تتوالى الأزمات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحليفها الروسي، بسرعة كبيرة على عكس سير العلاقات الوطيدة بينها، فبعد مطالبة روسيا لإيران بمغادرة قواتها للأراضي السورية، كشفت روسيا عن اتفاق سري بين إسرائيل وإيران، نفته الأخيرة.
الأزمة الأولى
بداية الأسبوع الماضي، عقِب لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره السوري بشار الأسد، قال «بوتين»: «إننا ننطلق من أن الانتصارات الملموسة ونجاح الجيش السوري في محاربة الإرهاب وانطلاق المرحلة النشطة من العملية السياسية سيليها بدء انسحاب القوات المسلحة الأجنبية».
تصريحات الرئيس الروسي، قوبلت برد فعل عنيف من إيران التي اعتبرت أن تصريحات «بوتين» رسالة قوية لإيران من أجل الإنسحاب من سوريا، وقالت إيران إنه «لا أحد يمكنه أن يجبرها على الخروج من سوريا، وإن وجودها في هذا البلد العربي بطلب من حكومتها».
ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية (إرنا) عن المتحدث باسم الخارجية بهرام قاسمي القول «وجودنا في سوريا هو بناء على طلب من حكومة ذلك البلد، وهدفنا هو محاربة الإرهاب»، مضيفا أن طهران «ستواصل مساعداتها لسوريا طالما هناك خطر الإرهاب».
أوضح المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون التسوية السورية، ألكسندر لافريننييف، أن تصريح سيد الكرملين، فلاديمير بوتين، حول سحب القوات الأجنبية من سوريا يخص جميع الجهات باستثناء روسيا.
وأضاف «لافرينتييف»، في تصريحات صحفية: «إن هذا التصريح يخص كل المجموعات العسكرية الأجنبية، التي توجد على أراضي سوريا، بمن فيهم الأمريكيون والأتراك وحزب الله والإيرانيون».
وتابع: «هذه المسألة معقدة للغاية، لأنه يجب تنفيذ هذه الإجراءات جماعيا، وينبغي أن تبدأ بالتوازي مع سير إحلال الاستقرار، لأن الجانب العسكري يقترب من نهايته، والمواجهة تشهد حاليًا مرحلة نهائية».
الأزمة الثانية
أول أمس، أكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، التوصل إلى اتفاق حول سحب القوات الإيرانية والقوات التابعة لـ«حزب الله» اللبناني، من جنوب غرب سوريا قرب الحدود مع «إسرائيل»، وتوقع تطبيقه خلال أيام قريبة.
ورحبت الأوساط الإسرائيلية بالتفاهمات التي حصلت مع روسيا، والتي تدفع باتجاه انسحاب إيران من جنوب سوريا، في الوقت الذي تهدد فيه تل أبيب بمواصلة سياستها الخاصة بتوجيه ضربات عسكرية إلى القواعد الإيرانية في جارتها الشمالية.
وقال «نيبينزيا»، في مؤتمر صحفي: «سمعت الأخبار عن سحب القوات الإيرانية من جنوب غرب سوريا، وقرأت التقارير في الصحافة حول اتفاق بشأن تفريق معين للقوات جنوب غرب سوريا، وحسب علمي فإنه تم التوصل إلى اتفاق».
وأضاف: «لا يمكنني أن أقول ما إذا تم تطبيقه للتو أم لا، لكن، حسب ما فهمته، الأطراف التي عملت به راضية عنه»، كما أكد «نيبينزيا» أنه «لو لم يتم تنفيذ الاتفاق حتى اليوم فسيحدث ذلك في مستقبل قريب»، بحسب ما نقلت وكالات روسية.
ويأتي انسحاب إيران تلبية لمطالب إسرائيلية، وتمهيدًا لصفقة روسية قد تفضي بالسماح لقوات الأسد بالسيطرة على الحدود الجنوبية مقابل إبعاد إيران، وكشف تقرير، نشرته القناة السابعة الإسرائيلية، أول أمس الخميس، عن استعداد القوات الإيرانية للخروج من الأراضي السورية، بناء على اتفاق روسي-إسرائيلي.
