بحسب مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية، يجرى حاليًا نقاش في طهران حول ما إذا كان التوجه في بغداد مجرّد مبالغة في التقديرات، أو ما إذا كان على إيران أن تتعلم العيش مع القومية الشيعية المتنامية.
وسيكون لنتائج هذا الصراع الداخلي بين الشيعة، تأثير على المصالح الإيرانية خارج العراق، إذ ظهرت موجة القلق الإيرانية بعد أن ظهر مقتدى الصدر في مدينة جدة السعودية، في 30 يوليو 2017.
ووقف «الصدر» منذ وقت طويل ضد النفوذ الإيراني في العراق بشكل علني من جهة، وكانت إيران الملاذ الآمن له كلما احتاج إلى مكان للاختباء من جهة أخرى، على حد تعبير المجلة الأمريكية.
مقتدى الصدر
قبل الخوض والحديث عن عداء رجل الدين الشيعي، مقتدى الصدر للجمهورية الإسلامية الإيرانية، سنتعرف بشكل مختصر على زعيم التيار الصدري:
هو من مواليد 12 أغسطس 1973، هو رجل دين شيعي وزعيم التيار الصدري الذي يعتبر أكبر تيار شعبي شيعي في العراق وقائد لاجنحة عسكرية تابعة لتياره متمثلة بكل من جيش المهدي ولواء اليوم الموعود وسرايا السلام.
بعد أشهر من الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 التف «الصدر» غالبية المجتمع الشيعي في وسط وجنوب العراق حوله، ومالبث أن أصبح يحرك تلك الجماهير نحو تظاهرات سلمية حاشدة لرفض الوجود الأمريكي بالعراق.
مهدت هذه الأمور للوصول إلى الصدام المسلح في عام 2004 بعد أن أصدر الحاكم الذي عينه الاحتلال على العراق بول بريمر قرارا بإغلاق صحيفة الحوزة التابعة للصدر، وقامت قوات التحالف بفتح النار على محتجين اعترضوا على اغلاق الصحيفة.
وفي 4 أبريل 2004 أصدرت سلطة الائتلاف المؤقتة مذكرة اعتقال بحق مقتدى الصدر انتجت تصعيد دموي من قبل عناصر جيش المهدي نحو قوات التحالف في بغداد وعدد من المحافظات حيث هاجم مسلحيه دورية من فرقة الفرسان الأولى الأمريكية في مدينة الصدر مما أوقع ثمانية جنود أمريكيين قتلى مع إصابة واحد وخمسين وتدمير عدد من الآليات الأمريكية.
الانتخابات
الأسبوع الماضي، وفي أول انتخابات يشهدها العراق منذ إعلان هزيمة تنظيم «داعش» في ديسمبر الماضي، حلّ تحالف «سائرون» الذي يجمع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر والحزب الشيوعي وبعض أحزاب التكنوقراط على أساس مكافحة الفساد، في المرتبة الأولى بـ54 مقعدا.
وتضم قائمة «سائرون» حزب الاستقامة الذي يقوده مقتدى الصدر بالإضافة إلى ستة تكتلات غالبيتها علمانية، أبرزهم الحزب الشيوعي العراقي، ولن يتولى الصدر رئاسة الحكومة لأنه لم يترشح، ومن المرجح أن يلعب دورا في تشكيل الحكومة، ويعد الصدر خصما لأمريكا وإيران على السواء.
وبحسب بيان صادر عن مكتب «الصدر»، استقبل الزعيم الشيعي، بمقر إقامته في مدينة النجف سفراء تركيا والأردن والسعودية وسوريا والكويت، وخلال اللقاء الذي عقد بمناسبة حلول شهر رمضان، قال إن علاقات العراق مع دول الجوار «ترتكز على قاعدة أساسية، أننا أصدقاء لا أعداء».
وكان الصدر قال في بيانٍ، إن الحكومة لن تكون «لا سنية ولا شيعية ولا عربية ولا كردية ولا قومية ولا طائفية، بل حكومة عراقية أصيلة ومعارضة بناءة أبية سياسية سلمية»، بحسب ما أفادت رويترز الخميس 24 مايو 2018.
