وول ستريت جورنال
تسعى إدارة ترامب للضغط على إيران التي تعتمد على الدول المتشككة بشدة في الولايات المتحدة، وتقود حملة ضد الجمهورية الإسلامية يقول عنها المحللون والمسؤولون في تلك الدول ، أنها ستؤدي للوصول لنقطة حرجة وهي ” تقليص صادرات النفط الإيرانية” .
ويأتي الاستهداف الأمريكي المتجدد للإقتصاد الإيراني بعد أن سحب الرئيس دونالد ترامب الولايات المتحدة الشهر الماضي من اتفاقية إيران لمحدودية برنامجها النووي ، في مقابل استعادة العلاقات التجارية والمالية مع بقية العالم , وعارضت الأطراف الأخرى بما في ذلك الاتحاد الأوربي والصين -التي بدأت في تطوير تعاملات موسعة مع إيران – الانسحاب الأمريكي ، ويحاولون الحفاظ على الصفقة.
كانت اخر مرة مارست فيها الولايات المتحدة ضغوطًا على إيران في عهد الرئيس أوباما حين استهدف مبيعات نفط الجمهورية الإسلامية ، وهو أداة حاسمة في تعطيل اقتصاد إيران ، مما دفعها مجبرة على تقييد برنامجها النووي.
ولم تأتي إيران إلى طاولة المفاوضات في عام 2015 إلا بعد أن خفّض أكثر عملائها موثوقية مشترياتهم من النفط عبر المجلس ، حيث تراجع المشترين الأوروبيين بشكل عدواني وطوعي ، وقامت اليابان وكوريا الجنوبية ( الحلفيتين المقربتين للولايات المتحدة والتي تشاركانها مخاوفها بِشأن برنامج إيران النووي ) بخفض وارداتهما من النفط الإيراني تحت ضغط الولايات المتحدة ، في حين رفضت الهند – ثاني أكبر مشتري إيراني – الإعتراف بأن العقوبات الأمريكية مشروعة، ولكنها مع ذلك خفضت من مشترياتها لإرضاء الولايات المتحدة ، حتى الصين وهي أفضل زبائن إيران آنذاك اشترت بنسبة أقل من النفط الإيراني رغم اعتراضها بقسوة على العقوبات الأمريكية وتعهدها بتحديها.
ويقول المحللون والمسؤولون أن إعادة خلق هذا السيناريو قد يشكل تحديًا بعد انسحاب الولايات المتحدة الشهر الماضي من الصفقة المعروفة باسم خطة العمل المشتركة الشاملة.
ويقول ريتشارد إبن شقيق الرئيس السابق بوزارة الخارجية الأمريكية الذي نفذ العقوبات خلال إدارة أوباما وهو حالياً زميل في جامعة كولومبيا مركز الطاقة العالمية : ” قد تحصل الولايات المتحدة على بعض التخفيضات ولكن ليس كثيرًا” كما أردف “ثم ينتهي بنا الحال صارخين على حلفائنا الأروبيين ، وربما معاقبتهم ، و والصراخ على الهنود وربما معاقبتهم في حين أنّ إيران على المحتمل لا تعاني من أي تأثير سيئ “.
ويقول مسؤولو إدارة ترامب أنهم يتبعون نفس النهج الذي اتبعته إدارة أوباما مطالبين مشتريين النفط الإيراني بالقضاء طوعاً أو على الأقل تخفيض مشترياتهم، داعمين قولهم بتهديدات صريحة بمعاقبة أي شركة تتعامل مع إيران بحرمانها من الوصول إلى الأسواق الأمريكية والمؤسسات المالية. وكما فعلت إدارة أوباما ، فإن الإدارة الحالية تعطي الشركات ما يصل إلى ستة أشهر للبدء في إجراءات التخفيضات طواعية ، ولكن في نهاية المطاف ، قال وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين ” سنفرض الإلتزام “.
وخلافاً لأخر مرة ، فإن مشتري النفط الإيراني معادون بشكل موحد لأهداف الولايات المتحدة ، ومن المرجح أن يقاومون المطالب الأمريكية وذلك وفقاً للمحللين والمسؤولين في تلك الدول الشرائية، حتى حلفاء الولايات المتحدة في الاتحاد الأروبي يأملون في إبقاء إيران في الصفقة النووية بدون مشاركة الولايات المتحدة ، وهو أمر يقول الإيرانيون أنه ممكن فقط إذا استمرت مبيعات النفط دون قيود.
ومن المؤكد إذا ما قررت إيران التي قالت أنها ستلتزم بالصفقة الآن ، أن تتخلى عنها في نهاية المطاف، واستئناف برنامجها النووي، فإن بعض الدول التي تقاوم العقوبات الأمريكية، قد تعمل بشكل أوثق مع الولايات المتحدة مرة أخرى.
وفي عام 2012 فرضت بلدان الإتحاد الأوربي طوعًا مقاطعة كاملة على النفط من الجمهورية الإسلامية ، كما خفضت دول أخرى –كوريا الجنوبية والهند واليابان – أيضاً شرائها مدفوعة بمزيج من الضغط الأمريكي والرغبة في كبح إيران لبرنامجها النووي.
