باتت العلاقات الجزائرية المغربية في مهب القطيعة هي الأُخرى، والناظر للأمر سيعلم أن المملكة المغربية أرادت أن تضرب عصفورين بحجرٍ واحد، الأول هو التخلُص من العلاقات مع الجمهورية الإيرانية، والثانية تهيئة علاقاتها مع جارتها الجزائر إلى نفس المآل، وكان الهدف هو توجيه رسالة ضمنية لكافة الدول التي تُقيِم علاقات دبلوماسية مع المغرب من عدم اقترابها من قضية البوليساريو بالمرة وألا فهُناك مآل القطيعة والخُصُومة.
ولكن إيران شرَّطت چُرحًا لم يندمل بين بين الچارتين،الچزائر والمغرب، فأزمة البوليساريو قد فتحت الباب عن فضاءٍ مملوء بالأزمات بين الدولتين، يعود لأزمنةٍ غابرة بينهما، فمنذ حصول الجزائر على استقلالها سنة 1962، اتسمت العلاقات الجزائرية المغربية بالتوتر، وقد وصلت إلى المواجهة العسكرية المفتوحة، بعد أن خاضا في بداية الستينيات ما عُرِف ب”حرب الرمال” بسبب مشكلة الحدود بينهما.
تخلت إسبانيا عن الإقليم بموجب اتفاقية مدريد، عام 1957، وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، عام 1974، بحق شعب الصحراء في تقرير المصير والاستقلال، ثم ظهرت جبهة البوليساريو أو المعروفة باسم “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب”، لتقُم الجزائر بدعمها عسكريًّا وسياسيًّا، وهذا ما فجَّر الأزمة وعدم الاستقرار في العلاقات المغربية – الجزائرية.
ويتواصل حتى الآن غلق الحدود البرية بين الجزائر والمغرب للسنة الـ22، بعد إغلاقها منتصف سنة 1994، على خلفية حادث مراكش الإرهابي، الذي قرّر عقبه الملك الراحل، الحسن الثاني، فرض التأشيرة على الجزائريين، ليأتي عقبها قرار سادس رؤساء الجزائر آنذاك، اليمين زروال، بغلق الحدود البرية بين البلدين.
حتى أنه طفت على السطح مؤخرًا أقاويل تزعم بضُلُوع المغرب في إسقاط الطائرة العسكرية الجزائرية، في صباح يوم الأربعاء، الحادي عشر من أبريل / شباط الماضي، بالقرب من مطار بوفاريك العسكري، وراح ضحيتها 257 عسكري جزائري، منهم 26 من جبهة البوليساريو، نظرًا للعلاقات شديدة التوتر مؤخرًا بين البلدين قُبيل بيان وزارة الخارجية المغربية حتى.
وتتفاوت الحُجج حول سبب اهتمام الجزائر بتدعيم قضية البوليساريو، حول من يوضحون أن السبب في هذا هو الرغبة الجزائرية في تصفية الاستعمار وترى الجزائر في الصحراء الغربية آخر المستعمرات الإفريقية وتراها كمُسلَّمة من مُسلَمات السياسة الجزائرية، وبين من يرى أن الجزائر تتخذ من قضية الصحراء، فرصةً لتصفية حسابات قديمة ومتجددة مع المغرب، حيث إن للمغرب أطماع معروفة في الصحراء الجزائرية الشرقية، بالإضافة إلى المنافسة على الزعامة في المغرب العربي.
من هُنا نستطيع أن نصل إلى أن إيران لم تسكب زيتًا على بنزين فأُشعِلت النار بين الجارتين، ولكن النار كانت متواجدة من الأساس ولكن المغرب أدخلت إيران قسرًا وأقحمتها في خلافها من الجزائر لتجعل النزاع ثُلاثيًّا متعدد الأطراف، ولتُوسِّع من قاعدة اللاعبين الذين ترغب المغرب في إلقائهم بطول يدها خارج بلادها.
حزب الله من لُبنان على المغرب
صرّح وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، في بيان قطع العلاقات مع طهران، في الأول من مايو / أيار الماضي، إنه كشف لنظيره الإيراني جواد ظريف أسماء مسؤولين كبار في حزب الله، تنقلوا في عدة مناسبات إلى تندوف منذ مارس / آذار 2017، من أجل لقاء المسؤولين في البوليساريو والإشراف على دورات تدريبية وإقامة منشآت ومرافق.
وأضاف أن الأمر يتعلق على الخصوص بـ”حيدر صبحي حديد”، المسؤول عن العمليات الخارجية في حزب الله، و”علي موسى دكدوك”، المستشار العسكري في التنظيم نفسه، بالإضافة إلى الحاج “أبو وائل زلزالي”، المسؤول عن التكوين العسكري واللوجستي.
عرّج برويطة على إن وزير الخارجية الإيراني لم يطعن أو يشكك في أي من الأسماء أو الحقائق التي تم اطلاعه عليها، مضيفًا أن المبررات ذات الطابع “السياسي”، التي تم تقديمها ركزت على هامش استقلالية الحركة التي يتوفر عليها حزب الله، وكذا على الوضع الخاص لعضو السفارة الإيرانية المعنيّ.
