الجزيرة
بعد انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاقية النووية لعام 2015، كان هناك الكثير من الجدل حول مستقبل الاقتصاد الإيراني. وتكهن البعض بأن التأثير السلبي لقرار ترامب على أسواق النفط قد يضع بقاء الاقتصاد الإيراني موضع شك.
ومع ذلك، من أجل إجراء تنبؤ واقعي حول “ماذا سيحدث” بعد تضرر الاتفاقية، فإن المرء يحتاج أولًا إلى دراسة “ما حدث” منذ بدايتها. والحقيقة هي أن إيران لم تجنِ أي شيء تقريبًا من هذه الاتفاقية.
وقد كانت أهم العقوبات التي كان من المفترض رفعها هي العقوبات المالية. ولم تقم الولايات المتحدة برفع العقوبات التي وعدت، وكذلك فرضت أيضًا عقوبات جديدة. مثل قيود التنازل عن التأشيرات التي وقعها الرئيس باراك أوباما، و”التصدي لخصوم أمريكا من خلال قانون العقوبات” الذي وافق عليه الرئيس ترامب.
وبعبارة أخرى، في انتهاك واضح للاتفاقية، حاولت الحكومة الأمريكية باستمرار حرمان إيران من الامتيازات التي وعدت بها الاتفاقية. ونتيجة لذلك، استمر الاقتصاد الإيراني بالتأثر بالعقوبات وفشل في التمتع بالفوائد المتوقعة من الاتفاقية خلال العامين الماضيين.
وعلى الرغم من أن إيران باعت المزيد من النفط، إلا أن الوصول إلى أموال النفط كان محدودًا للغاية حتى بعد تنفيذ الاتفاقية.
يعتقد الفريق الاقتصادي للرئيس حسن روحاني أنهم إذا قاموا بزيادة أرباح الشركات الغربية في إيران، فإنهم سيواجهون احتمالية فرض العقوبات من جديد. وهكذا، بعد تنفيذ خطة العمل المشتركة، فقد قاموا بفتح السوق الإيراني أمام السلع والخدمات الأجنبية، التي لم تؤذِ المزودين الإيرانيين وتسببت في ركود فقط، بل وأدت أيضًا إلى زيادة بنسبة 50% في الميزان التجاري السلبي بين إيران وأعلى 20 شريك تجاري من 2016 إلى 2017.
وتجاوز هروب رأس المال من البلاد دخولها، وفي العام الماضي كان عجز حسب رأس المال في إيران يبلغ 11 مليار دولار. وكان هذا التوازن قبل الاتفاقية يعد أمرًا إيجابيًا. ونتج عن هذه التطورات انحدار حاد في قيمة عملتها، وقد وعد الرئيس روحاني بالسيطرة عليه بعد تنفيذ خطة العمل المشتركة. وارتفعت الديون الخارجية الإيرانية قصيرة الأمد من 777 مليون دولار إلى ما يقرب من 3.7 مليار دولار بنهاية عام 2017.
وبالنظر إلى هذه التعقيدات المتعلقة بالاتفاقية، يمكن للمرء أن يقول أنه مع انتهائها سيتم حل بعض مشاكل الاقتصاد الكلي في إيران.
وسيوحد انسحاب ترامب من الصفقة النووية القوى السياسية داخل إيران ويشجعها على اتباع مسار مختلف لإدارة الاقتصاد وحل مشكلاته الحالية. وقد أثبت انتهاء الاتفاقية وانعكاساتها الاقتصادية للإيرانيين أن الولايات المتحدة لا تستحق ثقتهم، وأنها عدو لإيران، وأنهم لا يستطيعون أبدًا لعب لعبة مربحة معها. كما أظهر مصير الاتفاقية أن الاندماج في الاقتصاد الغربي لن يساعد على التنمية الاقتصادية لإيران، بل قد يعيقها.
ستركز حكومة الرئيس روحاني الآن على إجراءات المحلية لتفادي تأثير العقوبات. وقد تم بالفعل اتخاذ بعضها لعزل الاقتصاد عن المفاجآت الأجنبية وسيتم تنفيذ المزيد. ووفقًا لبعض التقارير، فإن ثلثي الواردات الإيرانية هي سلع مشابهة لتلك التي يتم إنتاجها محليًا بالفعل.
