ترى إيران أن بقاء الحكومة السورية ضمان لمصالحها لأن سوريا حليفة إيران منذ الثورة الإيرانية عام 1979 كما أنها توفر الطريق الإستراتيجي لحزب الله في لبنان، وقد صرح بعض القادة الإيرانيين بأن سوريا هي «المحافظة رقم 35» الإيرانية.
غير أنه ومنذ الأمس، تحدثت العديد من وكالات الأنباء عن إنسحاب إيراني من الأراضي السورية، خاصة منطقة الجنوب المطلة حدودها على هضبة الجولان السورية المحتلة بجوار الأراضي الفلسطينية الخاضعة لسلطات الاحتلال «الإسرائيلي».
قبل الحديث عن تفاصيل الاتفاق الذي تم بين إيران وروسيا وإسرائيل، سنسرد تفاصيل التوتر الذي حدث الأسبوع الماضي، على خلفية الانسحاب الإيراني من سوريا.
توتر إيراني روسي
بداية الأسبوع الماضي، عقِب لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره السوري بشار الأسد، قال «بوتين»: «إننا ننطلق من أن الانتصارات الملموسة ونجاح الجيش السوري في محاربة الإرهاب وانطلاق المرحلة النشطة من العملية السياسية سيليها بدء انسحاب القوات المسلحة الأجنبية».
تصريحات الرئيس الروسي، قوبلت برد فعل عنيف من إيران التي اعتبرت أن تصريحات «بوتين» رسالة قوية لإيران من أجل الإنسحاب من سوريا، وقالت إيران إنه «لا أحد يمكنه أن يجبرها على الخروج من سوريا، وإن وجودها في هذا البلد العربي بطلب من حكومتها».
ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية (إرنا) عن المتحدث باسم الخارجية بهرام قاسمي القول «وجودنا في سوريا هو بناء على طلب من حكومة ذلك البلد، وهدفنا هو محاربة الإرهاب»، مضيفا أن طهران «ستواصل مساعداتها لسوريا طالما هناك خطر الإرهاب».
أوضح المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون التسوية السورية، ألكسندر لافريننييف، أن تصريح سيد الكرملين، فلاديمير بوتين، حول سحب القوات الأجنبية من سوريا يخص جميع الجهات باستثناء روسيا.
وأضاف «لافرينتييف»، في تصريحات صحفية: «إن هذا التصريح يخص كل المجموعات العسكرية الأجنبية، التي توجد على أراضي سوريا، بمن فيهم الأمريكيون والأتراك وحزب الله والإيرانيون».
وتابع: «هذه المسألة معقدة للغاية، لأنه يجب تنفيذ هذه الإجراءات جماعيا، وينبغي أن تبدأ بالتوازي مع سير إحلال الاستقرار، لأن الجانب العسكري يقترب من نهايته، والمواجهة تشهد حاليًا مرحلة نهائية».
تفاصيل الاتفاق
بالأمس، أكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، التوصل إلى اتفاق حول سحب القوات الإيرانية والقوات التابعة لـ«حزب الله» اللبناني، من جنوب غرب سوريا قرب الحدود مع «إسرائيل»، وتوقع تطبيقه خلال أيام قريبة.
ورحبت الأوساط الإسرائيلية بالتفاهمات التي حصلت مع روسيا، والتي تدفع باتجاه انسحاب إيران من جنوب سوريا، في الوقت الذي تهدد فيه تل أبيب بمواصلة سياستها الخاصة بتوجيه ضربات عسكرية إلى القواعد الإيرانية في جارتها الشمالية.
وقال «نيبينزيا»، في مؤتمر صحفي: «سمعت الأخبار عن سحب القوات الإيرانية من جنوب غرب سوريا، وقرأت التقارير في الصحافة حول اتفاق بشأن تفريق معين للقوات جنوب غرب سوريا، وحسب علمي فإنه تم التوصل إلى اتفاق».
وأضاف: «لا يمكنني أن أقول ما إذا تم تطبيقه للتو أم لا، لكن، حسب ما فهمته، الأطراف التي عملت به راضية عنه»، كما أكد «نيبينزيا» أنه «لو لم يتم تنفيذ الاتفاق حتى اليوم فسيحدث ذلك في مستقبل قريب»، بحسب ما نقلت وكالات روسية.
ويأتي انسحاب إيران تلبية لمطالب إسرائيلية، وتمهيدًا لصفقة روسية قد تفضي بالسماح لقوات الأسد بالسيطرة على الحدود الجنوبية مقابل إبعاد إيران، وكشف تقرير، نشرته القناة السابعة الإسرائيلية، أول أمس الخميس، عن استعداد القوات الإيرانية للخروج من الأراضي السورية، بناء على اتفاق روسي-إسرائيلي.
