أدى قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من الاتفاق النووي الإيراني، في 8 مايو الجاري، وتوقيع عقوبات على محافظ البنك المركزي، لانسحاب العديد من الشركاتـ أبرزهم «توتال» و«ميرسك» العالميتين.
وأصدرت شركة «توتال» للنفط والغاز الفرنسية؛ بيانًا أعلنت فيه أنها ستضطر إلى الإنسحاب من مشروع جنوب فارس للتنقيب عن الغاز، نظرًا لانسحاب أمريكا من الاتفاق وعودة العقوبات الأميركية.
تهديدات للشركات
هدد المتحدث باسم الهيئة الرئاسية لمجلس الشورى الإسلامي شركة توتال الفرنسية بمصادرة استثماراتها في حال عدم عودتها لاستكمال أعمالها المقررة في حقل بارس الجنوبي ضمن المهلة المتاحة.
وقال المتحدث باسم الهيئة الرئاسية لمجلس الشورى الإسلامي بهروز نعمتي «المعلومات الأخيرة تؤكد عدم انسحاب الشركة رسميا من ايران وهي الآن تجري محادثات حول استمرار عملها، وفي حال عدم عودة الشركة ضمن المهلة المتاحة سيتم مصادرة استثماراتها المنجزة لصالح ايران وفق العقد المبرم».
وأضاف «نعمتي» أن العقد الموقع بين إيران والشركة ينص على فرض غرامات في حال لم تنه الشركة أعمالها المقررة ضمن مدة تنفيذ محددة، أو في حال مغادرتها لإيران وعدم استئناف أعمالها لاحقا.
وأشار من جهة ثانية إلى أن الشركات الصينية أعلنت عن استعدادها لإبرام عقود مع إيران للقيام بالاسثمار في حقل بارس الجنوبي مع الشركات الإيرانية في حال انسحاب شركة «توتال» الفرنسية.
وأكد أن حقل بارس الجنوبي هو حقل مشترك مع قطر وجميع المعلومات التي تخص هذا الحقل متوفرة لدى دول أخرى، «لذا لا خوف على تسريب معلومات سرية حول حقول النفط الإيرانية».
الصين البديل
وفي 31 مايو الماضي، هددت إيران بمنح حقوق شركة توتال الفرنسية للتنقيب في حقول جنوب بارس للغاز الطبيعي واسعة المساحة إلى الصين إذا لم تنجح توتال في الحصول على الحماية من العقوبات الأميركية المتعلقة بـ اتفاق النووي.
ونقلت مجلة نيوزويك أن وزير النفط الإيراني بيغان زنغانه قال إن مؤسسة النفط الصينية الوطنية الحكومية والتي تتمتع بحق التنقيب في 30% من مساحة المشروع يمكنها أخذ نصيب توتال البالغ 50.1%.
ووفقا لصحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية أكد زنغانه أن أمام توتال 60 يوما للتباحث مع الإدارة الأميركية كما يمكن للحكومة الفرنسية أيضا استغلال هذه الفترة للتباحث مع واشنطن حتى تستطيع توتال البقاء في إيران، وأضاف أنه إذا لم تنجح توتال في مباحثاتها، فستحل محلها المؤسسة الصينية.
وأوردت «رويترز» أن متحدثا باسم توتال قال إنهم سبق أن أعلنوا أنهم وبموجب التزاماتهم المنصوص عليها في العقد مع إيران فإنهم يتباحثون حاليا مع الحكومة الفرنسية والإدارة الأميركية للحصول على إعفاء من العقوبات الأميركية.
عقوبات
في 8 يوليو الجاري، قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الإنسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، قرارًا لم يكن مفاجئًا للجميع، حيث وصف ترامب أثناء حملته الانتخابية، الاتفاق النووي مع إيران بأنه «أسوأ اتفاق وقعته أمريكا في تاريخها».
من المفترض أن تبدأ العقوبات الأمريكية على إيران، بعد 90 يومًا، عقِب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إنسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني، الذي تم إبرامه في 2015 وساهم في رفع العقوبات الاقتصادية على طهران.