يكشف لنا هذا عن وجهٍ جديد أُدخِل في الصراع، أو فاعلٍ أدخلته المغرب هو الآخر في بيانها، في تقريرٍ لموقع العربية، سلطت فيه الضوء على الصراع الخفي بين المغرب وحزب الله، لاسيما في أفريقيا وداخل المملكة ذاتها، وتتعدد جبهات وحُقُول الصراع بين الطرفين، وتتشابك بين السياسي والاقتصادي التجاري والغقدي الديني.
زعم التقرير أن الحزب توجس خيفةً من توسع الاقتصاد المغربي في إفريقيا، مُمثَّلًا في وجود أفرع للمصارف والمصانع وشركات الاتصال والطيران المغربية في جميع دول المنطقة، وذلك بعدما أسَّس موالون للحزب إمبراطوريات تجارية ومالية كبيرة في غرب إفريقيا، وقد أوجد هذا الحضور التجاري والاقتصادي المغربي القوي منافسةً مع التجار الشيعة الذين يدعمون الحزب ،وكبَّد استثماراته وتجارته العلنية والسرية خسائرً باهظة. بالإضافة إلى تكثيف المغرب جهوده في القارة لمواجهة المد الإيراني ومحاولته تغيير الهوية الدينية السنية للقارة عبر نشر المذهب الشيعي، وهذا يعيدنا بالذكر إلى أزمة 2009، وأزمة إرهاصات الثمانينيات.
وقد عملت المغرب على تحصين هذه الجيهة بالأخص لئلا ينفذ منها الإيرانيون إلى بلادهم، حتى أن العاهل المغربي شيّد “مؤسسة محمد السادس لعلماء إفريقيا”؛ للدفاع عن الإسلام السُني المالكي المعتدل؛ وتهدف هذه المؤسسة إلى مقاومة التشيّع، والتحول المذهبي، الذي تشجعه مؤسسات إيرانية ولبنانية تدفع أموالاً لاستمالة المسلمين الأفارقة الفقراء وتشجيعهم على تغيير عقيدتهم السنية الأشعرية، والسنية السلفية.
كما أسس المغرب معهدًا لتدريب الأئمة الأفارقة، وشيد مئات المدارس والمعاهد الدينية والمساجد، فيما كثفت وزارة الأوقاف المغربية تواصلها مع العلماء والزعماء الدينيين في إفريقيا. حتى أن هؤلاء يحظون بتقاليدٍ ملكية عريقة، تتسم بالعناية والاهتمام الخاص في المغرب الذي يستقبل سنويًا عددًا كبيرًا منهم، ويتكفل بضيافتهم في فنادقٍ فخمة وبتكلُفة علاجهم في أرقى المستشفيات، كما تشارك النخب الدينية والعلمية الإفريقية في الدروس الحسنية الرمضانية، التي يحضرها العاهل المغربي الملك محمد السادس.
مع الأخذ في الحُسبان بأن هذا النهج الذي تتحرك به المغرب، وعلى رأسها الملك محمد السادس، ليس بسببٍ رئيس مواجهة المدّ الشيعي، بل تكريسًا وتوطيدًا لهالة ملك المغرب في البلدان الأفريقية المُسلِمة، وبناء صورة “أمير المؤمنينن” الرمزية، والتي يحبذها الملك أكثر بكثير من الصيغة التنفيذية له كحاكمٍ للبلاد.
ولكن بالعودة إلى الحدث محل البحث، سنجد أن المغرب أدلت بأسماء أُناسٍ محسوبين على الجانب اللُبناني، وإن كانوا ينتمون لمليشيا حزب الله، ولكن المغرب لم تقطع العلاقات مع لُبنان، وهذا ما يُثسِر الكثير من علامات الاستفهام حول أسباب القطيعة من الأساس مع الجانب الإيراني.
وقد ندّد حزب الله بالاتهامات المغربية، ونفاها جُملةً وتفصيلًا في بيانٍ رسميّ صادرٍ عنه، وعبّر عن أسفه من استجابة المغرب لضُغوطٍ سُعودية وأميركية وإسرائيلية، لتوجيه هذه الاتهامات إليه، مضيفًا أنه كان حريًّا بالخارجية المغربية أن تبحث عن حجة أكثر إقناعًا لقطع علاقاتها مع إيران، التي وقفت وتقف إلى جانب القضية الفلسطينية وتساندها بكل قوة، بدل اختراع هذه الحجج الواهية.
وهذا ما يفتح الباب أمام الاستفسار الذي أثاره مصطفى حفيظ، كاتب ومدوّن جزائري لـموقع “ساسة بوست” قائلًا: “البوليساريو جبهة كامل العضوية في الاتحاد الإفريقي، وهي تحصل على مساعدات علنية رسمية على النطاق الدولي والداخلي، فما هو الذي يجعلها وهي ذات أغلبية سُنيّة على المذهب المالكي تتعامل في الخفاء مع منظمة مشبوهة، حتى وإن كانت هناك مصالح مشتركة”.
فلماذا انقلبت المغرب على إيران، هل هو سببٌ آخر غير البوليساريو؟
#هذا ما نجيب عنه في الجزء القادم.