انقضت سحابة الصيف التي أظلت العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين الإيراني والمغربي، رُغم طول مدة مكوثها في السماء الدبلوماسية، فقد استمرت القطيعة ما يربو على خمس سنوات، منذ مارس / آذار 2009 إلى مايو / أيار 2014، والأخير هو الشهر الذي اتفق فيه البلدان على تطبيع العلاقات بينهما.
في الخامس من مايو / أيار من عام 2014، أجرى وزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، اتصالًا هاتفيًا مع نظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، مفاد الاتصال كان دعوة مُوجَّهة من الجانب المغربي إلى الجانب الإيراني لحضور اجتماع لجنة القدس قبل شهرٍ من تاريخه، والمنعقد بمدينة مراكش، لقد كانت القطرة التي كسرت جدار الجليد.
ثم في يناير / كانون الثاني من عام 2015، شهدت العلاقات بين البلدين، عندما عينت طهران سفيرها في الرباط، لتنتهج المغرب نفس الصنيع، ولكن عقب فترةٍ طويلة، عندما كلفت في فيراير / شباط 2016، سفيرها في جمهورية آذربيچان، حسن حامي، ليقُم بمهام تكليفه ومهمته الجديدة؛ كسفيرٍ للرباط في طهران، وقدم أوراق اعتماده في أكتوبر / تشرين الأول من عام 2016، إلى الرئيس الإيراني الحالي، حسن روحاني. وذلك بعدما كانت العلاقات بين الجانبين قائمة على مستوى القائمين بالأعمال فقط.
لماذا كان التأخُر؟
وربما هذا التأخُر من الجانب المغربي كان لانتظار المغرب مفاصلة من الجانب الإيراني تجاه قضايا الخلاف بينهما، وهذا يظهر في الدعوة التي قدمناها سلفًا في مقدمة التقرير، المتمثلة في دعوة المغرب لإيران لحضور اجتماع لجنة القدس، حينذاك حضر سفير إيران لدى منظمة التعاون الإسلامي، حامد رضا دهقاني، وقد عاد إلى إيران مُحمَّلًا بمطالب المغرب لإعادة العلاقات مع الجانب الإيراني، وقد تحدثت عنها وسائل الإعلام المغربية وغيرها في سياق هذا الاتصال، وقد حُدِّدت داخليًا بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب واحترام مقوماته الدينية والحضارية، وخارجيًا في عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج ذات الصلة بالمغرب.
ولكن سارت فترة هذه العلاقات بمعدلٍ بطئٍ نسبيًا، ولم تكن العلاقات على المستوى الذي كان في التسعينيات والعقد الأول من الألفية الثانية، وكأن الدولتان لديهما اعتقاد بأن هذه الغلاقات كقلعةٍ من الرمال على شاطئ، ستأتي المياه تغمره كأن لم يغنى بالأمس، وتجعله وأرض الشاطئ سواء.
ولكن شهدت الفترة الضئيلة من الصُلح علاقاتٍ اقتصادية ساهمت في إنعاش اقتصاد البلدين، بالإضافة إلى كم الزيارات من قِبل وزراء خارجية البلدين، والذي كان يعمل على تصفية رواسب القطيعتين السابقتين، وتسوية ملفات الخلاف بين البلدين.
لكن هذا لم يحدث.
قطيعة أيار / مايو 2018
في أولى تقارير سلسلة “العلاقات الإيرانية المغربية”، قدمنا خطاب ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي، عن القطيعة الثالثة للعلاقات بين البلدين، كان خطابًا طويلًا ومُسهَبًا، وكان يجمع أسباب القطيعتين الأولى والثانية، ولكن وسّع الخطاب من دائرة المتهمين الذين يُسهِمون في التأثير على استقلالية النغرب، ومساعدة البوليساريو في تقوية شوكتها تجاه جكومة المخزن في الرباط.
وأصبحت إيران طرفًا مباشرًا في الخطاب، لأنه كان مُنصَّبًا على مليشيا حزب الله اللُبنانية، وقد ربطت الخارجية المغربية بين الجهود والأنشطة التي تبذلها حزب الله في تمويل وتدعيم وتسليح البوليساريو، وبين دور إيران الرئيس في دعم وتهيئة الانفصاليين في جنبات الأرض لخدمة أهدافهم السياسية، ونظرًا لأن حزب الله هو واحد من أقوى أذرع إيران في منطقة الشرق الأوسط.
أحدثت تلك القطيعة تكتُلًا تأييديًّا دعائيًّا عامًا لكافة القوى التي تقع على عداوةٍ دبلوماسيةٍ مع إيران، وكان على رأسهم المملكة العربية السعودية، والتي عبرت عبر وزير خارجيتها، عادل الجُبير، أن إيران تعمل على زعزعة أمن الدول العربية والإسلامية عن طريق إثارة الفتن الطائفية. وتدخلها في شؤونهم الداخلية ودعمها للإرهاب، وما فعلته إيران في المملكة المغربية الشقيقة عبر أداتها تنظيم “حزب الله الإرهابي” خير دليل، وكان بالطبع برفقة السعودية الإمارات والبحرين، هذا الثلاثي الخليجي المُتحِّد والذي يحمل رؤى دبلوماسية شبه متوافقة.
على الجانب الآخر، نفت طهران اتهامات المغرب، وأعربت عن أسفها لأن مثل هذه الاتهامات تشكل “ذريعةً” لقطع العلاقات الدبلوماسية، وقد نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية بيان سفارتها في الجمهورية الجزائرية، والذي جاء فيه: “إذ تنفي سفارة الجمهورية الإسلامية في الجزائر هذه الاتهامات الكاذبة، تؤكد التزامها بممارسة دورها القانوني والطبيعي في توطيد وتعميق العلاقات الطيبة بين البلدين الشقيقين إيران والجزائر”.
