وصلنا للجزء الثامن والأخير من سلسة تقارير العلاقات الإيرانية المغربية، والتي استعرضنا فيها طرحًا وسردًا واسعين عن مسار هذه العلاقات منذ نشأتها، وما مرت به من مراحل وئام وخصام، قطيعة وود، والأطراف الفاعلة فيها مثل الجزائر وحزب الله، والتي أُقحِمت إلى داخل هذا المسار من التذبذب وعدم الاستواء.
ولكننا إذ نصل ها هُنا إلى محطتنا الأخيرة، توصلنا في الجزء السابق إلى استنباطاتٍ تتعلق بأن المغرب لم تقطع علاقاتها مع إيران لدعمها للبوليساريو كما ادعى بيان خارجيتها مؤخرًا، أو نشرًا للتشيُع من قِبلها، بل كانت هناك أطراف تدخلت بقوة نسبيًا في إثناء المغرب عن إقامة علاقاتها مع الجانب الإيراني، فما حقيقة هذا الأمر؟.
في تقريرٍ مُوسَّع لموقع “ساسة بوست”، ناقش فيه سياق القطيعة المغربية الإيرانية بالكامل، دُحِّضت فيه الرواية المغربية من دعائمها، المُتعلقة بالدعم الإيراني المُوجَّه لمنظمة البوليساريو، على إثر أن هُناك طيف واسع من الدول تعترف رسميًا بالصحراء الغربية وحكم جبهة البوليساريو لها، ومصر نفسها رفعت علم الجبهة، عام 2016، في القاهرة، خلال جلسات البرلمان الأفريقي، واجتمع رئيسي البرلمانين المصري والصحراوي آنذاك، وقامت الصُحف المصرية بـــ”وهب” لقب أقدم الرؤساء الأفارقة على رئيسها، وتبادل الجانبان الزيارات الرسمية.
لم بتوقف الأمر عند هذا الحد بل كانت هناك 16 دولة أفريقية رسميًا بــــ “دولة الصحراء”، كأثيوبيا وغانا والنيجر وجنوب السودان، وأوغندا، الشاهد من الـــ 20 دولة المذكورة، أن المغرب لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع أي أحدٍ منها، ولم تُسقِط حبال الود معهم، ولم تؤاخذهم على اعترافهم بجبهة البوليساريو.
بل سنجد على النقيض من ذلك، أنّ المغرب قد تراجع عن القرار الذي اتخذه عام 1984، والذي كان مُقتضاه انسحاب المغرب من الاتحاد الأفريقي احتجاجًا على انضمام “الجمهورية الصحراوية” للاتحاد الأفريقي، وبعد 32 عامًا قرر المغرب العودة مرة أخرى منتصف عام 2016.
بعدما اكتشف المغرب أن خلال سنيّ ابتعاده عن الاتحاد، فقد قام الاتحاد الاتحاد الأفريقي بحملةٍ دوليةٍ ضده ولصالح البوليساريو، وضغط على الأمم المتحدة للتعجيل باستفتاء تقرير المصير.
على جانبِ آخر، نجد أن خطاب وزير الخارجية المغربي، كان يحمل عبارةً هي ما دفعت لإثارة الشُكوك حول حقيقة الأسباب التي قادت لاتخاذ المغرب لقرارها، وهو أن قرارها كدولة لم يتم اتخاذه “لاعتباراتٍ إقليمية”، بل وخرج رئيس الوزراء المغربي نفسه للتأكيد على عبارة وزيره، وهذا ما كان يُزيِد من وتيرة الشكوك، إذ أن تكرارية النفي بصُورةٍ مُبالَغ فيها يُعطِي للناظر بتمعُن أن الشيء المنفي يحمل وراءه جانب كبير من اللبس والتورية والمواربة، وقد فتح هذا النفي المُكرَّر الباب على مِصراعيه أمام التكهُنات التي دارت حول إذعان المغرب للضغوطات الخليجية لا سيما السُعودية منها وقُبُولها بالضُغوط لقطع علاقاتها مع إيران، ورفع معدلات الحصار عليها؟.
هذان الأمران أشارا إلى أن المغرب لم تتخذ القرار باستقلاليةٍ مُجرَّدة بل كان تحت ضغط؛ ألا وهو ملف المغرب لتنظيم كأس العالم 2026، كان هذا الأمر هو السكين الذي أهدته المغرب لكل الذين يقفون لها ويتربصون بها، احتياج المغرب بصُورةٍ كبيرة لدعم المملكة السعودية لملفها الرياضي لتنظيم كأس العالم 2026 تظرًا لما تُمثِّله من ثقلٍ سياسيّ وأُممي في المحافل الدولية، كان شيئًا جعلها تتنازل بقوة عن تصلُبها وتشدُدها في المواقف السياسية خاصةً التي تصبح السعودية طرفًا فيها.