وتنفق إيران ما يقرب من 30 مليار دولار سنويًا لاستيراد هذه “السلع المماثلة” (في العام الماضي استوردت إيران ما قيمته 45 مليار دولار من البضائع في الإجمالي). وقد اقترح المرشد الإيراني الأعلى آية الله خامنئي، فرض حظر على مثل هذه الواردات، وهو ما سيؤدي -في حالة تنفيذه- إلى حدوث تحول جوهري في الميزان التجاري للبلاد. وستظهر تأثيرات هذا الإجراء في توسيع الأسواق للموردين المحليين، وانخفاض معدل البطالة، وزيادة قيمة العملة الإيرانية، وانخفاض الاعتماد على عائدات النفط.
وهناك أيضا مجموعة من الإجراءات الضريبية التي تسعى لتححقيق الأهداف التي حددها المرشد الأعلى لتخليص الميزانية من الاعتماد على عائدات النفط. وقد أفاد مسعود نيلي المستشار الاقتصادي للرئيس روحاني مؤخرًا، أن نسبة 10% من المجتمع الإيراني –الأغنى- لا تدفع سوى 3% من جميع ضرائب الدخل، بينما تدفع نفس النسبة -10%- في الولايات المتحدة أكثر من 70% من إجمالي ضرائب الدخل. وفقًا لنيلي، ينبغي زيادة حصة هؤلاء الـ 10% من إجمالي ضرائب الدخل.
بالإضافة إلى الإجراءات التجارية والضريبية المذكورة أعلاه، فهناك حاجة أيضًا إلى بعض إجراءات مالية لتفادي العقوبات الأمريكية. فقدرة الولايات المتحدة على فرض عقوبات مالية تنتج بشكل كبير بسبب تداخل النظم المصرفية، حيث تعتمد البنوك على شبكة عالمية للاقتراض والإقراض والتبادل والاستثمار وتبادل الأموال. وكلما اعتمدت إيران على هذه الأنظمة المتداخلة، كلما أصبحت أكثر عرضة للعقوبات والعكس صحيح.
بدأت طهران بالفعل في الابتعاد عن هذا النظام الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة. ووقعت إيران رسميًا أول صفقة تبادل عملات مع تركيا في أكتوبر الماضي، وفي أبريل 2018 أصدرت الدولتان أول خطابات اعتماد بالعملة المحلية. كما أن شركاء إيران التجاريين الرئيسيين الآخرين مثل الصين، على استعداد لتوقيع اتفاقيات تبادل العملة التي من شأنها خفض التعامل بالدولار.
إيران دولة غنية بالموارد، وقد قطعت شوطًا طويلاً نحو التنمية بعد الثورة الإسلامية عام 1979. وبالطبع، تختلف التنمية عن البناء. فيمكن أن يكون لديك قطاع بناء نشط تديره شركات أجنبية وتمول من قبل أموال النفط، لكن هذا لن يضمن لك التنمية. وقطاع البناء المحلي الذي يلبي البنية التحتية والإحتياجات السكنية هو ما يشير إلى التطور الحقيقي. وإيران لديها الكثير من هذا.
وهذا ما لاحظه جاك سترو، وزير الخارجية البريطاني السابق، في إيران عندما زارها في يناير 2014، عندما كانت البلاد لا تزال تحت ما يسمى بـ “العقوبات المعيقة”.
وقد قال: “وبينما يُنقل الوفد البرلماني البريطاني في وقت مبكر من الأسبوع الماضي من مطار الخميني إلى فندقنا في وسط مدينة طهران، فقد صدمتني البنى التحتية التي كانت موجودة في السنوات التسع التي مضت منذ زرتها آخر مرة، فهناك طرق جديدة وخطوط مترو جديد تحت الإنشاء. وعلى الرغم من العقوبات، تبدو طهران هذه الأيام أشبه بمدريد أو أثينا أكثر من مومباي أو القاهرة مثلًا.
وقد أثبتت إيران أن لديها الموارد المادية والبشرية للتغلب بمفردها على عدائية الولايات المتحدة –وعلى الرغم منها-.