لكن عقِب الإنسحاب الأمريكي بنحو أسبوع، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، فرض عقوبات ضد إيران، تستهدف 4 أشخاص على علاقة بالحرس الثوري و«حزب الله»، ومن بين الأشخاص محافظ البنك المركزي الإيراني ولي الله سيف.
وشملت العقوبات بنك «البلاد» الإسلامي، ومقره العراق، بحسب ما ذكرته وزارة الخزانة الأمريكية على موقعها الإلكتروني على الإنترنت، وتهدد العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران بخفض إمدادات النفط العالمية.
خسائر
منذ توقيع الاتفاق النووي الإيراني سعت الشركات الأوروبية المتعطشة للأسواق الخارجية، خاصة أسواق الشرق الأوسط الغنية بالنفط والغاز، إلى عقد صفقات تجارية وتوقيع عقود طاقة وطيران وتمويل مصرفي مع إيران تفوق 60 مليار دولار.
على صعيد التمويل الخارجي لمشاريع مشتركة بين شركات عالمية ومحلية وتمويلات تجارية في إيران، من المعتقد أن تخسر إيران تمويلات تفوق 30 مليار دولار، بعد قرار الانسحاب، ومن بين الصفقات التي ستخسرها صفقات تمويل من بنوك في إيطاليا والنمسا تخص صفقات كانت في طور التوقيع لشركات أوروبية في إيران.
وتقدر قيمة هذه التمويلات بنحو 30 مليار دولار، وكانت طهران قد أعلنت عن هذه العقود في أغسطس الماضي، ووقعت إيران في العام الماضي أكبر صفقة ائتمانية لها في السنوات الأخيرة مع بنك «اكسيمبانك» في كوريا الجنوبية، وتهدف الصفقة إلى تقديم قروض تصل إلى 8 مليارات يورو لتمويل مشاريع مختلفة من قبل شركات كورية جنوبية في إيران.
يذكر أن الحكومة الإيرانية وقعت خلال زيارة الرئيس حسن روحاني إلى روما خلال العام الماضي اتفاقيات مع شركات إيطالية في مجال الطاقة والبنى التحتية تقدر قيمتها بـ17 مليار دولار.
ومن المتوقع أن تكون كل هذه الصفقات معرضة للإلغاء في أعقاب توقيع انسحاب أميركا من الاتفاق النووي الإيراني، وإعلان ترامب العودة إلى الحظر خلال 180 يوماً من الانسحاب.
ومن بين كبار الخاسرين، من الانسحاب من الاتفاق النووي، شركات صناعة الطيران في أوروبا وأميركا، وعلى رأسها كل من شركة «إيرباص»، وشركة بوينغ الأميركية.
وطلبت شركة طيران «إيران إير» 100 طائرة من إيرباص و80 طائرة من شركة بوينغ الأميركية و20 محركاً توربينياً من شركة «أيه.تي.أر»، وكانت إيران تأمل في تمويل هذه الصفقات عبر مصارف أوروبية.
وفي فرنسا، وقعت شركة رينو الفرنسية للسيارات شراكة مع إيران لاستثمار 660 مليون يورو في السوق الإيراني. وكانت رينو قد اختارت مصنعًا موجودًا بالفعل في مدينة سافيه، على بعد نحو 120 كلم جنوب غرب العاصمة الإيرانية طهران، ليكون مقراً للمشروع المشترك، وذلك بعد تطويره وتحديثه.
وبحسب عقد الشراكة الذي أعلنت عنه طهران وقتها، تستحوذ رينو على 60% من حصص الشركة الجديدة، بينما تمتلك «هيئة التحديث والتنمية الصناعية»، وهي هيئة حكومية إيرانية، 20% وشركة بارتو نيجين ناسيه وهي شركة إيرانية خاصة الـ20% المتبقية، ويستهدف المشروع إنتاج 150 ألف سيارة سنوياً، على أن يرتفع الإنتاج لاحقًا إلى 300 ألف سيارة.