آخذين أن السعودية لم تسمح للمغرب بما فعلته معها سلطنة عمان، والتي تقف على أرضٍ حياديةٍ دومًا في كافة المواقف السياسية والتي تراها السعودية أنها شبه مناوئةٍ لها في أرض الخليج، وسُلطانها قابوس الذي لا يحضر القمم العربية ولا الخليجية منذ ردحًا من الزمان، وهذا ما لم تُبِحه المملكة الحليجية للمملكة العربية الإفريقية.
ومن ثمَّ كان هُناك ما نستطيع أن نُسميه “مُقايضــــة”، بين البلدين، فلتُعلِن تنصُلك من إيران ولتقطع علاقاتك بصورةٍ تامة، أُحِل عليك رضواني بملف استضافتك لكأس العالم، وقد ظهر هذا جليًّا عندما خلال القمة العربية الأخيرة، عندما أسقط الملك، سلمان بن عبد العزيز، والذي ترّأس القمة، دعم ملف المغرب لتنظيم كأس العالم 2026 من الحسابات، رغم أن النقطة كانت مُدرَجة في جدول أعمال القمة.
وفي تحولٍ جديد، شهدت إحدى الجلسات العامة للأمم المتحدة، كلمات خطاب المندوب الدائم للكويت لدى ، منصور لعتيبي، وهو يصرح أمام مجلس الأمن بضرورة تمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير.
ومن ثمّ باتت المغرب تستشعر خطر الانفضاض عن أشد ملفاتها هيبةً وخطرًا، ومما زاد من حجم هذا الشعور هو الانفضاض العربي عنه، إلا أنه قد بات واضحًا أنّ المغرب يحتاج للحصول على دعمٍ علني لأزمته، ولدعمه في ملفه الرياضي.
ولكن الأمم المتحدة لم تؤيد المغرب بعد طلبها الذي تقدمت به ضد التحركات العسكرية للبوليساريو، حتى أن رئيس الوزراء المغربي أعلن آنذاك أنّ ملك المغرب أبلغ الأمم المتحدة بأنه سيُبلِّغ أصدقاءه من الدول العربية؛ احتجاجًا على ما حدث في مجلس الأمن، خاصةً بعدما أيدت دول أوروبية مثل فرنسا، بيان الأمم المتحدة الداعم للجبهة.
نصل عبر كل هذا أن العلاقات الإيرانية المغربية لم يُكتَب لها التوفيق في أي لحظةٍ من لحظاتها، وأن كثيرًا من الغوامل والأطراف الفاعلة قد جعلتها في مهب الريح على طول تاريخها، لكن القطيعة الدراماتيكية التي أُعلِن عنها في مطلع لشهر الماضي، أظهرت لنا جانبًا كبيرًا من المعاني في معجم السياسة لا الأكاديمي بل القائم لتوه على وجه الأرض، التردد المغربي والحاجة المتمثلة في دعمه في المحافل الدولية على منحيين السياسي؛ حيث دعم المملكة في وجه قضية تقرير حق المصير والاستفتاء في الصحراء، والرياضي؛ حيث احتياجها لدعم ملفها لاستضافة كأس العالم 2026، جعلها تُقدِّم القرابين لحكام المملكة ومن جاورها لاسيما الإمارات والبحرين لتدعيمه، وجديرٌ بالذكر أن المملكة قررت بصفةٍ نهائية عدم دعم ملف المملكة المغربية للاستضافة، وقد سبق هذا الرفض تصريح لرئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة في السعودية، تركي آل الشيخ، قال فيه أنّ المغرب لم يطلب أي دعم من المملكة لاستضافة كأس العالم في 2026، مضفًا: “إذا طُلب من السعودية دعم ملف مونديال 2026، ستبحث الرياض عن مصلحتها أولًا، فاللون الرمادي لم يعد مقبولًا”.
وقد سقطت كل رؤى التقارب التي قد أُحيِكت عقب عودة 2014 وأن هُناك استثمارات ومصالح مشتركة ستُزيِد من أواصر العلاقة بين البلدين، وإذ بالطاولة تنقلب مجددًا، لكن هذه المرة الطرف الأكثر خسارةً ووضوحًا في هذا الأمر هو الجانب المغبي، الذي لا طال تمر الخليج، ولا عنب إيران، فقد خسر دعم الجميع عندما راهن على أوراق الطاولة بأكمها، فلم تُزِده إلا خسارًا، ولالطبع تأثر الجانب الإيراني، ولكن ليس بنفس القدر المغربي.
فهل ننتظر طويلًا أمام قُربي جديدة؟، أم ستظل العلاقات الإيرانية المغربية على هذه الوتيرة بين خصامٍ ووئام؟.
أسئلة ليس لنا إلا أن ننتظر الإجابة عنها مستقبلًا.
المصادر
1 / 2 / 3 / 4 / 5 / 6 / 7 / 8 / 9 / 10 / 11 / 12 / 13 / 14 / 15 / 16 / 17 / 18 / 19 / 20 / 21