واشنطن بوست
كتب السفير الأمريكي السابق لدى روسيا مايكل ماكفول، وعباس ميلاني المدير المشارك في مشروع الديمقراطية الإيرانية في مؤسسة هوفر لواشنطن بوست هذا المقال، وترجمته “إيران خانه”:
بعد انسحاب الرئيس ترامب من جانبه فقط من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو، تساءل العديد من المحللين عما إذا كان الدافع وراء ذلك هو الرغبة في إضعاف صورة إنجازات سياسة سلفه أوباما الخارجية. وكان من بين المبررات التي قدمها ترامب للانسحاب من الاتفاقية أنها “لم تحقق الهدوء، ولم تحقق السلام، ولن تفعل ذلك أبدًا”.
ومنذ ذلك الحين، لم يقدم مسؤولو إدارة ترامب والنواب سوى خطوط عريضة مبهمة لخطتهم البديلة. وقد أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو عن 12 شرطًا لعودة المحادثات مع طهران، وتوضح شروطه أن الإدارة ليس لديها مصلحة في إبرام اتفاقية جديدة للحد من السلاح. وبدلًا من ذلك، يريد الرئيس وحاشيته استخدام سلسلة جديدة من العقوبات الاقتصادية لوضع مزيد من الضغط على النظام. ويعتقد ترامب ومستشاروه أن المعاناة المجتمعية التي ستنتج عن هذا الضغط، ستجبر رجال الدين على تقديم تنازلات أكبر أمام الولايات المتحدة على الأقل – أو ربما قد تؤدي إلى تغيير النظام.
رسمياً، صرح مستشار الأمن القومي جون بولتون بأن تغيير النظام ليس خطة الإدارة حاليًا (رغم أن كل من بولتون وبومبو أيدا مثل هذا الهدف لسنوات). ويعتقد الإيرانيون بمختلف انتماءاتهم السياسية أنه لا المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي ولا الحرس الثوري يمكن أن يقبلوا مثل هذه الشروط. والخيار الوحيد المتبقي هو الدخول في مواجهة أكبر -ربما حتى عسكريًا.
على المدى الطويل، وبالتأكيد، سيكون الانتقال إلى الديمقراطية في إيران هو الطريقة الأكثر فعالية لتخفيف التوتر بين إيران والولايات المتحدة، وضمان دور إقليمي مدمر أقل لطهران. فقد تصبح إيران الديمقراطية شريكًا استراتيجيًا للولايات المتحدة (وحتى إسرائيل). ومع ذلك، فإن تصرفات ترامب وبرنامج بومبيو المكون من 12 خطوة تجعل هذه النتيجة أقل احتمالًا، في حين أنه يضر بمصالح الأمن القومي الأمريكي الأساسية الأخرى. فالخطب الصارمة لا تنتج دومًا سياسة فعالة. ويأمل البعض في أن يؤدي أسلوب المواجهة الجديد الذي تتبعه واشنطن إلى إضعاف الحكم الديني إيران. لكن في الواقع، العكس هو الأرجح.
ولعدة أسابيع في ديسمبر الماضي، خرجت الطبقة العاملة والفقراء في إيران إلى الشوارع، الذين كانوا عادةً ركيزةً لدعم النظام، للاحتجاج على سوء إدارة الاقتصاد من قبل المرشد الأعلى وحلفائه المحافظين. وألقى العديد من الإيرانيين اللوم على الفساد المحلي بدلًا من لوم الإمبريالية الأمريكية على حالة بلدهم المحزنة. وفي مناسبات عدة صاح الإيرانيون أن “عدونا هنا، وليس في الولايات المتحدة”. وقد تساءل المعلقون داخل إيران عن مئات الملايين المنفقة في سوريا واليمن ولبنان. كما هاجم البعض المبالغ الضخمة والمبهمة المدفوعة للمؤسسات الدينية. وحتى هذا الشهر، وأكثر ما أثار ذعر المتشددين، أن العديد من الإيرانيين يرون في المزيد من العمل مع الغرب حلًا لمشاكل البلاد.
ومع ذلك، فإن قرار ترامب قد حوّل الانتباه داخل إيران مرة أخرى إلى الولايات المتحدة. والآن صار لدى النظام أدلة جديدة على حجته بأن الولايات المتحدة -التي ضغطت عليها إسرائيل والسعودية- تسعى إلى إفقار الشعب الإيراني. ومن المرجح الآن أن يحتشد الإيرانيون الوطنيون، بمن فيهم أولئك الذين يعارضون النظام الاستبدادي، تمامًا مثلما فعلوا خلال فترات سابقة من التهديدات الخارجية.
وقد اتفق المتشددون في إيران مع قول ترامب بأن الاتفاق النووي هو أسوأ اتفاق في التاريخ الإيراني الحديث، والآن أعلنوا صراحةً بأنهم كانوا على حق فيما يتعلق بالأميركيين الكاذبين. ويجد النظام الديني نفسه في موقف استثنائي من وقوف المجتمع الدولي معه في حين أن الولايات المتحدة هي المعزولة. وهذا الانقلاب في الأدوار بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية يقوي الحكام المستبدين في إيران.
ورحب جميع المناضلين من أجل التغيير الديمقراطي داخل إيران تقريباً بالاتفاق النووي ورفع العقوبات التي كانت مفروضة عليها. وتشير الدلائل الأولية إلى أنهم يعارضون قرارات إدارة ترامب الجديدة.
في حين أن بعض الإيرانيين في الخارج وفي الداخل يتقبلون الخطاب الصارم الجديد لإدارة ترامب -وهو ما يؤكد على أن القيادة الحالية لا تفهم سوى القوة- ، يبدو أن معظمهم يخشون من أن هذا الخطاب في نهاية المطاف سيفيد رجال الدين أنفسهم، الذي يُشكل حكمهم الاستبدادي كارثة. ويخشى كثيرون أيضًا من أن السياسة الجديدة ستدفع إيران إلى توطيد علاقاتها مع روسيا والصين -لسنوات، وهو هدف استراتيجي لخامنئي وحلفائه.
ويجب أن يكون احتواء أعمال إيران العدائية في الخارج هو أولوية قصوى لإدارة ترامب، فضلًا عن المشاركة في الحد من التسلح لوقف برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية، ودعم أفكار الديمقراطية وحقوق الإنسان. ومع ذلك، كان بالإمكان تنفيذ كل هذه العناصر في التعامل مع إيران دون الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني.
وما زال بالإمكان تنفيذها دون السعي لتغيير النظام -وليس بسبب أن هدف التحول إلى الديمقراطية سيئًا، بل لأن الاستراتيجية التي اختارها ترامب لن تنجح. فالديمقراطية سوف تأتي إلى إيران عندما يُصفي الشعب الإيراني حسابه مع حكامه القساة وغير الأكفاء. وبشكل محزن، تؤخر استراتيجية ترامب الجديدة هذا.