بلومبرج
إن تنازل أوروبا المؤقت عن حصص الاستيراد الأمريكية من الفولاذ والألومنيوم على وشك الانتهاء، ومعظم الخبراء متشائمون من حدوث حرب تجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولا يمكنهم تخيل صفقة تجارية قد ترضي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزعماء الاتحاد الأوروبي -ولا حتى على الأقل صفقة تجارية عادية.
لكن لا يبدو أن صفقة تجارية عادية هي ما يدور في ذهن بيت ترامب الأبيض. وبدلاً من ذلك، فهو يريد أن يتبادل الأمن التجاري لتحقيق امتيازات السياسة الخارجية والأمنية. وهذه طريقة غريبة-وربما محفوفة بالمخاطر- لرئيس أميركي للقيام بأعمال تجارية مع أقرب حلفائه. ولكن على المدى القصير، قد يحقق بعض النتائج التي يمكن أن يستخدمها ترامب لإعلان نصره.
ويبدو أن ترامب يأمل أن يمنحه التهديد بالتعريفات الجمركية نفوذًا للفوز بالتعاون الذي يريده بشأن الإنفاق العسكري الأوروبي والعقوبات على إيران. صرح وزير الخزانة الأمريكى ستيفن منوتشين مؤخرًا لشبكة CNBC الإخبارية الأمريكية، أن الرئيس ترامب سوف يضع في اعتباره المساهمات العسكرية لحلف الناتو فى تطبيق ضريبة الـ 25% على الفولاذ المستورد و الـ 10% على الألومنيوم.
وهذا يعني أن الولايات المتحدة سوف تتنازل عن تهديدها بفرض تعريفات على الفولاذ والألمونيوم طالما أن دول الاتحاد الأوروبي قد أوفت بوعودها التي تم التوصل إليها في قمة حلف شمال الأطلسي لعام 2014 في ويلز بزيادة إنفاقها العسكري إلى 2٪ من إجمالي الناتج المحلي. وبما أن ترامب يهدد الاتحاد الأوروبي بالتعريفات الجمركية على السيارات المستوردة، فقد يكون مستعدًا للمساومة على ذلك أيضاً من أجل المزيد من الإنفاق العسكري الأوروبي.
وفي علامة أخرى على نهج ترامب الجديد، أشار السفير الأمريكي لدى ألمانيا ريتشارد جرينيل، في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز، أن الرئيس قد يكون مستعدًا لمنح الاتحاد الأوروبي إعفاءً دائمًا من التعريفات الجمركية التجارية في مقابل تعاون قوي مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن إيران.
قد تبدو طريقة الربط هذه مخزية للسياسيين في برلين وبروكسل. وقد يتم صرف النظر عنها من قبل الآخرين لأنها مجرد دافع ترامبي. ولكن ليس من السهل تجاهلها أو مواجهتها.
واحد من كل وظيفتين في الصناعة الألمانية (وواحد من كل أربعة وظائف بشكل عام) يرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالصادرات الألمانية. وقد يدفع تهديد ترامب مصالح التصدير هذه للضغط على برلين من أجل المزيد من التعاون الألماني (والأوروبي) مع الولايات المتحدة بشأن العقوبات الإيرانية أو الإنفاق العسكري -بغض النظر عما يتطلبه الأمر للعودة إلى العمل كالمعتاد.
قد تستجيب برلين للضغط المتزايد. ويقال أنها ستخبر الناتو أنها تتوقع زيادة الإنفاق العسكري إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025، من 1.2% حاليًا. وهذا الإنفاق العسكري سيكون أكثر مما كان عليه في مشروع الميزانية الفيدرالية الذي كان منخفضًا لدرجة أن وزيرة الدفاع الألمانية “أورسولا فون دير لاين” احتجّت وطلبت المزيد من المال. وهذا أمر إيجابي بالنسبة للولايات المتحدة: فسياسة ألمانيا المتعلقة بالإهمال العسكري التي تُصعب على الاتحاد الأوروبي أن يبرز تأثيره ويضعف المصداقية الكلية لحلف الأطلسي.
ولا يزال الإنفاق العسكري الألماني دون مستوى الـ 2% الموعود، ومن غير المرجح أن يتغير بدرجة أكبر في ظل الحكومة الائتلافية الحالية. ولكن في الوقت الذي لا يستطيع ترامب الضغط على ألمانيا من أجل إحراز المزيد في ميزانيتها العسكرية، فإنه لا يزال بإمكانه محاولة الحصول على مزيد من التنازلات بشأن إيران، وهو مطلب رئيسي آخر.
ولا تعد مطالب ترامب بشأن الإنفاق العسكري تخطي لأحد الخطوط الحمراء الجديدة، بل هي في الواقع انعكاس لمطالب الإدارات السابقة، مع اختلاف أن ترامب مستعد لفرض الأمر عن طريق وسائل الربط.
في قمة الأسبوع الماضي بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وفلاديمير بوتين، بدا الرئيس الروسي وكأنه يقدم الدعم لخطة ماكرون لتحسين الاتفاقية الإيرانية، والتي ستشمل موضوع الصواريخ الباليستية الإيرانية وأنشطتها المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط. ومن المرجح أن يكون تهديد ترامب بفرض عقوبات على الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران عاملاً وراء رغبة ماكرون في بسط الضغط على إيران لقبول شروط جديدة.
لا شيء من هذا يعني أن ترامب سوف يحصل على مراده بالكامل. فقد رفضت ألمانيا مطالب ترامب المتعلقة بالإنفاق العسكري وانتقاداته لخط أنابيب الغاز Nordstream الآتي من روسيا. لذا، فقد يكون لخضوع الأوروبيين عواقبه في وقت لاحق. ولا يبدو أن ترامب قلقًا من هذه الفوضى التي سيتحتم عليه إصلاحها لاحقًا. ولكن في الوقت الحالي، يبدو أن استراتيجيته الخاصة بربط التنازلات التجارية بمطالب السياسة الأمنية تحقق له شيئًا ما.