي إلى دفع تكاليفها من خلال مزيج معقد من اليورو والروبية ونظام المقايضة.
إن إحياء ترتيب مماثل سيكون مهمة هائلة ، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن العديد من البنوك الهندية قد أًصدرت تعليماتها لعملائها التجاريين بإتمام معاملتهم المالية مع إيران قبل سريان العقوبات.
وعلاوة على ذلك فإن بعض النتائج الفورية لقرار الرئيس ترامب بالانسحاب من صفقة إيران ، بدأ يرن صداها في الهند بالفعل فضعفت الروبية مقابل الدولار ، وازدادت تدفقات العملات الأجنبية إلى الخارج ، وارتفعت أسعار الغاز في المضخات في جميع أنحاء الهند بسبب ارتفاع أسعار فواتير استيراد النفط.
وفي الوقت نفسه، هناك من يرى فرصة للهند، ويتنبأ الكثيرون بأن إيران ستقدم للهند شروطُا أفضل بشأن صادراتها النفطية كحافز لنيودلهي للحفاظ علي مستويات الواردات الحالية، خاصة وأن الهند تسعى إلى تنويع إمداداتها من النفط. ورغم أنه يمكن توقع بعض التنازلات ، فانه لا تزال هناك أسئلة كثيره لم يتم الرد عليها.
وفي نهاية المطاف ، ستستمر تجارة النفط بين الهند وإيران ولكن بمستويات متضائلة. ويجب على الشركات الهندية التي لها علاقات تجاريه مع إيران أن تتصدي الآن لمجموعة من التحديات الهائلة لمواصلة التعامل مع البلد.