وفي أول رد إيراني، قال مستشار رئيس هيئة الأركان الإيرانية العميد مسعود: «إن أي اتفاق بهذا الشأن سيكون فقط بين الدولة السورية وإيران»، مشيرا إلى أن المستشارين الإيرانيين موجودون في سوريا بطلب من الحكومة السورية.
وأضاف: «إسرائيل خائفة من وجود قوات إسلامية على حدودها، وأكد أن الوضع الجديد على الحدود مع إسرائيل لا يمكن تغييره»، يأتي ذلك عقب تصريحات لـ«نتنياهو» قال فيها إن لتل أبيب «الحق في التصرف بحرية في سوريا».
وذكر «جزائري» في تصريحات لوكالة تسنيم الإيرانية للأنباء أن إسرائيل تسعى مع الولايات المتحدة بكل الوسائل لتغيير ذلك الوضع، وأضاف: «العلاقات بين إيران وسوريا قوية تاريخية وإستراتيجية، ولن تتأثر بأي دعاية من أي طرف كان».
هل تخسر إيران حليفها الروسي؟
من الواضح أن إيران ستحاول تجنب إغضاب الحليف الروسي، خاصة بعد إنسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني، وعدم ثقة إيران في دول الاتحاد الأوروبي، ومحاولاته في إنقاذ الاتفاق النووي.
يُشار إلى أنه وعلى عكس السنوات السابقة والتي كان الأسطول الجوي الإيراني فيها مصنوع في الغرب بالكامل، فقد أصبح أسطول الطيران العسكري والمدني الإيراني يصنع محلياً وروسياً بشكل متزايد مع مواصلة الولايات المتحدة وأوروبا فرض العقوبات ضد إيران.
ففي عام 2010، أدى رفض إيران التوقف عن تنشيط اليورانيوم إلى طرح قرار جديد من مجلس الأمن للتصويت، القرار رقم 1929، والذي يدعى إلى فرض عقوبات جديدة على إيران تمنع بيع جميع أنواع الأسلحة الثقيلة (بما في ذلك الصواريخ) إلى إيران.
أسفر هذا عن إلغاء تسليم طلبية منظومة الصواريخ إس-300 إلى إيران، وفي سبتمبر 2010 وقع الرئيس الروسي ديمتري مدڤديڤ مرسوماً بمنع تسليم منظومة صواريخ إس-300، مركبات مدرعة، طائرات حربية، مروحيات وسفن إلى إيران، وأدى هذا إلى خسارة قيمتها 13 بليون دولار في مبيعات الأسلحة إلى إيران وإجبار إيران على الاعتماد على الأسلحة الصينية.
وتعتزم الشركات الروسية الاستفادة من عودة العقوبات الأمريكية على طهران بتعزيز مواقعها في إيران، وذلك بعد خروج الشركات الأوروبية من هذا البلد خشية إغضاب واشنطن.
وسلط موقع «ExpertOnLine» في تقرير نشره أمس الثلاثاء الضوء على فرص الشركات الروسية الواعدة في إيران، مشيرا إلى العقود والاتفاقيات المبرمة بين هذه الشركات والشركات الإيرانية في الآونة الأخيرة.
وتعتبر روسيا إيران شريكا تجاريا مهما، فقد تم توطيد علاقات تجارية مهمة بين موسكو وطهران خلال السنوات الماضية، حيث تقوم الشركات الروسية ببيع معدات الحفر لشركات الطاقة الإيرانية، التي لا تستطيع الوصول إلى التكنولوجيا الغربية.
كما أن شركة النفط الروسية «روس نفط» وقعت العام الماضي على «خارطة طريق» لتنفيذ مشاريع استراتيجية مشتركة في مجال النفط والغاز في إيران، بإجمالي استثمارات تصل إلى 30 مليار دولار.
ويضاف ذلك لعقد آخر وقعته شركة «زاروبيج نفط» بقيمة 700 مليون دولار لتطوير حقلين نفطيين، كانت شركتا «بي بي» البريطانية و«وينترشال» الألمانية تأملان الفوز به.