وهذا يُدخِلنا إلى جبهةٍ جديدة مُعقَّدةٍ في العلاقات الإيرانية المغربية، وهو الجانب الجزائري، الذي تمر الأيام بينه وبين جاره المغربي إلى ما هو أكثر سوءً وتأزمًا وتوترًا
إيران بين الجزائر والمغرب
لقد ألقت الخارجية المغربية اتهامًا واضحًا ومباشرًا إلى الجزائر بالاشتراك في هذا الحدث، وهذا عبر اتهام المغرب لسفارة طهران في الجمهورية الجزائرية بتسهيل عمليات الدعم لجبة بوليساريو بالاشتراك مع حزب الله، أمرٌ قُوبِل باستهجانٍ ورفضٍ شديد من قِبل السلطات الجزائرية.
إذ كشف وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، ولأول مرة تفاصيل تتعلق بما أسماه “الدعم الجزائري الفعلي والمباشر للاجتماعات التي عقدتها كوادر حزب الله اللبناني، وقيادات من جبهة البوليساريو.
إذ قال بوريطة في مقابلةٍ مع مجلة “جون أفريك” الأسبوعية الدولية، إن بعض الاجتماعات بين البوليساريو، وحزب الله، قد تم عقدها في مكانٍ سريّ بالجزائر العاصمة، معروف لدى الأجهزة الجزائرية، ومُستأجَر من طرف جزائريةٍ متزوجةٍ من أحد كوادر حزب الله، تم تجنيدها كعميلة اتصال تابعة للحزب خاصة مع البوليساريو.
مضيفًا بأن السفارة الإيرانية بالجزائر العاصمة، كانت صلة الوصل التي تربط بين حزب الله والجزائر والبوليساريو، من خلال مستشارها الثقافي، أمير الموسوي؛ الذي كان دائمًا الشخص الرئيسي والمحوري في محاولات نشر التشيُع في العديد من البلدان العربية والإفريقية، وهو اليوم مستشارٌ في القضايا الاستراتيجية للمرشد الأعلى للثورة، علي خامنئي، على حد قوله.
معطياتٌ يقول عنها بوريطة، إنها جُمِعت بدقةٍ بالغة على مدى عدة أسابيع، واستلزم التحقُق منها عدة أشهر، مُضمَّنةً بحقائق ثابتةٍ ودقيقة، منها مواعيد زيارات مسؤولين كبار في حزب الله إلى الجزائر، وتواريخ وأمكنة الاجتماعات التي عقدوها مع مسؤولي البوليساريو، وقائمة بأسماء العملاء المشاركين في هذه الاتصالات.
ومن ثمَّ يطفو على السطح جزمٌ بأن المغرب استدعت التوترات والتأزم في علاقاتها مع جارتها الجزائر وأقحمتها في قضية قطع علاقاتها مع إيران قسرًا، وهذا ما صرَّح به المتحدِث باسم وزارة الخارجية الجزائرية، عبد العزيزبن علي الشريف، والذي أدان ما وصفه بـ”التصريحات غير المسؤولة” لوزير الخارجية المغربي، واعتبرت أن اتهامات بوريطة التي لا أساس لها من الصحة ولا مبرر لها، هي في الواقع تمثل “سياسة الهروب إلى الأمام” التي انتهجها المغرب في أعقاب النكسات الرئيسية التي عانى منها في إفريقيا، وأوروبا، ومؤخرًا في نيويورك.
وقال بن علي شريف: “عوض تقديم الأدلة الدامغة التي يزعم أنها بحوزته، والتي لا وجود لها في الحقيقة، وعوض الأسف أمام الذهول الذي تلقى به المجتمع الدولي ادعاءاته في الفاتح مايو الأخير، آثر الوزير المغربي المُضي في التضليل والافتراء”.
شدّ المتحدث مئزره، واحتدّ بالقول على المغرب، حينما قال أن هذه الاتهامات تفضح عجز المغرب في إقحام الجزائر مباشرةً في نزاعٍ جزم بخصوصه مجلس الأمن الدوليّ، مجددًا أنه مسالة تقرير مصير ينبغي أن تُشكِّل موضوع مفاوضات مباشرة بنيّةٍ حسنة، ودون شروطٍ مُسبَّقة تحت إشراف الأمم المتحدة، بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو من أجل التوصل إلى حلٍ سياسيٍّ عادل ومقبول من الجانبين يضمن تقرير مصير شعب الصحراء الغربية.
سُلوكياتٍ مغربية استدعت الجزائر لئن تستدعي السفير المغربي للاحتجاج على اتهامها بأنها أدت دورًا في دعم إيران لجبهة البوليساريو عن طريق سفارة طهران لديها، مُعرِبةً له عن رفض السلطات الجزائرية تصريحات وصفتها بأنها أقحمت الجزائر في الموضوع، ولا أساس لها.
كما كشفت وكالة الأنباء التركية، الأناضول، إمكانية تخفيض الجزائر تمثيلها الدبلوماسي مع المغرب ردًا على “حملةٍ” مغربية تستهدفها، حتى أن مصدرًا دبلوماسيًّا مُطلِّعًا، طلب عدم كشف هويته، صرّح للوكالة، إن وزارة الخارجية الجزائرية رفعت توصيات لرئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، تتعلق بالأزمة مع الجارة المغرب، ومن بين التوصيات تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع المغرب عبر طرد عدد من الدبلوماسيين المغاربة العاملين في الجزائر، وغلق فروع قنصلية.
فما الجُرح الذي شرّطته إيران في العلاقات الجزائرية المغربية، واستدعى المغرب لفعل كل هذا؟
#نستكمل الجزء القادم.