وتابع: «سوف أستنير برأي المرجعية والعشائر الأبية وبطبقات الشعب الكبيرة»، مشيراً: «إننا سنُطلعهم على تفاصيل الاجتماعات الكثيرة، لتكون لهم الأقوال السديدة، ثم ننتظر الكتل النزيهة ذات التوجهات الوطنية الثمينة لتشكيل حكومة قوية».
ويحتاج الصدر لثلاثة أحزاب ليتمكن من تشكيل الحكومة، في الوقت الذي تأملتا بريطانيا وأمريكا فوز العبادي، مع أن الصدر قال ذات مرة إنه سيسانده.
بديل شيعي
مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية، قالت إن الإيرانيون أصبحوا يُدركون أن «الصدر» يطمح لإعادة إظهار نفسه كشخص يبرز عن باقي الحشد السياسي الشيعي، حتى يتمكن من الحفاظ على أهميته في الساحة السياسية العراقية. وتعد رحلته إلى جدة امتدادا لتلك الجهود.
وحسب مراقبين، يرغب الصدر بأن ينظر إليه على أنه بديل عن الأحزاب الشيعية الأخرى، وتبنيه نهجاً مختلفاً تجاه السعودية هي إحدى طرق تحقيق ذلك، على الرغم من أنه يجب عليه الانتظار لرؤية ما إذا كان باستطاعته الحفاظ على نهجه الجديد على المدى الطويل.
وتعتقد طهران، أن الصدر يأمل بأن يساعده السعوديون في الحصول على الدعم من الجماعات السنية العراقية المدعومة من السعودية، أو الشيعة في بغداد الذين ينتقدون طهران مثل رئيس الوزراء السابق إياد علاوي.
من جانبها لم تستطع طهران إخفاء ارتباكها وحيرتها من خطط الصدر. ففي البداية، ردت طهران على أن الصدر لا يخون إيران من خلال زيارته للرياض، بل قام بتنسيق هذه الزيارة مع طهران. ووفقاً لهذا التبرير كان الصدر يعمل كوسيط بين السعوديين والإيرانيين.
توتر
في مايو 2017، قال الصدر في بيان له: «إن الشعب الإيراني بحاجة إلى نظرة أبوية لكي يحصل على مقومات العيش الرغيد التي حرم منها بسبب الحصار الدولي المفروض عليه»، وأضاف: «على الحكومة الانفتاح على بعض الدول غير المحتلة ودول المنطقة، وترك المهاترات السياسية والطائفية التي ما جرت عليهم وعلى المنطقة جمعاء إلا الويل».
وعقِب فوزه بالانتخابات الأخيرة، أعرب زعيم التيار الصدري العراقي، مقتدى الصدر، عن رفضه تدخل إيران والولايات المتحدة الأميركية في تشكيل حكومة بلاده المقبلة، وقال: «أما إيران فهي دولة جارة تخاف على مصالحها، نأمل منها عدم التدخل بالشأن العراقي، كما نرفض أن يتدخل أحد بشؤونها»، وتابع: «أميركا دولة محتلة، لا نسمح لها بالتدخل على الإطلاق».
من جانبه، قال السفير الإيراني لدى العراق، إيرج مسجدي، إن علاقات المسئولين الإيرانيين مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ودية وأخوية، وذلك بعد أن كشفت تقارير عن تجاهل الصدر رجل الدين الشيعي عقد أي لقاء مع السفير الإيراني أو أي مسئول إيراني إلى جانب اللقاءات التي عقدها مع عدد من سفراء الدول العربية.
وقال «مسجدي» في مقابلة لوكالة إيرنا، إن بلاده ترحب بإرادة الشعب العراقي في انتخاب نواب برلمانه وتهنئ جميع الأحزاب والتيارات والائتلافات التي فازت بأصوات الشعب وتأهلت للمجلس، وأكد أنّ إيران تربطها علاقات بناءة مع جميع الأحزاب والتيارات والائتلافات التي فازت بأغلبية كراسي البرلمان في الانتخابات الرابعة وأن جميع الفائزين من اخواننا.