والآن يبدو المشهد مختلفًا تمامًا الآن كما يقول المحللون والمسؤولون. فعلى الرغم من التهديد الأمريكي بإغلاق شركات خارج الأسواق الأمريكية لا يزال قويًا ، إلاّ أن إدارة ترامب حتى الآن لا تملك أي دعم نشط أو تعاون مفتوح من أي مشترٍ للنفط الإيراني ، ولم تعلن الحكومات الأوربية التي حاولت ثني الولايات المتحدة عن الانسحاب من اتفاقية إيران أي خطط لخفض نفطها الإيران ، ويقول المسؤولون بشكل سري أنهم يأملون في تجنب ذلك.
ومع ذلك فإن الشركات الأوربية التي تشتري النفط الإيراني تعتمد على الأسواق الأمريكية ، ومن المتوقع أن تحّد من مشترياتها تحت ضعط الولايات المتحدة ، وأعلنت شركة ” ميرسك تانكرز أيه إس” وهي واحدة من أكبر شركات الشحن النفطي في العالم ، في الشهر الماضي أنها ستتوقف عن القيام بمهام لشحنات النفط الإيرانية ، وإلغاء أوامر العملاء الحالية ، وقالت شركة النفط العملاقة “توتال” الفرنسية أنها أوقفت الاستثمارات في حقل الغاز الطبيعي الإيراني.
ويقول المحللون أن الشركات التي تعتمد على حلفاء أمريكا مثل كوريا واليابان ، من المحتمل أن تنضم على مضض إلى مطالب إدارة ترامب.
ولكن هذا التردد بين حلفاء الولايات المتحدة قد يعوق جهود السيد ترامب مع أثنين من أكبر العملاء في إيران : الصين والهند . ويتساءل بعض المراقبين في الواقع عما إذا كان ممكنًا لأحد أو كلاهما أن يشتري بالفعل المزيد من النفط الإيراني خاصةً إذا كانت الأسعار مخفضة .
اشترت الصين النفط الإيراني بمعدل 671000 برميل يوميًا في إبريل ، بينما استودرت الهند 604000 برميل يوميًا. وتشتري هاتين الدولتان 60% من إجمالي صادرات إيران ، وأكثر من ضعف المشتريات الدولتين الأكبر كوريا واليابان ، وذلك وفقًا لشركة كبلر وهي شركة استشارية في صناعة النفط.
وخلال الجولة الأخيرة رفضت الهند الإعتراف بالعقوبات النفطية الأمريكية ولكنها في النهاية خفضت وارداتها من إيران بنحو 20% وهو ما يكفي لتفادي عقوبات من إدارة أوباما ، وقد أكدت الحكومة مؤخرًا أنها لا تعترف بالعقوبات الأمريكية الأحادية على إيران.
ولكن الإذعان بهدوء لمطالب الولايات المتحدة كما فعلت البلاد في الماضي، سيكون أكثر صعوبة اليوم ، نظرًا لأن الهند التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على واردات النفط الخام ، رفعت الرقابة على أسعار البنزين في المضخة، فإن أرتفاع سعر النفط يصيب بالفعل المستهلكين الهنود مباشرة، وهذا صداع كبير للحزب الحاكم لرئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي الذي يواجه انتخابات وطنية في أوائل العام القادم.
ويقول مسؤولون في الحكومة الهندية لواشنطن أن الهند بحاجة إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع إيران لمساعدة أمريكا بشكل أفضل في دعم تطوير ميناء رئيسي في مدينة شابهار الإيرانية ، كجزء من ممر تجاري يهدف إلى موازنة النفوذ الصيني في باكستان وأفغانستان ، تمشيًا مع الهدف أمريكا الرئيسي في المنطقة.
وقال مسؤول كبير في مكتب رئيس الوزارء أن الهند سوف ” تسعى للحصول على إعفاءات كاملة ” من المطالب الأمريكية بتقليص الواردات من إيران ، أو عى الأقل الحد منها إلى الحد الأدنى الممكن”.
وفي حين أن الهند ليست حلفيًا رسميا للولايات المتحدة مثل العديد من دول الإتحاد الأوربي فقد تفاخر السيد مودي بعلاقة قوية مع السيد ترامب الذي حث إدارته في الهند على المساعدة في أفغانستان.
وأضاف المحلل تانفي مادين في معهد بروكينغز بواشنطن ” سوف يجعلونها قضية إذا لم نبق مشاركين مع إيران وخاصة شاباهار البلد الآخر الوحيد الذي ترك المجال مفتوحًا للصيد وهل تريدون ذلك حقًا؟”.
تعد الصين تحدٍ أكثر صعوبة ، وقد تعهد أكبر مشتر للنفط في إيران بالعمل مع طهران لتجنب عرقلة الاستثمارات المتزايدة والنشاط التجاري بين البلدين، كما شجعت الصين على اتسخدام عملتها “اليوان” في التجارة الدولية مثل تجارة النفط التي جرت تقليديًا بالكامل تقريبًا بالدولار ، وقد أدخلت البلاد مؤخرًا أسعار جديدة مسعرة باليوان.
ويرى بعض المحللين أن الصين من المحتمل أن تزيد من واردتها من النفط الإيراني بدعم ضمني على الأقل من أوروبا. ومن شأنها أن تساعد على الحفاظ على الصفقة الإيرانية دون مشاركة أمريكا بجعل إيران كاملة من خلال مشتريات النفط التي تحصل الولايات المتحدة على أطراف أخرى لتقليصها.
وقال نيكولا كاساريني مع معهد الشؤون الدولية في روما في مؤتمر الأمن الإقليمي الذي عقد مؤخرًا في شنغهاي ” لدنيا مصلحة مشتركة في إبقاء الصفقة الإيرانية على قيد الحياة”.