وأوضح التقرير ان هذا التطور، جاء بناء على ما خرج به لقاء وزير الدفاع الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان، ونظيره الروسي سيرغي شويغو، في العاصمة الروسية، موسكو، أثناء زيارة ليبرمان المهمة إلى روسيا.
وأكدت القناة الإسرائيلية أن ليبرمان اقترح على نظيره شويغو إبعاد القوات الإيرانية من الحدود الإسرائيلية، بمسافة لا تقل عن 70- 80 كم، على أن تحل محلها القوات الروسية المتواجدة في سوريا، وهو ما لقي ترحيبا -بحسب القناة- من وزير الدفاع الروسي، حيث سبق وأن صرح شويغو من قبل بضرورة إبعاد القوات غير السورية عن الحدود الإسرائيلية وإبقاء قوات بلاده على مقربة من تلك الحدود المشتركة بين سوريا وإسرائيل.
يشار إلى أن مائير بن شبات، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي قد أعلن الخميس الماضي، لنظيره الفرنسي عن موافقة إسرائيل على بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة بعد انتهاء الحرب الأهلية في سوريا، شريطة انسحاب القوات الإيرانية وقوات حزب الله اللبناني من سوريا.
وأشار تسفي ماغين السفير الإسرائيلي السابق في روسيا إلى أن «هذا الاتفاق بين موسكو وتل أبيب يؤكد أن هناك تعاونا متناميا بينهما في الموضوع السوري، وقد تجلى في زيارة وزير الحرب أفيغدور ليبرمان إلى روسيا، وقبله رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو».
ولفت «ماغين» إلى أنه وبعد أن تم الاتفاق بشأن التواجد الإيراني في سوريا على أعلى المستويات السياسية، «تجري اليوم ترتيبات مع الطواقم الفنية والعسكرية المتخصصة كي يتم ترجمة هذه القرارات على الأرض من الناحية الميدانية».
وأضاف أن «الروس قادرون على منع اقتراب الإيرانيين من الحدود الإسرائيلية، فهذا بالنسبة لهم تحد حقيقي، لأنهم معنيون بإيجاد قواعد عامة تحدد سياستهم مع جميع اللاعبين في الساحة السورية إيران، وتركيا، والسعودية، خاصة وأن لكل واحدة منها مشاكلها الخاصة، ومطالبها المغايرة، بما في ذلك إسرائيل، ويتم ذلك بالتنسيق مع الولايات المتحدة والأردن».
وأوضح أن «روسيا مع كل هؤلاء، تشكل محورا مركزيا في سوريا، وأظن أن انسحاب القوات الإيرانية من جنوب سوريا جاء عبر صفقة تم التوصل إليها مع موسكو، مقابل أن تمنح طهران شيئا ما في دمشق، بحيث يمكن لهم أن يستبدل الإيرانيون تواجدهم بدل جنوب سوريا إلى أماكن أخرى، على أن يكون تواجدهم محدودا».
القوات الإيرانية
وخلال الحرب الأهلية السورية منذ عام 2011، ساعدت إيران الحكومة السورية، و«الجارديان» أن الحرس الثوري الإيراني زاد من مستوى الدعم التقني ودعم الموظفين لتعزيز «قدرة سوريا على التعامل مع المتظاهرين»، وقال كبير مستشاري السياسة الخارجية الإيرانية علي أكبر ولايتي، «إيران ليست مستعدة لفقدان عامل التوازن هذا لصالح إسرائيل».
ويرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية، أن عدد الميليشيات التي دخلت إلى سوريا 45 ميليشا، لكن أبرزها هي ميليشيا فيلق القدس بقيادة اللواء قاسم سليماني، الجناح الخارجي للحرس الثوري الإيراني، وتبقى أكبر ميليشيا في سوريا، هي حزب الله، على اعتبار أن حزب الله لديه قوات كبيرة في سوريا منذ تدخله بشكل مباشر في سوريا نهاية 2012.
وأضاف في تصريحات لـ«دويتش فيله»: «إلى جانب ذلك هناك حوالي 40 ميليشيا عراقية، مثل حركة أبو الفضل العباس وحركة النجباء وحزب الله العراقي وميليشيا بدر، وغيرها من الميليشيات التي تدخل في إطار الحشد الشعبي في العراق والتي تحمل نفس الأسماء في سوريا، وهناك طبعا ميليشيات الفاطميون أو الزينبيون وهي ميليشيات شيعية أفغانية باكستانية».
وكان نائب قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني اللواء إسماعيل قائاني، قال هو الآخر في وقت سابق، إن «إيران مستمرة بفتح بلدان المنطقة وإن الجمهورية الإسلامية بدأت بسيطرتها على كل من أفغانستان والعراق وسوريا وفلسطين وإنها تتقدم اليوم في نفوذها في بقية بلدان المنطقة»، على حد تعبيره.